/منكرات الأفراح

محمد سعيد صديق
1433/07/24 - 2012/06/14 21:35PM
25 / 7 / 1433هـ


الخطبة الأولىالعنوان/منكرات الأفراح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعدُ:فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: تسر العين وينشرح القلب وتطيب النفس عندما نرى ونسمع ذلك البناء العظيم الذي سيبدأ بنيانه وأهله يعدون العدة لإقامته وإتيانه، وكيف لا يكون عظيمًا والمولى سبحانه تفضل به منة وإنعامًا، ونبيه صلى الله عليه وسلم وجه إليه وحث عليه صيانة للإنسانية وإكراما؟! به يقطع الشر ويشيع الطهر ويحفظ الفرج ويغض البصر، إنه الزواج، آية من آياتالله،( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) . وإن من واجب هذه النعمة ، شكرها وإحاطتها بما يرضيه سبحانه ، والحذرمما يغضبه جل جلاله. ومن المسلمين اليوم ، من لا يقدر هذه النعمة ، ولا يعرف فضلها، ولذلك تجده يحيطها بأنواع من المخالفات وكثير من المنكرات.
أيهاالمسلمون، إن كثيرًا من أعراس الناس في هذا الزمن تعجُّ بالمنكرات، وتطفحُ بالموبقات، ومظاهرُ كفرِ النعمة فيها بادية للعيان.
لقد أصبحت كثير من الزيجات مجالاً للمباهاة والمفاخرة على الناس، والفساد في الأرض، وكفر النعمة،والأشر والبطر؛ فصالاتها، وقصورها تستأجر بأثمان خيالية.
فمن السرف في الأطعمةالتي يكون مستقرها النفايات، إلى الإسراف في اللباس والحلي والزينة، حتى كأنما خُلق الناس للدنيا، يعبون من مُتعها بلا حسابٍ ولا ميزان.
لقد صارت أعراسُ كثيرمن الناس يُستجلب لها مطربون ومطرباتٌ وراقصات، يحيون الليل كله بالمنكرات، ويعطون مبالغ طائلة، وهدايا ثمينة، على محرم لاشك في حرمته؛ كل ذلك مجاهرةً بالمنكرات والقبائح.
ويصاحب أصوات الغناء والمعازف رقصٌ خليع من نساء متهتكات متخلعاتٍ في لباسهن وأفعالهن، يُمرضن قلوب النساء قبل قلوب الرجال بمجونهن وفسقهن، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قدحدثنا عن "نساءٍ كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة،لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
وقد حُدثنا -في هذاالعصر- عن نساءٍ يحضرن حفلات الأعراس بلباس عارٍ لا يُلبس إلا في غرف النوم، وعن فتياتٍ قد نزعن من لباسهن بقدر ما نزع من قلوبهن من الحياء، كاسيات عارياتٍ، يبدين من أجسادهن ما يستحي أن يبديه الفتيان من أجسادهم، فأين حياءُ النساء؟! وأين غيرةالرجال؟!
إن هذا التهتك في اللباس الذي صار ظاهـرة في أوساط النساء -وبوجه أخص في حفلات الأعراس- ما كان إلابسبب تساهل الأزواج مع زوجاتهم، والآباء مع بناتهم، والإخوان مع أخواتهم، وإلا لوعلمت الزوجةُ أو البنتُ أو الأختُ أن وليها سيغضب إن لم تحافظ على سترها وحشمتها لما فعلت فعلتها، ولو أنها أدركت أنها مراقبة في لبسها، وستعاقب عليه، وتمنع من الذهاب به، لما لبست ما تشاء.
واعجبًا من رجالٍ يغضب أحدهم إن قيل السوء في إحدى محارمه، ولكنهم لا يمنعونهن مما يجلب لهن السوء والشر والعار والنار.
وحياء المرأة يزول شيئًا فشيئًا، فإذا لم يجد من محارمها الرجال من يصونُه ويحفظه زال بالكلية حتى تصير بلا حياء في قولها وفعلها، ولباسها وحركاتها، وتجر عارًا على أسرتها ما كان ليحدث لو أن أسرتها حفظتها وحرستها من ذئاب الأعراض، وثعالب النساء.
إننا ما رأينا ولاسمعنا عن امرأة تكون محتشمة في لباسها، ملتزمة بحجابها، ثم تنبذه فجأة، وتتعرى بين عشية وضحاها؛ لأن المرأة مفطورة على الحياء، وتعاليمُ الإسلام مع عادات العرب التي أقرتها الشريعة تنمّي هذا الحياء فيها مع نموها، وتكرِّسُه في نفسها؛ حتى يصبح سجية لها. وقد ابتليت البشرية في هذا العصر بمعاول تهدمُ حصنَ الحياء عند المرأة،كما تحطم سلاحَ الغيرة عند الرجل؛ حتى صارت النساء بلا حياء، والرجالُ بلا غيرة إلا عند المسلمين المتمسكين بدينهم، ويراد لنساء هؤلاء المسلمين أن يقضين على حيائهن، كما يرادُ لرجالهم أن يكونوا بلا غيرة على محارمهم؛ لتصبح مجتمعات المسلمين كما هي مجتمعات الغربيين، لا مكان فيها للحياء والغيرة.
وليعلم كلُّ أبٍ وزوجٍ وأخ أنه مسؤول أمام الله تعالى عن محارمه، فعليه أن يأمرهن بالمعروف،وينهاهن عن المنكر، فإذا رأى منهن تهتكًا في اللباس ولو عند محارمهن منعهن من ذلك، ووعظهن بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن قبلن الوعظ وإلا أخذ على أيديهن، وقسرهن على الحق قسرًا؛ ففي ذلك حمايةٌ له ولهن في الدنيا من العار والفضيحة، وفي الآخرة من نار جهنم.
أسأل الله تعالى أن يستر على نسائنا بستره، وأن يمنَّ عليهن بصلاح الباطن والظاهر، وأن يكفيهن شرالأشرار، ومكر الفجار، وكيد الكفار، إنه سميع مجيب. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبةالثانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى بفعل ما أمر، واجتناب الفواحش ما بطن منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين.
أيها المسلمون: كثيرٌ مما يقع من السرف والمنكرات في حفلات الأعراس ما هو إلا بتدبير النساء؛ ولكنه بمال الرجال، والرجل مسؤولٌ عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وهو راعٍ ومسؤول عن رعيته، وعليه إثم ما يقارفه أهله وبناته من منكرات وموبقات؛ لأنهم رعيته.
فهو مسؤول عن السرف والتبذير، وعن لباس نسائه وتعريهن وما يفعلنه من نمْص ووشم وتغيير لخلق الله تعالى في وجوههن وأجسادهن، ومسؤول عما يحدث من منكرات في حفلة العرس من غناء، ورقص، ومعازف، وتصوير، ودخول الرجال على النساء؛ وسهر ممتد في حفلات العرس الى الفجر والى ما بعد الفجر، وغير ذلك، ولو لم يكن مسؤولاً عن محارمه لما كان قوّامًا عليهن، والشارعُ الحكيم قد جعل الرجالَ قوامين على النساء ومع ذلك فإن كثيرًا من الرجال قد ضيعوا نساءهم وبيوتهم، وأطلقوا لهن العنان يفعلن ما يشأن، ويذهبن إلى حيث يردن، ويلبسن ما يحلو لهن بلا حسيب ولا رقيب.
إن طاعة النساء في بعض الأمور -ولاسيما في حفلات الأعراس- لَمِمَّا يكون سببًا في فساد الدين والأخلاق، وضياع الأموال؛ لأن المرأة فيها غيرةٌ شديدة، وحبٌ للمباهاة والمفاخرة، فهي تختزل الدنيا كلها في عرسها أو عرس ابنها أو ابنتها، وتريدُ أن يتحدث الناس به ولو كان على حساب الأوامر الشرعية، والأخلاق المرعية، فإذا أطاعها محارمُهاالرجال، وأعطوها ما تريد حصل فساد عريض.
والله تعالى يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)، ومن عداوة الزوجات لأزواجهن أن يُحسِّنَّ لهم المنكرات، أو يبذلن أموالهم فيها، وحفلات الأعراس لا تخرج عن ذلك؛ فإن الرجل يتكفلُ بكل النفقات بما فيها النفقات على المحرمات، والنساءُ يدبرن شؤون ذلك كماهو واقع الحال، فيعود الوزرُ على الرجل لأنه الباذلُ المنفق؛ ولأن له القوامة على نسائه، وهذه من عداوة الأهل والأولاد للرجل.
وكلما كانت نفقاتُ العرس أقل كان أكثر بركة للزوجين، وأدعى لبقاء الألفة والمودة بينهما، وقد ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ يُمْنِ المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها". قال عروة: وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها، وكثرة صداقها.
وكم من أسر دفعت أموالاً طائلة على زيجات أبنائها وبناتها، ولم تراقبْ شرع الله تعالى في ذلك؛فكانت عواقبُ ذلك وخيمة على الزوجين في زوال الألفة والمودة بينهما، وقلوب العباد بيد الرحمن يقلبها سبحانه كيف يشاء، ويملؤها مودة ورحمة إذا أراد، وأحظى الأزواج بذلك من امتثلوا شرع الله تعالى في زيجاتهم، وجانبوا المنكرات في أعراسهم.
إن كثيرًا من الناس ينفق أموالاً عظيمة على عرس ابنه أو ابنته في وقت يموت فيه عشرات الآلاف من البشر جوعًا وحرمانًا، ألا يخافون أن تسلب النعم من أيديهم؟! فكم من بلاد ضربت في اقتصادها، فصار ما تملكه من مال لا يساوي شيئًا.
وفي وقت يرمي فيه كثير من الناس أطعمة الأعراس والحفلات في النفايات، فإن هناك من تخلط عشبًا بتراب وتعجنه وتخبزه؛ ليكون طعامًا لأيتامها، وهناك من لايجد قوت يومه؛ وهناك بيوت تهدم،وأسرٍ تشرد، ويتامى يبكون، وأطفالٍ جوعى محرومين؟! إن هذه الأموال التي تهدر في حفلات الأعراس؛ لهو أحق بها من يتضور جوعاً ، ويهلك عطشاً من إخوانكم المسلمين ،الذين لا يجدون ما يسترون به عوراتهم ، ولا ما يسدون به جوعهم ، ولا ما يطعمونه أطفالهم ، فقد فتكت بهم الأمراض ، وأهلكتهم الأسقام ، ومع ذلك فهناك فئة من المسلمين يبذرون أموالهم ، وينفقونها في سبيل الشيطان ، فيما يغضب الرحمن ، لتكون عليهم حسرة وندامة يوم القيامة .
ألا فاتقوا الله ربكم، وراقبوه في أقوالكم وأعمالكم، والتزموا شرعه في أفراحكم وأحزانكم.
وصلواوسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ((
من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم. اللهمّ صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد...
المشاهدات 2240 | التعليقات 0