منقول: خطبة مناسبة لبداية العام الدراسي

أبو مالك ابن علي
1435/11/02 - 2014/08/28 12:25PM
خطبة قديمة نافعه وجدتها في جهازي أغلب الظن أنها لأحد فرسان هذا الملتقى المبارك سقط معرفه منها مع الأسف، وأجريت عليها تعديلات طفيفة..
لعل من يعرف كاتبها ينوه باسمه ليُرد الفضلُ لأهله.



وقفات مع العام الدراسي 3/11/1435هـ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي اتصف بالعلم وتسمى به، وأفاض على نبيه ما شاء من أنوار العلم فسما به، وأحاط علمه بالكائنات، وأنار العقول بمحكم الآيات، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، علم القرآن، وخلق الإنسان فعلمه البيان، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، بعثه الله نبيا رحيما وداعيا رفيقا ومعلما شفيقاً وسراجا منيرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، فبِالتّقوى يَصلحُ العملُ، ويُغفر الزللُ، وينال العلم، (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله: يجعل لكم فرقانا، ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم، والله ذو الفضل العظيم)، وجعل الله التقوى سببًا لنيل العلم فقال : (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ).
إخوة الإسلام، إن التربية والتعليم وظيفة الأنبياء والمرسلين، وهي معيار حضارة الشعوب وسبق الدول، ومن أوائل نعم الله تعالى على البشرية هو التعليم؛ فقد قال تعالى ممتنا على أبينا آدم: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)، وأول معلمٍ في هذه الأمة هو محمد ، وأول مدرسةٍ في الإسلام هي مدرسة الأرقم، التي كانت في ناحية المسجد الحرام عند جبل الصفا، ومن ذلك المعلم، وفي تلك المدرسة، ومن أولئك التلاميذ النجباء، صاغ العرب نواة حضارتهم، وسمع العالم بهم، وأدخلوهم ضمن حساباتهم؛ إذ كانوا قبل ذلك على هامش الأحداث وفي ساقة الأمم، والتاريخ يعيد نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة، ولن يرفعَ شأنَ هذه الأمة، ولن ينهضَ بها إلا ما نهض بها في سابقها.
عباد الله: بدأ العام الدراسي، وانطلقت مسيرة التعلم والتعليم، وفتحت قلاع المعرفة، والناس أمامه أصناف، والمستقبلون له ألوان؛ بين محب وكاره، ومتقدم ومتأخر، ومبادر ومتكاسل، ولنا مع هذا ثلاث وقفات:
أما الوقفة الأولى فمع الآباء والأولياء: وهي أن الأب وولي الأمر ينبغي أن يعلم أن دوره لا ينتهي بتوفيرِ لوازمِ المدرسة وحاجياتِها، بَلْ إن عليه أيضا متابعةَ أولاده خارج مدراسهم وداخلها..
فَفِي خارجِ المدرسةِ: عليه أن يتابع معه دروسه، ويشرف على تحصيله، وأن ينتقي جُلَسَاءَه ويختار قرناءه، ويَعْرِفَ ذَهابَه وإِيابَه، يَصْحَبُهُ إلى المساجدِ، ويأخذه إلى المجامع النافعةِ، يُعَلِّمُه مكارمَ الأخلاق، ويحثُّه على فعل الخيرات، يُصَوِّبُ خطأَه وَيَشْكُرُ صَوابَه.
وأمّا في المدرسة: فينبغي عليك أيها الأب أن تكون على صلة مستمرة بمدرسة ولدك, فتلتقي بمُعلميه وتسألهم عنه, وتعرف مستواه خُلُقِياً وعِلْمِيًّا، ليتربى على عينك، وينشأ تحت رعايتك، فذلك أدعى لصلاحه بتوفيق الله.
إنكم معاشر الآباء والأولياء: شركاء للمدرسة في رسالتها، بل إن البيت هو المدرسة الأولى التي يتربى فيها الأجيال وينشأ فيها الفتيان والفتيات، يقول ابنُ عُمَرَ ‏: ‏سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ  ‏يَقُولُ: ‏( ‏كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَن ْرَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَن ْرَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) متفق عليه.
وإن من الأخطاء ما يراه الأبناء من التناقض بين ما يتعلمونه في مدارسهم وما يجدونه من ممارسات داخل المنزل من بعض الآباء والأولياء، كالتهاون في ترك الواجبات والجرأة على انتهاك المحرمات، وأعظم ذلك وأفحشه تضييع الصلوات المفروضة، فيكون حرص الآباء على إيقاظ أولادهم للدراسة والتبكير فيها أشد من الحرص على إيقاظهم لصلاة الفجر في وقتها، فضلا عن أدائها جماعة في المسجد، ويكون تحسّره على فوات اليوم الدراسي أشد من تحسره على ضياع الصلاة! نسأل الله العافية
فاتقوا الله معاشر الأولياء وعظموا أمر الله في نفوسكم، لتجدوا أثره في نفوس من تحت أيديكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، ولتظفروا بعد مماتكم بدعوة من أبنائكم تضيء لكم ظلمة القبر، وعمل يجري لكم إذا انقطع عملكم.
أما الوقفة الثانية فمع قدوات الأجيال: المعلمون والمعلمات، الذين يجلسون على عروش ممالك رعاياها أولاد المسلمين؛ فهم الذين يصوغون العقول ويفتقون الأذهان، ويُقوِّمون اللسان ويصححون البنان؛ فحقهم الإعزاز والإكرام؛ والإجلال والاحترام، حقهم أن ينزلوا المنازل العالية، وأن يعرف قدرهم، وتحفظ مكانتهم.
والوصية لهم بعد الوصية بالتقوى والصدق والإخلاص، أن يكونوا قدوةً صالحةً لمن يتأسى بهم، وليستحضروا أنهم يؤدون رسالةً سامية، وأن شَخْصُهم قُدْوَةٌ، فَليكُونْوا عند حُسْنِ الظنِّ بِهم.
يا معلم الناس الخير: روي عن النبي  أنه قال: (إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلون على معلم الناس الخير)، رواه الترمذي وحسنه الألباني.
إن أولّ ما يُقتدَى بك فيه هو سمتك وأدبك، فاحرص أن يكون دالا على علمك وتعظيمك لشريعة ربك، واجتهد أن يتفق قولُك مع عملك، وأقل ذلك أن تقابل طلابك بتحية الإسلام وطلاقةِ الوجه، قال : (لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئا، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخاكَ بِوَجْهٍ طَلِق) رواه مسلم، وأن تغرس فيهم التربية الإسلامية، ومكارم الأخلاق.
يا رجال التربية والتعليم: إن أولاد المسلمين أمانة في أعناقكم ومستقبل الأمة جُعل بين أيديكم، إن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان فاضلا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان في نفسه صالحًا، لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين، وإن الناشئ الصغير: مرهفُ الحس، خالي الذهن، فإن زينتم لهم الصدق فكونوا صادقين، وإن حسنتم لهم الصبر فكونوا من الصابرين، لأنَّ المطلوبَ من المُعلمِّ المُرَبِّي: الإرشادَ إلى كُلِ خُلُقٍ حسنٍ، والتحذيرَ من كُلِ خُلقٍ ذميمٍ، وفاقدُ الشيءِ لا يُعطيه.
معاشر المعلمين والمعلمات، استحضروا تقوى اللهِ في عملكم، واسْتمْسِكْوا بِعُرى الإخلاص في رسالتكم, واعْلموا أنكم متى اتّصفتَم بهذه الصفاتِ فَسَتَبْقَى لكم الذِكْرى العطِرَةً فِي أذْهانِ طُلابِكَم وغيرهم، مَهْما دارت عجلةُ الزمان، وستثقل موازينكم بحسنات تسببتم فيها.
فيا لله، كم من آية تتلى كنتم ممن أقام حروفها وحدودها، وكم من حديث شريف انطلق من أفواهكم فوقر في نفوس تلاميذكم، وكم خلق نبيل غرستموه في سلوك طلابكم، وكم من علم نافع قدمتموه رفعتم به البلاد ونفعتم به العباد.
فأنتم مشاعل الهدى، ومصابيح الدجى، بعطائكم أبصر الأعمى دروب المعرفة، وبجهدكم أشرق قلب الجاهل بنور العلم، بإخلاصكم وإتقانكم، تخلد أعمالكم، وتبقى مآثركم شاهدة على تضحياتكم، في حياتكم وبعد مماتكم، قال : (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكلَّ شيء أحصيناه في إمام مبين)، ويقول المعلم الأول : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، وذكر منها: علما ينتفع به.
فاستحضروا النية، واشحذوا الهمة، وكونوا في مدارسكم خير مثال، وانشروا في مجتمعكم أنبل الأخلاق وأسماها, فإنكم خيرُ من قام بهذا، وقد قال : (مَنْ دلَّ على خيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فاعِلِهِ) رواه مسلم، وإن الله ُلا يُضِيعُ أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلا.
أقولُ هذا القَوْلِ وأَسْتَغفرُ الله َالْعظيمَ الجليل الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاسْتغفروهُ إنّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله الذي علم بالقلم، أحمده سبحانه وأشكره على ما أسدى من الآلاء والنعم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى السبيل الأقوم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فثالث الوقفات عباد الله: فهي مع أبنائنا الطُّلاب، فلذات الأكباد، يا أمل الأمة وفخرَها اغتنموا أوقاتكم في طلب العلم وتحصيله، فإنكم في زمنه ووقته، ولا تنشغلوا عنه بالتوافه، وعليكم بإحسان النية في تحصيله، فـ(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، واستحضروا في مسيرتكم قول المصطفى : (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع).
يا طالب العلم، اجعل في سويداء قلبك قول ربك وخالقك: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّه)، وجدّ واجتهد، ولا يغرنك كثرة البطالين، واعلم أنّ من كانت بداية محرِقة كانت نهاية مشرقة بإذن الله.
يا طالب العلم، ينبغي أن يكون هدفك من العلم أسمى من مجرد الحصول على شهادة، فلئن دعت الحاجة في الدنيا إلى الوظيفة والعمل، فإن الحاجة أدعى إلى تعلم العلم الذي يعرف به المرء ربه، ويصل به إلى المنازل العالية في الجنة.
يا طالب العلم: إن العلم عزيز، ولن تنهل منه إلا إذا تزينت بآداب أهل العلم، متحليا بمكارم الأخلاق، فلا ينال العلم مستح ولا متكبر، كن صبورا على التعلم، متأدبا مع المعلم، فإن ممن يستحق منك التقدير والإكرام، والإجلال والاحترام، من بذل وقته وجهده ليقدم لك المعلومة النقية، بلا اشتباه ولا غموض، بل بأوضح الطرق وأيسر الأسباب، فحقه عليك الاعترافُ بالفضل، والدعاءُ بظهر الغيب، كيف وقد قال النبي : (من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافئتموه)، وأي معروف يسدى، وأي خير يبذل ويعطى، أفضل من علم نافع يرفع ستار الجهل.
يا طالب العلم، لقد بُذلت جهودً كثيرة من أجلك، فالأوقات صرفت، والأموال أنفقت، والطاقات استنفرت، والهمم شحذت، واجتمعوا لسقاية نبتتك ورعايتها، بالعلم الصافي، والمعرفة الوافية، حتى تؤتي أكلها بعد حين، وتجنى منها الثمار اليانعة، فإن أهلك، بل وطنك، بل أمة الإسلام بأسرها تعقد عليك الآمال، وتنتظر منك خير الفعال، تُؤمِّلُ فردا يشد عزم الرجال الذين يسعون جاهدين في رفعة الدين في شتى الميادين، ونفع العباد في أرجاء البلاد، فكن أيها المبارك عند حسن الظن: خلقًا وعلما وعزما، وهمة وقوة وعزيمة.
ختاما معاشر الكرام، تعلمون ظروف الحياة في هذه الأيام، وشدتها على بعض الأسر، التي قد يشق عليها تأمين اللوازم المدرسية، فليجد هؤلاء منكم ومن منسوبي المدارس رعاية خاصة، بطريقة مناسبة لا تجرح شعورهم، ولا تحرجهم أمام غيرهم، وليساهم من أنعم الله عليه في عدم كسر قلوب هؤلاء، حين لا يبالغون في تأمين أصناف الأدوات الدراسية لأولادهم، وإعطائهم من النفقة ما يفوق حاجتهم، استشعارا ومراعاة منهم لمشاعر زملاء أولادهم من تلك الأسر الضعيفة.
معاشر الأخيار، لو سعى كل منا في تخفيف الأعباء المدرسية عمن يحتاج من أقاربه وجيرانه ومعارفه لكففنا دموعًا كثيرة، وأزحنا همومًا ثقيلة، ترزح على قلوب أولئك الضعفاء، ولو اجتمع عدد من النبلاء ووفروا كمية مناسبة من الأدوات المدرسية، ووضعوها في يد المعلم أو مدير المدرسة، ليعطي منها من يلمس فيهم الحاجة، أقول لو حصل مثل هذا لكان باب خير قل من فطن له، والله ذو الفضل العظيم.
هذا،، وصلوا وسلموا على المعلم الأول مخرج الأمة من الظلمات إلى النور محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين...
المرفقات

وقفات مع العام الدراسي - مكررة.docx

وقفات مع العام الدراسي - مكررة.docx

المشاهدات 590 | التعليقات 0