منظمة «بودو بالاسينا» البوذية المتطرفة.. تتحرك لتحويل سريلانكا إلى ميانمار أخرى!

احمد ابوبكر
1434/05/13 - 2013/03/25 13:29PM
سريلانكا جزيرة صغيرة متميزة في موقعها الجغرافي وجوها المعتدل، وأهلها مسالمون مثقفون يتعايش البوذي والمسلم والهندوسي والمسيحي جنباً إلى جنب متعاونين ومتفاهمين منذ أمد بعيد، رغم حدوث بعض الاضطرابات الطائفية من حين لآخر لأسباب خاصة في وقتها. ويعود تاريخ المسلمين هناك إلى أكثر من 1300 عام، ولهم مساهمات وتضحيات ومواقف محمودة نحو بلدهم منذ القدم، وخاصة أثناء فترة الاحتلال الأجنبي التي طالت ما يقارب 500 عام، وحتى أثناء الحرب بين الحكومة ومتمردي «نمور التاميل» الانفصاليين، كان ولاء المسلمين للحكومة، ولو كان عكس ذلك لما خرجت الحكومة إلى الآن من هذا المأزق. وبعد الاتفاق مع «نمور التاميل» بدأ الشعب يتنفس الحرية والأمن والأمان، وظننا أننا نتجه نحو التنمية والتطور، إلا أن الواقع أثبت أننا نسير إلى نفق مظلم لا يعرف نهايته؛ جراء أعمال متطرفة لمنظمة سمت نفسها «بودو بالاسينا» التي يقودها المتطرفون من كهنة بوذيين تحركها أيادٍ خفية خارجية لنيل مآربها الخبيثة، وما نسيت الحكومة والشعب لعبة المنظمات العالمية في الحفاظ على دوران رحى الحرب في ثلاثة عقود مضت، وها هي عادت في ثوب جديد، ولكن الدور هذه المرة مع المسلمين ومقدساتهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم؛ لعلمهم بعلاقات المسلمين مع العالم الخارجي، وخاصة مع الدول العربية والإسلامية. والدليل على ذلك أن البوذيين في سريلانكا بصفة عامة، ورهبانهم وكهانهم بصفة خاصة، ليسوا متطرفين ولا يمارسون أعمال شغب، إنما هم مسالمون، ونصائح البوذية وقيمها تجعلهم متواضعين، وحتى طيلة سنوات الحرب مع «نمور التاميل» لم يكن لرجال الدين من البوذيين دور في إطفاء نار الحرب، لم يثوروا ولم يضجوا، فمن أين لهم الآن هذه الجرأة والتمويل للحركات السريعة وغير المدروسة والتي تهوي بالبلد حتماً إلى التخلف أكثر فأكثر، وحتى يكون دائماً تبعاً لقوى خارجية تستخدمها لصالحها. تصاعد العداء ويوماً بعد يوم تزداد وتيرة العداوة للإسلام والمسلمين، فقد بدؤوا بهدم ضريح فسكت المسلمون لأنه كان شبه مهجور، ومنعوا توسيع بعض المساجد، ولكن غلبهم المسلمون بالتفاهم مرة وبالنفوذ مرة أخرى، وتجمهروا في أحد معابدهم واتجهوا إلى أقرب مسجد بالمظاهرات والمسلمون في المسجد مستعدون لأداء صلاة الجمعة ومُنعوا منها، وأخرجوهم وأغلقوا المسجد على مسمع ومرأى من قوات الأمن، وأطلقت مناداة عدائية عبر المواقع الإلكترونية و«الفيسبوك» و«التويتر» وملصقات على الحوائط ومنشورات تحرض البوذيين على المسلمين وتهددهم وتنكر وطنيتهم وتقلل مصداقيتهم مع الحكومة، بل تنكر وجود حقوق لهم، بل تدعو إلى معاداة المسلمين وعدم التعامل معهم وبيع أراضيهم للمسلمين، ومنعهم من شراء أغراضهم من متاجر المسلمين. وبدؤوا بإيذاء بعض المسلمين من الرجال والنساء في بعض الأماكن، وعارضوا حصول عدد كبير من طلاب الثانوية شهادات لدخول كلية الحقوق، ونظموا تجمعات ومظاهرات رافعين أصواتهم بالهتافات المعادية، وحاملين يافطات ضد قيم المسلمين، وها هم يعادون لباس المسلمات، وخاصة الحجاب والنقاب، ويسعون لمنع ذلك بالقوانين، ويقولون: هذه العباءة السوداء لا تليق إلا لساكني الصحاري، ويحاربون بشراسة ضد نظام الحلال والذي تنظمه «جمعية العلماء المسلمين»، حيث تعطي شهادة الحلال بوضع شعارها على المواد الغذائية المتأكدة بأنها حلال، ورغم أن هذا النظام أدى إلى جلب 30% من السياح (المسلمين)، وسهل تصدير المنتجات الوطنية؛ فإنهم يعادون ذلك، ويعادون كل ما له علاقة بالمسلمين، ويصفون جمعيات النفع العام التي تخدم المجتمع السريلانكي والتي لها صلة بالعالم الخارجي بأنها جهات متطرفة لها جذور بالإرهاب يجب منعها من الدخول للبلد، كما أن بناء المساجد يزعجهم، وذبح الأضاحي يغضبهم. ورغم محاولاتهم المستميتة في الدفع بالمسلمين للمواجهة والعنف، فإن المسلمين يلتزمون مبادئ الحوار والدعوة بالحسنى؛ وذلك لأن المجتمع السريلانكي لا يخلو من وزراء ومسؤولين بوذيين على قدر من المسؤولية والفهم يجعلهم يدعون المجتمع إلى عدم التطرف ويحذرون من مغبة الخسارة للبلد والمجتمع، ويصرخون بأن هذا فخ ليوقعنا مرة أخرى في الورطة. إلا أن ذلك لم يكن ليمنع أفعال التشدد المتصاعدة، وتواطؤ الحكومة معهم وعدم محاسبتهم وضرب أيديهم يثير التساؤل: هل للحكومة دور في هذا الشأن؟ وفي آخر تجمع لمنظمة «بودو بالاسينا» - حتى كتابة هذه السطور - كان في مدينة «ماهاراجاما» المجاورة للعاصمة، وحضره ما لا يقل عن خمسة آلاف من البوذيين ومنهم عدد كبير من الكهنة المتشددين المتطرفين وسط توقع الحضور نحو عشرين ألفاً، أصدروا مطالبات وتهديدات عدة، من أهمها: 1- إلغاء نظام الحلال في البلد. 2- إخراج جميع الدعاة الأجانب من البلد في مهلة شهر واحد فقط. 3- منع إيفاد الخدم للخارج وخاصة لدول الخليج. 4- حل «جمعية العلماء المسلمين». وغيرها من الأمور التي تحدث لأول مرة في سريلانكا، وحتى صرح بعض الكهنة بأنهم يتمنون أن تصبح سريلانكا ميانمار آخرى. وإن لم يتحرك العالم لمنع هذا التطرف فلن يكون السيناريو البورمي بعيداً، والسبيل الأمثل لمنع ذلك هو ضغط الحكومات العربية والإسلامية التي تفتح خزائنها لكثير من المشاريع التنموية لسريلانكا، ومئات الآلاف من السيلانيين يقتاتون في دول الخليج، ويتمتعون بحريتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وحالهم في تلك البلاد أحسن من حالهم في بلدهم بكثير. ومنذ شهر فقط، تم توقيع عقد اتفاق تقديم مساعدة ضخمة لبناء 25 جسراً في أنحاء البلاد من الصندوق الكويتي للتنمية، وليس ذلك فحسب، بل تصدر سريلانكا معظم منتجاتها من الشاي إلى الدول العربية، وتحصل مقابلها على منتجات البترول اللازمة بسعر بخس، والكشف طويل. والغريب أنه كيف غابت هذه الأمور ومسيرة مستقبل البلد عن أذهان هؤلاء المتطرفين؟ ومن باب العون فعلى الدول العربية والإسلامية استخدام هذه الورقة الموجودة لديها لإنقاذ سريلانكا من الشر المراد لها؛ ولأنه من البديهي أن هؤلاء المتطرفين مجرد آلة وليس إلا، ولكن عاقبة صنيعهم وخيمة ليست فقط على المسلمين، وإنما على بني جنسهم قبل غيرهم وهم الأغلبية التي تمثل 70% تقريباً من سكان البلد.

المصدر : المجتمع
المشاهدات 1197 | التعليقات 0