منبر الجمعة: علم وعمل! .. الشيخ أحمد بن عبد المحسن العسَّاف
الفريق العلمي
أذكر كلمة للشّيخ الأديب علي الطّنطاوي -رحمه الله-، ولا أستطيع التّحديد إن كانت مكتوبة أو مسموعة، فتراث الشّيخ ثري في المسارين، وفحوى كلمته أنّ أحد المنتمين لتيار فكري منحرف قال له: لو كان منبر الجمعة لدينا لأصبح أكثر النّاس معنا؛ فهم يحضرون مختارين، وينصتون متعبدين، وقلّما يعترضون على ما يعتقدونه أمرًا إلهيًا!
ويعتني الإسلام بالجماعة والمجتمع، ولذلك تفضّل الله على عباده بيوم الجمعة، واختاره عيدًا أسبوعيًا سبقوا به الأمم الكتابيّة التي جاءت قبلهم، وشرع فيه صلاة جامعة، يحضرها المصلون من الأماكن البعيدة، فهي عبادة، وعلم، ولقاء، وتجارة، ومنافع شتّى، ولهذا اليوم وخطبته أحكام وآداب وفضائل، يجدها الحريص في مظانّها.
وقد تعرض يوم الجمعة وخطبته لكيد آثم من المنافقين والكافرين، فأفسدوا على المسلمين فرحتهم بعيدهم الأسبوعي، وأرهقوا الموظفين وبيوتهم بالعمل فيه، لموافقة الإجازة الأسبوعيّة العالميّة، ولم تسلم الخطبة من البلاء، بسوء اختيار الخطباء، أو فرض الخطبة، أو ملاحقة أيّ خطيب لا يعجب رقيبه الحاضر معه؛ ولكلّ خطيب في أكثر جوامع المسلمين رقيب أو أكثر، والله فوق الجميع يسمع ويرى.
وبسبب هذا التّضييق، اعتلى بعض المنابر علماء نشرة الأخبار، مثل الخطيب الذي اعترض عليه الشّيخ القاضي المحتسب محمّد شاكر -رحمه الله-، أو خطباء يجلبون الملل بطريقة التّناول، أو أسلوب الأداء، فضلًا عن رتابة المضمون، وزاد ضغثًا على إبالة، تزايد إهمال بعض المسلمين ليومهم المبارك، وحضورهم المتأخر أو المترنح من السّهر للصّلاة، وتشاغلهم عن الانصات بمسبحة، أو جوال، أو إغفاءة وأختها.
ومن النّصح لدين الله وعباده ومجتمعات المسلمين، أن تتظافر جهود العلماء، والدّعاة، والمربين، والخطباء، كي يسترجع هذا اليوم مكانته، وتعود للخطبة فعاليتها في المحتوى والأداء، وقداستها في نفوس المصلين، ليؤدوا الفريضة بجسد نظيف، وقلب شاهد، وعقل حاضر، وسمع ملقى بآذان واعية، وسوف يعقب ذلك آثار بادية ظاهرة.
وفيما مضى، كتبت مقالة عن الخطباء وأفكار المنبر، بناء على طلب صديق خطيب من نسل خطباء؛ استعرضت فيها كيفيّة صناعة فكرة لخطبة الجمعة، ومما ورد ضمنها أنّه يمكن طرق أيّ موضوع من زوايا مختلفة، فرمضان مثلًا موسم واحد؛ لكنّ الأفكار التي تخدمه كثيرة، وسبل عرضها متشعبة، ولهذا فائدة للخطباء بدوام التّفكير الإبداعي، وللمستمعين بتنوع الطّرح، فضلًا عن حماية الخطباء الكرام الذين قد يشتركون في معالجة موضوع واحد فرض نفسه دون تنسيق مسبق، وهذا يغضب من يحول بين الخطباء وأيّ تعاون محتمل، أو لا يروق له إلّا ما أشرب هواه، ولو كان مائلًا عن جادّة الصّواب.
ولأنّنا في عصر توافر المعلومة؛ وتدني مستوى اللغة، فيحسن بالخطباء تقصير وقت الخطبة إلى القدر المعقول، واستخدام أسلوب يفهمه غالب الحاضرين، وبعد حشد الأدلة؛ يسرد الخطيب منها ألصقها بموضوعه في الخطبة الأولى، ثمّ يجعل الثّانية لأفكار وبرامج عمليّة، لتغدو مفاهيم الخطبة واقعًا ملموسًا، وليست محفوظات فقط، فينصرف المسلم من عبادته بعلم ومفاهيم، وفكرة وبرنامج، وهذا لعمر الله مما تنشط معه الهمم، ويرتفع من أثره الوعي، فلا ينغمس المجتمع في إفراط أو تفريط.
ومن الأفكار التي تزيد من نفع الخطبة، وتفيد المستمعين وخطيبهم، أن يتبادل الخطباء الصّعود على المنابر، فللتجديد فضائله، والتّغيير سنّة حياتيّة ثابتة، وما أعظم بركتها حين تكون باتجاه الأحسن، ومنها فتح قناة للتّواصل مع المصلين؛ والعناية بمقترحاتهم، ونشر الخطبة في مدونة الخطيب، أو مواقع الخطب.
وبما أنّ حضور المرأة لا بأس به شرعًا في موضعها الخاصّ، وعصرنا عصر النّساء، فربّما يكون إتاحة حضورهنّ في بعض المساجد مفيدًا ومؤثرًا؛ كي تشهد حواء وتسمع وتبلّغ.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
ahmalassaf@
الخميس 03 من شهرِ شعبان عام 1439
19 من شهر أبريل عام 2018م