منافع الزواج

منافع الزواج
25 / 4 / 1439هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّزَّاقِ الْكَرِيمِ، الْوَهَّابِ الرَّحِيمِ؛ عَلِمَ سُبْحَانَهُ ضَعْفَ خَلْقِهِ، وَشَدَّةَ الْوَحْدَةِ عَلَيْهِمْ، فَخَلَقَ لَهُمْ أَزْوَاجًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَظِيمُ الذَّاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، الْمُتَفَرِّدُ بِالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حُبِّبَ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ، وَالْتَزِمُوا دِينَهُ، وَتَمَسَّكُوا بِحَبْلِهِ؛ فَإِنَّهُ طَرِيقُ النَّجَاةِ وَالْفَلَاحِ ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 48 - 49].
أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الزَّوَاجِ مَنَافِعُ جَمَّةٌ، وَعُزُوفُ الشَّبَابِ عَنْهُ لَا يُبَشِّرُ بِخَيْرٍ، وَعُنُوسَةُ الْبَنَاتِ تَمْلَأُ الْبُيُوتَ حَسَرَاتٍ. وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ يُقَدِّمُونَ عَلَى الزَّوَاجِ غَيْرَهُ مِنْ دِرَاسَةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّفْكِيرُ فِي الزَّوَاجِ إِلَّا فِي سَنٍّ مُعَيَّنَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَهَمِّيَّةَ الزَّوَاجِ وَمَنَافِعَهُ الْجَمَّةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ الْحَكِيمُ، وَمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ لَمَا زَهِدُوا فِيهِ؛ وَلَمَا قَدَّمُوا عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ دُونَهُ.
فَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَنْ يَشْقَى عَبْدٌ امْتَثَلَ أَمْرَهُمَا، وَلَنْ يَسْعَدَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى امْتِثَالِهِ ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النِّسَاءِ: 3]، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِيهِ اتِّبَاعًا لِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ فَإِنَّ شَرَائِعَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَيْهِ، وَالْعُزُوفُ عَنْهُ عُزُوفٌ عَنْ سُنَنِهِمُ الَّتِي فَعَلُوهَا وَأَمَرُوا بِهَا ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ [الرَّعْدِ: 38]. فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْعُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ التَّبَتُّلَ وَالِانْقِطَاعَ لِلْعِبَادَةِ فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ؛ وَلَمَّا عَزَمَ ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّبَتُّلِ وَتَرْكِ الزَّوَاجِ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَتِ الْعُزْبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ». وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَثِيرَ الثَّنَاءِ عَلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ لِزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَلَكِنَّهُ عَابَ عَلَيْهِ عَدَمَ زَوَاجِهِ وَقَالَ: «مَنْ دَعَاكَ إِلَى غَيْرِ التَّزْوِيجِ فَقَدْ دَعَاكَ إِلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ تَزَوَّجَ بِشْرٌ كَانَ قَدْ تَمَّ أَمْرُهُ». فَرَأَى عَدَمَ زَوَاجِهِ نَقْصًا فِيهِ.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِي الزَّوَاجِ عِبَادَاتٍ كَثِيرَةً؛ فَإِعْفَافُ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ عِبَادَةٌ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ، وَإِنْسَالُ الْوَلَدِ عِبَادَةٌ، فَكَيْفَ يَحْرِمُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عِبَادَاتٍ عِدَّةً، كُلُّهَا فِي الزَّوَاجِ. وَفِي عِبَادَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَهْلِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي عِبَادَةِ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «... وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيَا لَتَعَاسَةِ مَنْ قَدَرَ عَلَى الزَّوَاجِ فَتَرَكَهُ ثُمَّ رَكِبَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَالْمُتَزَوِّجُ يَقْضِي وَطَرَهُ فِي أَهْلِهِ فَيُكْتَبُ أَجْرُهُ، وَالْعَازِفُ عَنِ الزَّوَاجِ يَقْضِي وَطَرَهُ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَيُكْتَبُ وِزْرُهُ.
وَيَا لَتَعَاسَةِ فَتَاةٍ يَتَقَدَّمُ الْأَكْفَاءُ لِخِطْبَتِهَا فَتَرُدُّهُمْ حَتَّى إِذَا صَدَفَ الرِّجَالُ عَنْهَا عَاشَتْ بِحَسْرَتِهَا، أَوْ وَقَعَتْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ، فَالْعَازِفُ عَنِ الزَّوَاجِ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إِذْ أَقْدَرَهُ عَلَى الزَّوَاجِ، وَغَيْرُهُ يَتَمَنَّاهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَجِدُ عَنَتًا شَدِيدًا فِي الصَّبْرِ عَنْهُ ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 72]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [الشُّورَى: 11].
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِيهِ إِنْسَالًا لِلذُّرِّيَّةِ، وَبَقَاءً لِلذِّكْرِ وَالْأَثَرِ؛ فَإِنَّ مَنْ مَاتُوا وَلَيْسَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ انْقَطَعَ ذِكْرُهُمْ بِمَوْتِهِمْ، وَقَلَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَدْعُو لَهُمْ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ يَدْعُونَ لَهُ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدُهُمْ صَلَاةً إِلَّا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، فَكَمْ يَأْتِيهِ مِنْ دَعَوَاتٍ مَعَ تَكَرُّرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَفِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ. هَذَا عَدَا الدُّعَاءِ الْمُطْلَقِ، وَالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ؛ فَإِنَّ الدَّاعِيَ لَا يَنْفَكُّ فِي دُعَائِهِ أَنْ يَدْعُوَ لِوَالِدَيْهِ، وَمِنْ دُعَاءِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ [نُوحٍ: 28]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِيهِ تَكْثِيرًا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَطْلُوبُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّهُ سَكَنٌ لِلزَّوْجَيْنِ؛ وَذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرُّومِ: 21]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [الْأَعْرَافِ: 189]، وَحَالُ الْإِنْسَانِ بِلَا سَكَنٍ يَأْوِي إِلَيْهِ لَيْسَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَسُكُونُ الْقَلْبِ وَرَاحَتُهُ أَهَمُّ مِنْ سُكُونِ الْبَدَنِ وَرَاحَتِهِ، وَالْبُيُوتُ سَكَنُ الْأَبْدَانِ، وَالزَّوَاجُ سَكَنُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادَهُمْ لِمَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِهِ، وَأَنْ يُصْلِحَ نِيَّاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
 
 
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: 1].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّهُ لِبَاسٌ لِلشَّابِّ وَالْفَتَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]، وَاللِّبَاسُ سَتْرٌ لِلَابِسِهِ، فَهَلْ يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ لِبَاسِهِ وَيَسِيرُ فِي النَّاسِ عَارِيًا؟! فَالْمَرْأَةُ سَتْرٌ لِزَوْجِهَا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ وَالْفُجُورِ، وَهُوَ كَذَلِكَ سَتْرٌ لَهَا، فَيُعِفُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صَاحِبَهُ، فَيَكُونُ سَتْرًا لَهُ.
وَمِنْ مَنَافِعِ الزَّوَاجِ: أَنَّ فِيهِ نَيْلَ مَعُونَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُصُولَ الْغِنَى، وَإِذَا أَعَانَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَبْدَ يَسَّرَ أُمُورَهُ، وَكَمْ مِنْ مُتَزَوِّجٍ لَا يَجِدُ شَيْئًا أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ زَوَاجِهِ؛ لِحُسْنِ قَصْدِهِ وَاتِّبَاعِهِ، فَهُوَ قَصَدَ بِزَوَاجِهِ الْعَفَافَ، وَاتَّبَعَ سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ فِيهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النُّورِ: 32]، فَوَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَزَوِّجَ بِالْغِنَى إِذَا حَسُنَ قَصْدُهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ النِّكَاحِ يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْغِنَى»، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاحِ».
فَحَرِيٌّ بِكُلِّ شَابٍّ عَلِمَ مَنَافِعَ الزَّوَاجِ -وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلْفَتِهِ- أَنْ يُبَادِرَ إِلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ مُؤْنَتِهِ فَلْيَتَعَفَّفْ، وَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ.
وَحَرِيٌّ بِكُلِّ فَتَاةٍ تَقَدَّمَ لِخِطْبَتِهَا كُفُؤٌ أَنْ لَا تَرُدَّهُ، وَلَا تُقَدِّمُ عَلَى الزَّوَاجِ دِرَاسَةً وَلَا وَظِيفَةً وَلَا غَيْرَهَا؛ فَإِنَّ الزَّوَاجَ أَسَاسٌ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ الْكُفُؤُ حَاضِرًا فِي كُلِّ وَقْتٍ.
وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَسْعَوْا فِي تَزْوِيجِ أَبْنَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، وَيُذَلِّلُوا الْعَقَبَاتِ الَّتِي تَقِفُ دُونَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الزَّوَاجَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النُّورِ: 52].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات

الزواج-2

الزواج-2

الزواج-مشكولة

الزواج-مشكولة

المشاهدات 1967 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا