(ممن لايكلمهم الله ولاينظر إليهم ولا يزكيهم ) مستفادة من خطب بعض المشائخ الكرام
Abosaleh75 Abosaleh75
الخطبة الأولى. أيها المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق لعبادته، فبذكره تطمئن قلوبهم، وتسكن نفوسهم، وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم، ويتم نعيمهم، فلا يعطيهم في الآخرة شيئا خيراً لهم، ولا أحب إليهم، ولا أقر لعيونهم، ولا أنعم لقلوبهم، من النظر إليه، وسماع كلامه منه بلا واسطة، ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيراً لهم ولا أحب إليهم، ولا أقر لعيونهم من الإيمان به، ومحبته والشوق إلى لقائه، والأنس بقربه، والتنعم بذكره.
وإن أقسى الحرمان وأشد العذاب يوم القيامة أن يحجب العبد عن رؤية ربه، والنظر إليه، فهذا هو الشقاء المقيم، والحرمان الكبير، لأن المحرومين من النظر إلى ربهم ورؤية وجهه وسماع كلامه هم المطرودون المبعدون من رحمة الله، وجنته وفضله، فيالخسارتهم وذلهم وخزيهم ونكالهم، فهل تعلمون من هم هؤلاء الذين سبق عليهم القول من ربهم بهذا الحرمان الأليم، وحُق عليهم هذا العذاب الشديد؟. عباد الله جاءت ايات في كتاب ربنا واحاديث في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في ذكر صفات من يستحقون هذه العقوبات وسنقف في هذه الخطبة مع حديث صحيح عن نبينا الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم فيه ذكر ثلاثة ممن استحقوا العقوبات. روى مسلم في صحيحه، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَ مِرَار، قَالَ أَبُو ذَرّ: خَابُوا وَخَسِرُوا! مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلفِ الْكَاذِبِ". فَيَايها المسلمون : هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ كَلَامَ رَحْمَةٍ, وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ نَظَرَ لُطْفٍ, بَلِ يُعْرِضُ عَنْهُمْ, وَلا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ, وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مُوجِعٌ يَخْلُصُ إِلَى قُلُوبِهِمْ! فَهَلْ يَتَجَرَّأُ مُؤْمِنٌ عَلَى هَذِه الذُّنُوبِ أَوْ يَقْتَرِبُ مِنْ هَذِهِ العُيُوب؟ الاول ممن لا ينظر الله اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم المسبل: هو الذي لبس ثوبا واطاله حتى جاوز كعبيه فجاءه الهلاك من قبل لباسه مِن كونه أطاله وجرّه خيلاء, فاستحق ذلكم الوعيدَ الشديد. وليس يخفى قولُ الرسول الكريم، عليه الصلاة والتسليم: "مَن جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه".
لذا -ايها الاخ الكريم- تعاهد ثوبك, وكن على حذرٍ أن تطيله وتجره, فماذا سيفيد جزءٌ يسيرٌ تَزيده من ثوبك, ليجاوز كعبك, ربما كان مانعاً بينك وبين رحمة أرحم الراحمين؟.
فإنْ كان ذلكم الإسبالُ بخيلاء, ففيه هذا الوعيد، وما أعظمه! وإنْ أسبل لا بقصد الخيلاء, فهو محرمٌ عند كثير من العلماء, وفي مقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار".
وليس هذا في الثوب فحسب, بل في كل ما يُلبس, من قميصٍ, وبنطال, وفروة وغيرها. وما أحوجنا اليوم إلى التناصح فيما بيننا تجاه هذا الذنب الذي شاع، وما عُدت ترى له مُنكراً! فهذا امير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- لما طُعن فحضرته الوفاة, بدأ الناس يدخلون عليه, فجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ! فقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي، فَلَمَّا أَدْبَرَ الشاب إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، وبرغم أن عمر مضرج بدمائه, مثقل بجراحه, ما طابت نفسه أن ترى المنكر فتسكت, بل قَالَ: "رُدُّوا عَلَيَّ الغُلاَمَ"، ثم قَالَ له بذلك الأسلوب الرقيق, والنصح الحاني: "يَا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أَنقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ". قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "يرحم الله عمر! لم يمنعه ما كان فيه من قول الحق!". فكن -يا أيها الشاب- على غاية الحذر, وكن -أيها الأب- متحرزاً فيما تضع من ثياب أبنائك, فمغبّة ذلك عليك, وإثمه ووباله راجعٌ إليك. عباد الله: وأما الثاني ممن تُوعِّد بهذا الوعيد, فهو المنّان, إنه رجلٌ يبذل, يتصدق, وعلى أهله وأصحابه يُنفق, لكنه لديه خصلة تهدمُ إحسانَه، وتُكَدِّرُ إنفاقه, وتُعَفِّي كرمه وعطاءه, إنها المنّ بما يعطي, يهدي, يتصدق, ينفق, ثم لا يفتأ في كل مناسبة أو غير مناسبة أن يذكّر بمعروفه, إما لمن أعطاه, أو عند من لا يريد المعطى اطلاعه على ذلك, وتلك الكلمات أشد على المحتاج من طعن السيوف.
ولعمري! إن الإمساك مع الاعتذار أحسن من البذل والكرم مع المنّ! (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة:263]، لذا؛ (لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) [البقرة:264].
ورحم الله الشافعي إذ يقول:
مِنن الرجال على القلوبِ *** أشد من وقع الأسنهْ
وحتى مع الزوجة والأولاد, لا تُكثِر من تذكيرهم بنفقاتك, فليس هذا من حسن العشرة, والإنفاق واجب عليك, وأنت في كلِّ ما تبذل ترجو وجه ربك, فاطلب الثواب منه وحده. وسمع ابْنُ سِيرِين رجلاً يَقُول لآخر: أَحْسَنتُ إِلَيْك وَفعلت وَفعلت! فَقَالَ لَهُ ابْن سِيرِين: "اسْكُتْ, فَلَا خير فِي الْمَعْرُوف إِذا أُحصي".
أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا قَدَّمْتَ مِنْ حَسَنٍ *** لَيْسَ الْكَرِيمُ إذَا أَعْطَى بِمَنَّانِ. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآي والذكر الحكيم أقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئه. الخطبة الثانية. أيها المسلمون عباد الله: ثالث الثلاثة الذين تُوعدوا أن لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم, رجلٌ صاحب تجارة, سلعته تروج, لكنه قد روجها بحلفه الكاذب.
تراه حين يبيع يُقسِم الأيمان المغلّظة أنه اشتراها بكذا، وهو يكذب, أو أنه لا عيب فيها, أو أنها طُلبت منه بكذا وكذا, أو: ما باعها إلا لحاجته للمال, وهو في الحقيقة إنما يبغي الخلاص منها, وهكذا وهكذا, في صورٍ عديدة, تراها في أسواق المسلمين, وفي مبايعات بعض الناس, لا يكاد يبيع إلا وقد جعل ربه عُرضة لأيمانه, وروّج سلعته بالحلف بربه, فراجت سلعته واشتريت, ولكن؛ ما خيرٌ في سلعةٍ تروج, وأموالٍ تأتي, وبركةٍ تُمحَق, وقد قال نبينا: "الحَلفُ منفقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ" متفق عليه. ايها الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَمِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَحَذَراً مِنْ سَخَطِهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ). ثم صلوا وسلموا .....