ملعونون وهم لا يشعرون

يحيى بن علي الضامري
1441/07/04 - 2020/02/28 10:20AM

ملعونون وهم لا يشعرون

التاريخ

الخطيب

الجامع

المنطقة

4/ رجب /1441هـ

يحيى الضامري

جامع النور ( الشمباشي)

حريب- مأرب

 

الخطبة الأولى:

تكلمنا في الخطبة الماضية عن خطر اللعن، وعظيم جرمه، ووعدناكم أن يكون حديثنا اليوم بعنوان ( ملعونون وهم لا يشعرون) فنسأل الله التوفيق والإعانة.

معاشر المؤمنين: لو أن رجلاً أبغضه الجيران، وأقصوه وطردوه، وكرهوه وأبعدوه، لكان ذلك حرياً بأن نبحث في أمره وشأنه، وماذا فعل؟ وما الذي اقترفته يداه؟ حتى يكون بغيضاً قصياً بعيداً مطروداً؟

 ولو أن رجلاً في شركته أو عمله؛ طرده رؤساؤه، أو توقفوا عن إكرامه وترقيته، والالتفات لأمره، لكان ذلك أيضاً سبباً في أن البحث عما جنى واقترفته يداه، حتى جوزي بهذا الطرد أو الإبعاد؟

 ولو أن رجلاً أقصته قبيلته وجماعته، فأصبح مبغوضاً مكروهاً، قصياً طريداً، لا يحتفل بقربه، ولا يؤنس بجواره، لكان ذلك أيضاً محفزاً للبحث عن السبب؟

 واليوم -ويا للأسف- بعض المسلمين يرتكبون ألواناً وأصنافاً وأنواعاً من الأعمال التي توجب الطرد والإقصاء والإبعاد، ليس إقصاء عن عمل في شركة، ولا إبعادًا عن جار وقبيلة، بل هو طرد وإبعاد عن رحمة الله عز وجل.

كم من إنسان يضحك بملء شدقيه، وينام ملء عينيه، وهو ملعون قد لعنه الله، وطرده وقلاه، وهو لا يشعر!!  لذا كان لزاماً على كل مؤمن أن يتأمل في النصوص التي جاء فيها لعنٌ من الله، ولعن من نبيه r وينظر في سبب اللعن ليجتنبه ويحذره.

إن اللعن يا عباد الله هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله على سبيل السخط.

فتعالوا معي وأرعوني أسماعكم لننظر مَن همُ الملعونون الذين لعنهم الله ورسوله ولماذا لعنهم؟! ولن نستطيع حصرهم في هذه الخطبة، ولكن علنا نمر على أهمها مما نلاحظه ونراه في مجتمعاتنا ، نسأل الله أن يجنبنا وإياكم سخطه وعقوبته..

 

الملعون الأول : من لعن شيئاً ليس أهلاً للعن.

 فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا لعن الريح، وفي رواية: إن رجلاً نازعته الريح رداءه على عهد النبي r فلعنها، فقال النبي r: (لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) [رواه أبو داود والترمذي، وهو صحيح ].

 

الملعون الثاني : قاتل النفس المحرمة :

كثير ممن يعيشون في مجتمعاتنا؛ ديدنهم الكبر والغطرسة، وخلقهم العجب والخيلاء، يصعرون الخد،  ويبسطون للأذية اليد، فإذا ما رفع مظلوم عليهم صوته، وطلب ما نازعوه من حق، لم يعطوه فتيلاً، وأردوه قتيلاً، فهم في لعنة الله يتقلبون، وفي غضبه يسقطون، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء 93].

 

الملعون الثالث: المؤذي لله ورسوله.

 قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57].  ومن ألوان الأذى الذي يتهاون فيه بعض الناس: التطاول على شرع الله عز وجل، بالزعم أن في الشريعة تعقيد لا حاجة له، وتشديد لا لزوم له، وتسلط لا داعي له، وأن الله ظالم للفقراء بالمرض والفقر والمسغبة.  سبحان الله! مخلوق يتجرأ على الخالق، وذليل يتجرأ على العزيز، وضعيف يستدرك على القوي، ومسكين يتطاول على حكمة جبار السماوات والأرض!.  فالذين يقولون ذلك تنالهم لعنة الله والطرد، والغضب والإقصاء، والسخط والإبعاد؛ نسأل الله العافية والسلامة.

 

الملعون الرابع:  قاطع رحمه.

بالرغم من تيسر أسباب التواصل، بحيث أصبح الناس يتواصلون بين قطبي الكرة الأرضية، من في الشمال يرى من في الجنوب ويكلمه، ومن في الشرق يحادث من في الغرب وينظر إليه، فإن أقواماً قطعوا أرحامهم لأدنى سبب،  ونسوا أنهم يتقلبون في لعنة من الله وهم لا يشعرون، قال تعالى:  ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22-23].

 الملعون الرابع : الواقع في أعراض المسلمين.

كثير ما نسمع اليوم مَن يقعون في أعراض المؤمنين والمؤمنات، والغافلين والغافلات، في مجالسهم واستراحاتهم، ويرمونهم بالفحش والزور والبهتان. ويتحدثون بالقول يتلقونه بألسنتهم ويقولون بأفواههم ما ليس لهم به علم ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم،  أولئك أيضاً ممن يتقلبون في لعنة الله، وفي طرده وإبعاده، يشعرون أو لا يشعرون، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 23].

 

الملعون الخامس : اللاعن لوالديه.

ما أكثر الذين يستجلبون اللعنة على أنفسهم وهم لا يشعرون، يقول أحدهم: أنا لا أملك لساني أنا تعودت على اللعن.

يا هذا؛ إذا شئت أن تتقلب في طرد وسخط وغضب وإقصاء وشؤم وقلة توفيق من الله عز وجل، فاجعل ذلك ديدناً، أو حجةً، أو عذراً لك.

قال r في الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه "(لعن الله من لعن والديه)  [رواه الإمام أحمد وابن حبان].

 وفي حديث آخر عند البخاري تعجب الصحابة من هذا، فقالوا: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ( يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)  يعني أن هذا اللعان الطعان الفاحش البذيء يبتدئ من يتشاجر معه، أو يختلف معه عند أتفه سبب، وأدنى أمر، فيبدؤه باللعنة، فيقوم الملعون بالرد على اللاعن ابتداءً، فيكون الذي لعن أولاً، أو تسبب في لعن والديه، فيلعنه الله عز وجل.

 

الملعون السادس: الواقع في فاحشة اللواط :

اللواط رذيلةٌ من أسوأ الرذائل، خصلةٌ من خصال الشر، مميتٌ للحياء ، مفسدٌ للأخلاق ، اعتداءٌ على الطبيعة التي ركبها الله عز وجل، بل جريمةٌ نكراء تعافها البهائم والحيوانات .

يا هذا أما تعلم أن هذا الفعل يُغضِبُ الذي يُجري الدّمَ في عروقك!
أما تعلم أن هذه الفاحشة يضيق بها الفضاء، وتعج لها السماء، ويحل بها البلاء ، وطريقٌ إلى دار الشقاء!

أما تعلم أنه كشف حال، وسوء مآل، وداءٌ عضال، وقبح أفعال!

إنه عيبٌ دونه سائر العيوب، تذوب من أجلها القلوب، فعلٌ مسبوب، ووضعٌ مقلوب، وفاعلٌ ملعون، ومفعولٌ به مغضوب، إنه خلقٌ فاسد وعرضٌ ممزق، وكرامةٌ معدومة. قال r: ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) [رواه النسائي] .

 

الملعون السابع : الراشي والمرتشي.

 الرشوة بلية عظيمة تهاون بها الناس، وأصبحوا يحتسونها ويأكلونها ويطعمونها ويلبسونها ويركبونها، يسمونها بغير اسمها، وما دروا أنها لعنة وسخط، وقليل من الحرام يفسد كثيراً من الحلال.

 وأعجب من هذا أنك تجد الرجل عنده خير كثير ثم يدخل عليه سحت قليل، فيجعل الكثير من الخير حراماً مشؤوماً فاسداً باختلاطه به، ثم حينئذ لا يبارك له في مال ولا ولد ولا مطعم ولا مشرب ولا ملبس ولا مأكل ولا مركب.

وأصبح بعضهم إذا وقف أحد على رأسه في دائرة أو مصلحة أو أمر من الأمور؛ أخذ ينظر إلى الأوراق قليلاً، ثم يشخص ببصره في وجه صاحبها مرة أخرى، وكأنه يقول: ادفع وإلا لن يمضي أمرك.

 هذا في شأن الأمور الصغيرة؛ فما بالك إذا عظمت الرشوة، وأصبحت ملايين كثيرة؟  قال r: (لعنة الله على الراشي والمرتشي) [رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم].

 فهل بعد هذا يتسبب أو يتأول أو يتصرف أو يتلفت أحد من الناس، ليطلب شيئاً من المال لا يستحقه بحجة أنه من مستحقيه، أو يتأوله بشيء لا يجوز له بأي حال من الأحوال؟

فحسبك بمن أخذ الرشوة أنه أخذ حراماً، وأكل حراماً، وشرب حراماً، وتقلب في الحرام، فضلاً عن اللعنة والطرد والإبعاد والإقصاء عن رحمة الله عز وجل.

نسأل الله السلامة والعافية .   بارك الله لي ولكم ....

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

أما بعد : فاتقوا الله تعالى وتوبوا إليه .

 

الملعون السابع: المرأة تمتنع عن فراش زوجها بغير عذر.

سيَّما إذا كان الزوج مبتلىً بألوان الفتن، فهو يرى أو ربما مر عليه أو عرض بين ناظريه ألوان من الصور من الكاسيات العاريات، المائلات المميلات اللائي يغرين الرجال بالزنا والفاحشة والخنى، فإذا دعا زوجته إلى الفراش تمنعت وتعذرت، أو أرادت أن تجعل من تلبيتها حاجته صفقة لإتمام بعض الشروط التي تريدها، قال r في النساء اللائي يفعلن هذا:  ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح) [رواه البخاري].

هذا إذا كان الامتناع لغير عذر، أما إذا كانت مريضة أو معذورة فلا شيء عليها.

 

الملعون الثامن: المتستر على المجرم والمؤوي له. 

ممن يُلعن ويدخل في اللعنة: ذلكم الذي يعرف مجرماً بعينه وشخصه، عائثاً في الأرض فساداً، ويعلم أن رجال الأمن يطلبونه، ويقلبون الأحياء والبيوت بحثاً عنه، ثم يتستر عليه، ويؤويه بحجة العيب أو الحمية، يرى أنها مفخرة، أو أنها مكرمة، وما درى أنه ملعون؛ لأنه يتستر على من أحدث في الأرض فساداً وأراد بالعباد شراً وبلاءً، قال r: (من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) [متفق عليه] .

 

 الملعون التاسع: من أشار بالسلاح على أخيه بجد أو مزاح.

من الذين استحقوا لعناً علموا أو لم يعلموا : أولئكم الذين يبالغون في المزاح إلى حد يصل بأحدهم أن يشير بالسلاح إلى أخيه المسلم، أو أن يشير بالمسدس، أو الخنجر، أو السكين، نحو أخيه، أو أهل بيته، وذلك لا يجوز أبداً. 

 بل إن بعضهم يظنها من وسائل التربية يوم أن يرفع السكين على ولده أو ابنته، وذلك من مجلبة اللعنة، قال r  : ( من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه) [رواه مسلم].

 

الملعون العاشر: من سب أصحاب النبي r.

من أعظم وأشنع ألوان السب واللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل: ذلكم التطاول الذي يقع من خلقٍ ليس بقليل من رافضة هذا الزمان، ممن يلعنون صحابة رسول الله r؛ فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r غضب غضباً، وقال: ( لعن الله من سب أصحابي)  [رواه الطبراني وغيره]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r : ( لا تسبوا أصحابي! لعن الله من سب أصحابي!) [رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح].

 أصحاب رسول الله r الذين آووه ونصروه، والذين لأجله هجروا المال والولد والوطن، الذين جعلوا ظهورهم وصدورهم دروعاً وتروساً حدبوا على رسول الله r يختارون الموت ويتلقونه سهماً أو رمحاً أو ضربةً بسيف دون جسد رسول الله r، يأتي في آخر الزمان من يلعنهم ويسبهم! بل ويلعنهم في صلاته!.

 وتلك -وأيم الله- من دلائل الحرمان، بل وعلامات الشؤم، وتنكب الصراط، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الملعون الحادي عشر: المغير لمنار الأرض. ( حدودها ورزمها ) 

كثير من الذين يتقلبون في اللعنة صباح مساء، ويعدونها شجاعةً وبطولةً وتخطيطاً وذكاءً: عبثاً بالصكوك تارة، وتلاعباً بالمخططات تارة أخرى، وتغييراً لمنارات الأرض تارة ثالثة.

 فيزحف على أملاك غيره، ثم يأتي بشهود الزور، الذين تنالهم اللعنة أيضاً لإعانته على ما يقوم به من منكر، يأتي بهم من أجل أن يثبتوا له أنه يملك هذا منذ أربعين أو خمسين عاماً أو أقل أو أكثر، فيتحقق له ملك ما كان يحلم به، طولاً وعرضاً، شرقاً وغرباً، ثم ينافح ويفاخر به في المجالس: هذا ملكي، تعبت عليه، ومن أين تعب عليه!؟

تعب عليه بالإحياء الكاذب، وتعب عليه بشهادة الزور، وتعب عليه بالعبث والإفساد والكذب، دون أن يدري أنه وقع فيما يستوجب اللعنة، ذلكم هو تغيير حدود الأرض ومعالمها ومراسمها، قال رسول الله r: ( لعن الله من غير منار الأرض) " أي غير حدودها  [رواه الإمام مسلم].

 اليوم الزحف على قدم وساق من أقوام لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، يعتدون على هذا، ويزحفون على ملك هذا، ويغيرون منار الأرض.

 وفي نهاية المطاف يعدون هذا بطولةً وقوةً وعصامية: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [ آل عمران: 161].

 وأول ما يحاسب فيه الناس يوم القيامة، بعد الدماء؛ الحقوق؛ لأن حقوق الله مبنية على الستر والمسامحة، وحقوق العباد مبنية على الضيق والمشاحة.

 بل إن ذلك من أخطر الأمور وأعظمها، بل سببت ألواناً من القتل وأنواعاً من الجنايات.

تلك عشرة كاملة، وواحدة زائدة ، هي قليل من كثير، ولو تتبعنا الملعونون في الكتاب والسنة؛ لطال بنا المقام، وحسبنا ما نلاحظه في مجتمعاتنا أن نركز عليه..

ونسأل الله أن يزرقنا عفوه ورحمته، وفضله وإحسانه، وأن يجنبنا سخطه وعقوبته..

 صلوا وسلموا..

المشاهدات 882 | التعليقات 0