مكانة المساجد في الإسلام
عايد القزلان التميمي
الحمدُ للهِ الَّذي جَعَلَ المسَاجِدَ بُيوتَه الَّتي أَذِنَ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيها اسْمُه ، وَأَشْهَدُ أن لا إله إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ حَثَّ عَلَى بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْهِيرِهَا مِنَ الشَّرَكِ وَعَقَائِدِ الضُّلَّالِ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وأصحابه وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أمَّا بعدُ فَعَنْ أَنَسٍ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَنَزَلَ أعْلَى المَدِينَةِ في حَيٍّ يُقَالُ لهمْ بَنُو عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، فأقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيهم أرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِالمَدِيْنَةِ ،أنَّهُ أمَرَ ببِنَاءِ المَسْجِدِ، أخرجه البخاري ومسلم.
عباد الله ففي المكان الذي بَرَكَت فِيهِ نَاقَتَهُ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وُصولهِ المدينةَ في الهجرةِ أَمَرَ بِبِنَاءِ المسجدَ النَّبَوي، واشْتَرَى مَكَانه مِنْ غُلَامَيْن يتيمين كانا يَمْلُكَانِه، وكان الغُلامان يُرِيدَان التَّنَازُل عَنْهُ لِلهِ تَعَالى، فَأبَى رسُولُ اللهِ إلاَّ شِرَاءه بِثَمَنِه، وسَاهَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم في بِنَائِه بِنَفْسِه فكان يَنْقُل الحِجَارة والطُوب .
أيها المؤمنون إنَّ المسجدَ في الإسلام له مكانةً رفيعة فقد أضاف اللهُ المساجِدَ إلى نفسهِ إِضافةَ تَشرِيف وَإجْلال، وتَوَّعَد مَنْ يَمْنَع من ذِكْرِهِ فيها أو تَسَبَّبَ في خَرَابِهَا فقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وقَدْ شَهِدَ اللهُ تعالى لعُمّار المساجد بالإيمان فقال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ ،
وامتدح عُمَّارُها بِذِكْرِه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ,
ومِن عِمارة المسجد إقامة الصلوات جماعة فيها ومِن عِمَارَتِها المحافظة على نظافتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ ببناءِ المساجدِ في الدورِ، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ.). . والدُّورُ جمعُ دارٍ، والمقْصودُ الأمرُ ببناءِ المساجدِ في أماكنِ التجمُّعاتِ للناسِ.
وَوَعَدَ سُبحانه بالثواب الجزيل لِمَنْ بَنَى له مسجدًا, ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ))،
والمساجد هي أحب البلاد إلى الله، ((أحَبُّ البلاد إلى الله مَساجِدُها، وأبغض البلاد إلى الله أسْوَاقُها)).
أيها المؤمنون: وهناك بعض الأمور المنهي عنها في المسجد: فأولًا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المسجد على قبر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: ((لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)).
فإذا كان المسجد قبل القبر يُنْبَش القبر ويُخرج، وإذا كان القبر قبل المسجد يُهدم المسجد ولا يجوز الصلاة في المساجد التي بها قُبُور.
ومن الأمور المنهي عنها في المسجد تَنْزِيه المساجد وصيانتها عن الأقذار الْحِسِّية وحِفظها من الأقذار والنجاسات والفضلات ، ودليل ذلك قصة الأعرابي الذي بال في المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ،)) رواه البخاري.
ومن الأمور المنهي عنها في المسجد ففي الصحيحين من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أكَلَ ثُومًا أوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنا، أوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنا، ولْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ))
وفي رواية ((فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدمَ)). ويُلْحَق به كل ما له رائحة مُؤْذِية كالدُّخَّان وغيره.
ومن الأمور المنهي عنها في المسجد إنْشَادُ الضَّالَّة في المسجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْكَ فإنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذا)) رواه مسلم.
ومن الأمور المنهي عنها في المسجد تَعَاطِي التجارة في المسجد، ورفع الأصوات فيها؛ وعدم اتخاذ المسجد طريقا. وعدم سَلَّ السّْيُوف ورؤوس النِّبَال في المسجد، والنهي عن دخول الحائض والجنب للمسجد.
أسأل الله سبحانه أن يجعلنا مِنْ عُمّار بُيُوتِه والمحسنين إليها والمساهمين فيها بكل خير،
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوتا للعبادة ، ورَغَّب في عمارتها والعناية بها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا عباد الله
واعلموا أن أرض المسجد كلَّها وقف لله تعالى فلا يجوز استخدامها في غير ما خصصت له، ففي فتاوى اللجنة الدائمة: (أن ما كان داخلاً في أسوار المساجد سواء كان مَسْقُوفاً أو غير مَسْقُوف وأَسْطُحُها ومَنَارَاتِها والسَّاحات المهيئة للصلاة بجوارها لا ينبغي استغلالها في غير العبادة من صلاة وحلقات طلب علم أو تحفيظ للقرآن).
وكذلك لا يجوز التَّعَدِّي على كهرباء المسجد أو ماء المسجد للاستعمالات الشخصية.
وكذا لا يجوز أخذ مصحف من المسجد إلى المنزل أو استعارة شيء من الأدوات الموقوفة للمسجد كالكرسي والمكنسة والسُّلّمِ ونحوها ما دامت مخصصة للمسجد فقط.
فحافظوا على بيوت الله تعالى، وَبلّغوا عن أي عدوانٍ على أراضيها، أو اختلاسٍ لمنافِعها، فإنه من التعاون على البرِ والتقوى.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....
المرفقات
1731007485_مكانة المساجد في الإسلام.docx