مكانة القرآن في النفوس

علي الذهبي
1431/05/29 - 2010/05/13 13:13PM
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) .أما بعدُ : فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ r وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد: أيّها المسلمون، سؤال عظيم يوجَّه إلى كل فردٍ من المسلمين،.والسؤال باختصار: ما منزلة هذا القرآن في نفوسنا وحياتنا إيمانًا وتصديقًا وعلمًا وفهمًا وعملاً ؟ وهل نحنُ عارفون بمنزلة هذا القرآن علمًا وعملاً كما كان عليه رسول الله []وصحابته من بعده؟ وإذا كنَّا عارفين فلماذا صارت أحوالنا هجرًا للقرآن كليًا أو جزئيًا حتى يكاد أن يتحقق فينا شكوى الرسول: [ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[://ومن صور هجر القرآن عدم العمل به، وربما وجدت قارئا مكثرا من قراءة القرآن، لكنك لو فتشت في حاله لوجدته في واد والقرآن في واد آخر، وقد قيل كم من قارىء للقرآن والقرآن يلعنه، نعم ومصداق ذلك أن هناك من يقرأ ((أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )) (هود : 18) . وهو يظلم- يقرأ لعنة الله على الكاذبين، وهو يكذب.ويقرأ الوعيد الشديد في أكل الربا وهو واقع فيه، ويسمع آيات الله تتلى في تحريم شرب الخمر والزنا أو غيرهما من الفواحش، وكأن هذه الآيات لا تعنيه. ما هكذا تكون قراءة القرآن يا عباد الله، وما نزل القرآن من أجل أن يتسلى به،
أيها المسلمون، إنَّ من أخطر مسببات الهجران الانحراف عن الأهداف الكبرى والأساسية للقرآن؛ فعند البعض أنَّ هذا القرآن نزل للأموات وليس للأحياء، فلا يلتفتون إلى القرآن إلاَّ عند المآتم حين يموتُ ميت لهم،. وعند البعض يكفي أن يفتتح بالقرآن في مؤتمراتهم واحتفالاتهم وفي إذاعاتهم، ويختتم به أحيانًا، وكل ذلك للبركة. وتحوّل القرآن عند البعض إلى تمائم ورقى تعلق على الأجساد وتوضع في البيوت أو السيارات دفعًا للضرر.فهل نزل القرآن على قلب محمد [] ليكون هكذا؟! هل نزل ليحتفظ كل واحدٍ منا بنسخةٍ من القرآن ، ويبقى مركونًا لا نعطيه حتى جزءًا من وقت، ؟! هل نزل هذا القرآن لنمدحهُ نظريًا مظهرين احترامه ومنزلته ثم نعرض عنه عمليًا في حياتنا ومناهجنا التربوية وجميع أمورنا؟! إن هذا القرآن له في أمةِ الإسلام شأنٌ وأي شأن؟!أيها الإخوة في الله، وحتى أذكركم ونفسي بأهميةِ وعظمةِ هذا القرآن فاسمعوا إلى بعض ما ذكرهُ الله في كتابهِ عن كتابه، وتذكروا أن هذا الذي نتلوهُ كلام الله تعالى لا كلام بشرقال تعالى: [/]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا[I1]، وقال تعالى: [I7/]وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا[
أيها المسلمون، لقد ميَّز الله تعالى هذا القرآن عن الكتب السابقة، وحفظه ليكون له شأنٌ في أمة الإسلام في أي مكان أو زمان إلى قيام الساعة. فما الأهداف الأساسية لهذا القرآن؟
أولاً: إن هذا القرآن هو كتابُ هدايةٍ لمن أراد السير على الصراط المستقيم، فهو فالقرآن روحٌ ونور، روحٌ للحياة ونورٌ للطريق، حياة الإنسان وطريقه، وحياة الأمة وطريقها، فهو يخرج الإنسان والأمة من ظلمات الشرك والكفر والجهالةِ والعصيان إلى نور الإيمان والعلم والطاعة للواحد الديَّان.
ثانيًا: ثم إنَّ هذا القرآن كتابُ حكمٍ وتشريع، يشملُ جميع شؤون الحياة، بدءًا من حياة المواليد الرضع وانتهاءً بالموت وأحكامه الشرعية، وفيما بين ذلك يشملُ الأمور العبادية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.. الخ.
ثالثًا: ثم إنَّ هذا القرآن كتاب عقيدةٍ خالصة صافية، فيه البيان الحق لكلِ ما وراء الغيب؛ مما يتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته، وما يتعلق بخلقه للسموات والأرض والإنسان ونشأته، وما يتعلقُ بالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر،
رابعًا: وهو أيضًا كتاب عبادة، يتعبد الإنسان بقراءتهِ وتلاوتهِ وحفظه، ويتقرب إلى الله تعالى بذلك، فهو نورُ قلوب العارفين والعابدين، يتلونهُ آناءَ الليل وأطراف النهار، ويعلمونه ويتعلمونه، قال ]: ((ومن قرأ حرفًا منه كان له به عشر حسنات)).
خامسًا: ثم هو حبل الله المتين في مواجهة أعداء الإسلام المتربصين بأمة الإسلام، حيث لا يدعون وسيلةً في حربها إلاَّ سلكوها، فهذا القرآن يعلمُ الأمة حقيقة المعركة مع عدوها، ويبينُ لها أهدافها من جانب أعدائها، ثم هو يمدها بوسائل النصر..
يقول أحد أعداء الإسلام من لي بمن يخرج القرآن من صدور أبناء الإسلام فيردأحد الأشقياء ويقول نأتي إلى المصحف فنمزقه قال لا لا ينفع نريد أن نمزقهمن قلوبهم وقلوب أبنائهم. . وإنهلمن المؤسف أن يوجد ممن ينتسب لهذه الأمة الإسلامية وممن يقول " لا إله إلاالله محمد رسول الله " من يسئ إلى القرآن الكريممما يعدامتهاناً للقرآن وسوء أدب معه، واستخفافاً بحرمته وقدََْره فهذاكاتب يسئ إلى سورة الفيل من القرآن الكريمونص ما جاء في مقالةألم تر كيف فعل ربك بأصحاب البيض.. ألم يجعل كيدهمفي تقويض .. وأرسل عليهم صقور التوحيد ..وفهوداً سمراً صناديد..فجعلهم فيكل منفى أشتاتاً رعاديد" )
و يقول عدو أخر للإسلام : ثلاث ما دامت عند المسلمين فلن تستطيعوا إخراجهم مندينهم ؛ القرآن في صدورهم والمنبر يوم الجمعة والكعبة التي يرتادهاالملايين من المسلمين فإذا قضي على هذه قضي على الإسلام والمسلمينفيا أمة القرآن ويا حفظة كتاب الله من يقرأ القرآن إن لم تقرءوه من يتدبرهإن لم تتدبروه من يعمل به إن لم تعملوا به أما سمعتم أساطين الكفر في كلمكان بدأوا الآن في الدخول في دين الله ظرافات ووحدانا بعد أن قال القرآنفيهم ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) فيوقت يخرج منه أبناء هذا الدين ..

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوانإلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلىالله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين..
عباد الله ، ـ قد كان صلى الله عليه وسلم ـ يحب سماع القرآن ولذلك يقول لـ[ابن مسعود] كما في الصحيحين : " يا عبدالله اقرأ علىّ القرآن فيخجل عبد الله ويستحي من شيخه صلى الله عليه وسلمويقول كيف أقرأ القرآن عليك وعليك أنزل ، قال : اقرأ فإني أحب أن أسمعه منغيري قال : فاندفعت أقرأ في سورة النساء فلما بلغت قول الله ( فكيف إذاجئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال حسبك حسبك ، فنظرتفإذا عيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان" تأثر من كلام الله وتذكر ذاك اليوم الذي يكون فيه شهيدا على العالمين و هاهو صلى الله عليه وسلم يخرج بعد ما أظلم الليل يمر ببيوت الأنصار يستمعلحالهم في الليل يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله ، يمرببيت [أبي موسى] فينصت لأبي موسى وهو يقرأ القرآن فلما جاء اليوم الثاني" قال يا أبا موسى لو رأيتني البارحة و أنا أستمع لك لقد أوتيت مزمارا منمزامير آل داود فيقول [أبو موسى] يا رسول الله والذي نفسيبيدي لو أعلم أنك تستمع لي لَحَبَّرْتُهَ لك تَحْبِيِراً أي جودته وحسنتهتحسيناً فانظروا كيف كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن وللقرآن ، وكيف كان صحابته رضوان الله عليهم ها هو [عثمان] ـ رضى الله عنه ـ كان ينشرالمصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر يقرأ ودموعه تنهمر على كتاب الله فيقولله الناس لو خففت عن نفسك قال أما والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا منالقرآن .
والذي نلاحظه يا عباد الله في أنفسنا وإخواننا المسلمين عامة هو قلةالاهتمام بكتاب الله والإعراض عن كتاب الله والاستغناء بكتب البشر و الصدودوالإعراض إلا من رحم الله و قلة التجويد حتى في بعض أئمة المساجد و قلةالحفظ والتدبر وكثرة المشاغل حتى بين طلبة العلم لا تجدوا إلا القليلالنادر ممن يحفظ القرآن فوالله لا نصر و لا تمكين و لا عزة إلا بهذا القرآنو الله متى تركناه و نسيناه ابتلينا بكل خزيٍ وفضيحةٍ في الدنيا والآخرة .
أيها المسلمون، إن لزوم القرآن في كل يوم وليلة، لضرورة حتمية على كل مسلم ومسلمة، للداعية الذي يهدي إلى صراط مستقيم، للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، للموظف في دائرته وللمعلم في مدرسته، وللطالب والطالبة على كراسي الدراسة ومقاعد التعلم، بل ولكل مسلم صغر شأنه أو كبر، يقول سبحانه على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام: IMG] ، وامتدح الله الذين يتلونه ويقيمون الصلاة وينفقون، فقال سبحانه: [ [طه:123]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة).وكما تكفل الله عز وجل بذلك ووعد به وهو لا يخلف الميعاد فقد أنذر من اعرض عنه وهجره، قال سبحانه: [ فاتقوا الله أيها المؤمنون، وخذوا كتاب ربكم بصدق تمنحوا كنوزه وتشرفوا بشرفه، أيها المسلمون، إن القرآن الكريم كلام الله ووحيه وأفضل كتبه، أنزله على خيرة خلقه وخاتم رسله، ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور، لم ينزله تبارك وتعالى ليُتْلَى باللسان تلاوة مجردة عن التدبر والفهم، منفصلة عن العلم والعمل، ولا ليكتب على لوحات وملصقات تزين بها الجدران ، لم ينزله سبحانه ليُكتب في حُجُب وحُرُوز وتمائم تعلق على الأكتاف وفي الرقاب؛ لتُدفَع بها العين، ويُرَد بها البلاء، ما أنزل القرآن لتُفتتح به برامج الإذاعات لربع ساعة أو نحوها ثم يتلوه العزف والغناء والطرب والغثاء! إنما أُنزِل ليُقرأ وليُتدبَّر، وليتذكر به مَن يتذكر، [I.ولكن الناس انشغلوا اليوم عن هذا الكتاب، واتخذوه وراءهم ظِهْرِيًّا، فالكبار انشغلوا عنه بأعمالهم وأموالهم، والصغار التهوا عنه بالكرة واللعب واستماع الغناء ومشاهدة القنوات ومتابعة المسلسلات والمباريات، والمدارس لا تعطيه في الغالب وقتًا كافيًا ولا عناية لائقة، ومعلموه إما أن يكونوا من أجهل الناس به قراءة وفهمًا، وإما أن يقصّروا في تدريسه وتعليمه لطلابهم، مما أدى إلى جهل كثير من الناس بهذا القرآن وابتعادهم عن أحكامه، حتى إنك لتجد منهم من يحمل أكبر الشهادات الدراسية في علوم الدنيا، فإذا سمعته يقرأ ظننته عاميًا لكثرة لحنه وخطئه، إن كل إنسان في هذا المجتمع صغر أو كبر عليه جزء من المسؤولية تجاه كتاب الله جل وعلا وتجاه حلقات التحفيظ ودور تعليم القرآن، فالمعلم عليه الصبر واحتساب الأجر والثواب، وتنويع الطرق وبذل ما في وسعه لتحبيب كتاب الله إلى طلابه، والطالب عليه الجد والمثابرة والاجتهاد، والإخلاص لله في الحفظ والتعلم، وولي الأمر والأب عليه تشجيع أبنائه، وحثهم على الاستمرار في حفظ كتاب ربهم وقراءته وتجويده، وتهيئة الجو المناسب لهم ليقبلوا على الحفظ والمراجعة، والمواطن الآخر عليه دعم الحلقات ودور التحفيظ بماله وجاهه.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من أهل القرآن، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
.
المشاهدات 3898 | التعليقات 0