مكانة القدس والأقصى وواجب المسلمين نحو فلسطين للشيخ صالح آل طالب بتصرف

عبدالرحمن اللهيبي
1441/06/12 - 2020/02/06 16:30PM

هذه خطبة للشيخ صالح آل طالب اختصرتها وتصرفت فيها بما يناسب نسأل الله أن ينفع بها

 الحمد لله الذي -تعالى- في ملكوته وتقدَّس، واصطفى من البشر رسلا، ومن البقاع أرضا مباركة وقدسا، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين والتابعين وَمَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيها المؤمنون واعلموا أنكم ملاقوه، وأطيعوا أمره ولا تعصوه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))

 عباد الله: المسجد الأقصى والأرض المقدسة، وفلسطين وبيت المقدس، أرض النبوات، ومسرى الرسول ﷺ ، وإرثُ الأمةِ الخاتِمة , هي بقاعٌ باركها الله وبارك ما حولها، أكثرُ أرضٍ في هذه الدنيا خَطَا فيها الأنبياءُ دعوة بالتوحيد، واستقبلت فجاجُهَا وحيَ الله من السماء إلى أنبيائه وتبلَّلَ ثراها بدمائهم فقد قتل اليهود كثيرا منهم فهم قتلة الأنبياء

لقد كانت فلسطيُن ميراثَ النبوات وعهدَ الرسالات وميلاد الشرائع وأولى الناس بها وبخلافتها في كل زمان هم رسل الله وأتباعهم إلى يوم الدين. وقد كان من أوائلهم إبراهيم الخليل أبو الأنبياء عليه وعليهم السلام والذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وكيف يكون كذلك وقد جاء قبلهم.. فالله يقول: وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ, وقال تعالى: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ

 واستمر ساكن الأرض المقدسة من بعد إبراهيم عليه السلام تسوسهم أنبياؤهم كلما مات نبي خلفه نبي، حتى أسلم الله مقاليد بيت المقدس لهذه الأمة.. أمةِ التوحيدِ الوارثة، ولرسولها المبشَّر به في كل الأمم السالفة.

 حتى أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إلى بيت المقدس بمكة ثلاثة عشر عامًا، وبعد الهجرة إلى المدينة أيضًا سبعة عشر شهرًا حتى نزل القرآن آمِرًا بالتوجه إلى المسجد الحرام؛ والذي ارتبط ارتباطًا أزليًّا بالمسجد الأقصى، فكان الإسراء من المسجد الحرام والمعراج من المسجد الأقصى:  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا”  أخرجه البخاري ومسلم

 أيها المسلمون: الأرضُ لله يورثها من يشاء، فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل فقد كانت للمؤمنين بعدهم :وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ   حتى أَذِنَ اللهُ -تعالى- ببعثة سيد الثقلين، وخاتم النبيينَ، فآلت وراثتُه ووراثةُ أمتِه للأرض المباركة  وإن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في بيت المقدس ليلةَ الإسراء كانت إعلانًا واضحا بوراثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته للمسجد الأقصى.

عباد الله: وفي السنة الخامسةِ عشرة للهجرة تحققت النبوة، ودخل المسلمون فلسطين وقال البطارقة: لا نسلِّم مفاتيحَ بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب، فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة، وفي لحظة تاريخية جليلة جاء عمر -رضي الله عنه- من المدينة المنورة إلى فلسطين وتسلم مفاتيح بيت المقدس .., فكبر وكبر معه المسلمون

وهناك قال قولته الشهيرة:  نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فَمَهْمَا ابتغيتم العزة بغيره أذلكم الله“، دخل عمر بعزة الإسلام وصلى في صدر المسجد مما يلي القبلة، وسأل عن الصخرة وكانت مدفونة تحت القمامة والزبل، فأزال عنها القَذَر بعباءته وتبعه الناس حتى طهر المكان، وكتب لأهل البلد عهدا وأمانا وحفظ لأصحاب الشرائع كلِهم حقهم، فلم يمنع أحدا من ممارسة منسكه، ولم يضيِّق على صاحب صومعة أو بيعة، ولم يهدم جدارا أُسِّس على دين ولم يُهَجِّر ساكنا ولا مستوطنا، ولم يهدم بيتا ولا معبدا ولا دارا.

 وبقيت الكنائس والمعابد من عهده إلى يومنا هذا وطيلة فترة حكم المسلمين مع تتابع قرون لم يتعرض لها أحد، لم تكن حينها منظمات تلاحِظ حقوقَ الإنسان ولا جمعيات تطالِب بتعايُش الأديان، كان الإسلام أسبقَ من ذلك وأولئك ودعوة التوحيد مرتفعه ولها العلو والهيمنة والرفعة..

 أيها المسلمون، لقد آلت تلك المقدسات لأهلها الوارثين لها من المسلمين والذين مازالوا بها متشبثين رغم المرارة والأوجاع، وستقوم الساعة وبيت المقدس بأيدي المسلمين؛ لذا فإن الثابت منذ الفتح وحتى المحشر أن بلاد فلسطين ومدينة القدس مقدسات إسلامية ، والطارئ والاستثناء هو وقوعها في يد غيرهم. وإنا لَمؤمنون وموقنون أن هذا الوعدَ سيصدق حتى منتهاه؛ وعليه: فكلُّ إرادة وقوة تَفْرِض غيرَ ذلك إنما تعبث في الدماء ، ثم تؤول عاقبةُ أمرِها خُسرا.

 ولنا في الحملات الصليبية والحروب التي ترادفت على الشام أكثر من مائتي عام عبرة فقد زال الاحتلال على يد القائد المظفر صلاح الدين وعادت البلاد لأهلها

 وتأسيسًا على ما سبق: فإن الخطوة التي تم اتخاذها مؤخرًا بما يسمى بصفقة القرن ما هي إلا تصفية القرن جاءت لتكريس احتلال القدس، واعتبارها عاصمة لاحتلال ظالم طارئ مآله الفشل وسيزيد المسلمينَ إصرارًا على التمسك بأرضهم المقدسة

  ولن تنجح تلك المحاولات المتمثلة في مسلسل الاعتداءات المتكررة على تلك البقعة المباركة والأرض المقدسة، وعلى تدنيس المسجد الأقصى وتلك الحفريات الأرضية التي تنخر أساس مسجدٍ عظَّمَه الأنبياءُ، وقدسه رب الأرض والسماء.. ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ((

 بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله رب العالمين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين.

وبعد عباد الله: إن قضية فلسطين ليست قضية شعب أو عرق، أو حزب أو منظَّمَة، إنها قضية كل المسلمين، ولقد كانت دومًا تستجيش ولاءاتِ المسلمينَ لبعضهم، تجمع كلمتَهم وتوحِّد صفَّهم، وهي عنوان تلاحمهم وترابطهم ومحل اتفاقهم، ولا يجوز أن تكون مثارًا لتبادل الاتهامات وتكريس الخلافات، ولا أن تُستغل لإسقاطات وتصفية حسابات.

والعدل يقتضي أن نقول: إن الفلسطينيين عمومًا، والمقادسة خصوصًا، قد ضحَّوْا تضحيةً عزَّ نظيرُها؛ فقد عاشوا أطول احتلال في هذا العصر، وهم متمسِّكون بأرضهم متشبِّثون بها، مرابطون على الأكناف بلا أسلحةٍ إلا الحجارةَ والهُتَاف، منذ أكثرَ مِن سبعين عامًا وقُرَاهُم تتعرض لمجازرَ ومذابح؛ وذلك لإرهابهم وتهجيرهم، فما زادتهم الأحداثُ إلا ثباتًا، جرَّبُوا قهرَ الرجال في سلب الأرض ومضضَ التهجير.

 مضت أجيال منهم وَقَضَوْا وهم لم يعرفوا من رفاهية الحضارة شيئًا، وُلِدُوا في خوف وعاشوا في خوف، وماتوا عليه. تكالبت قُوَى العالَم عليهم وهم صامدون، عاشوا في المخيمات في حين أن الرفاه مِن حولهم، وُلِدَتْ كثيرٌ من أجيالهم في المنافي والشتات، ويعيشون فيها بأقلِّ أجرٍ وحرمانٍ من فُرَص وظيفية مناسبة؛ فَأَقِلُّوا عليهم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا. أقيلوا عثرات مَنْ عثَر منهم بسبب ضغط الواقع عليهم وشدته، ولئن أساء بعضُهم أو أخطأ في تقدير موقف فإن البقية ليسوا كذلك، وَهُمْ أَوْلَى الناسِ بإقالة العِثَار والتماس الأعذار.

 أيها المسلمون: سيبقى القدس في قلوبنا وفي وعي الأمة، وقد أكدت المملكة مرارًا دعمَها المستَمِرَّ لقضية القدس، وأن مواقفها ثابتة على مر العصور، وأنها تسعى بكل جهد من أجل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه التاريخية، والمملكة دعمت ولازالت تدعم القضية الفلسطينية، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني دائمًا، وتعمل لنصرة قضية القدس التي آمنت بها باعتبارها قضية المسلمين الأولى في جميع المحافل الدولية، والواجب على الإعلام العربي أن يقوم بدوره في إبراز هذه القضية؛ فهي قضية العرب الأُولَى.

حفظ الله المسجد الأقصى وأهله، حفظ الله المسجد الأقصى وأهله، وطهره من ظلم واحتلال.

هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على مَن أرسلَه الله رحمةً للعالَمين، وهَديًا للناسِ أجمعين.

 اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطُّغاةَ والملاحِدَة والمُفسِدين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المؤمنين.

 اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكَر يا رب العالمين.

اللهم من أرادَ الإسلامَ والمُسلمين ودينَهم وديارَهم بسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نَحرِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.

 

 اللهم إنا نسألُك باسمِك الأعظَم أن تلطُفَ بإخوانِنا المُسلمين فلسطين وفي كل مكانٍ، اللهم كُن لهم في فلسطين، وسُوريا، والعراق، واليمَن، وبورما، وفي كل مكانٍ، اللهم الطُف بهم، وارفَع عنهم البلاء، وعجِّل لهم بالفرَج، اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوالهم وأحوال المسلمين، واجمعهم على الهُدى، واكفِهم شِرارَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم، اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن عاونَهم.

 اللهم وفِّق ولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحِبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَه وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ.

 اللهم احفَظ وسدِّد جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا وحُدودِنا، المُجاهِدين لحفظِ أمنِ بلادِنا وأهلِنا وديارِنا المقدَّسة، اللهم كُنْ لهم مُعينًا ونصيرًا وحافِظًا.

 ربَّنا اغفِر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وثبِّت أقدامَنا، وانصُرنا على القومِ الكافِرين، اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغْنَا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم، وأزواجِنا وذريَّاتِنا، إنك سميعُ الدعاء

 

المشاهدات 1922 | التعليقات 0