مكانة السلف الصالح

حسين بن حمزة حسين
1445/02/13 - 2023/08/29 11:35AM

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدي هديُ محمّد  ، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. ،  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  

أيّها المسلمون، كل أديان الناس الصحيحة ومُعتقداتهم؛ فإنَّ أوّلهم خيرًا من آخرهم، وسلَفُهم أهدَى من خلفهم، فخير يهود أنبياؤهم وأحبارُهم الأوّلون، وخيرَ النصارى عيسى ابنُ مريم وحواريُّوه، وخيرَ المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم  وصحابته المرضيّين ثمّ الذين يلُونهم ثمّ الذين يلُونَهم.

إخوة الإيمان: سيكون موضوع خطبتي اليوم عن السلف الصالح سَلفُكم الأوائل محمَدٌ صلى الله عليه وسلم   وصحابتُه وأهل العلم من القرون الثلاث الأول المُفضَّلة؛ أهدى طريقًا، وأقومَ مسلكًا، وأتبعَ للكتاب والسنة، وأعلمَ بالوحي؛ الانتسابُ لهم طاعةٌ واتباع، ووحدةٌ واجتماع، زكاهم الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم ورضوا عنه ، قال تعالى :  وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  [التوبة: 100]. عن عمرانَ بن حُصين   قال: قال رسول الله  : ((خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونَهم)) أخرجه البخاري ومسلم.

منهجهم هو التطبيقَ العمليَّ الأوّل للإسلام، تحت سمعِ وبصَر رسولِ السلام عليه الصلاة والسلام، وتمثَّلَه التابعون بعد ذلك تحتَ سمع وبصر الصّحابة المشهودِ لهم بالخيريَّة والاصطفاء، وكذلك تابِعوهم، وأسفه الضلال من يدع منهجهم في إثبات أسماء الله وصفاته إثباتا حقيقيا كما يليق بجلال الله وعظمته على قاعدة قول الله عز وجل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، فيصرف معانيها عن حقيقتها اللائقة بالله عز وجل من تأويل أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، ومن أسفه الضلال من يدع منهج السلف الصالح في التوحيد وتعظيم الله عز وجل بإفراده بالعبادة فيصرف العبادة أو شيئا منها لغير الله كالذين يصرفون العبادة لأهل القبور والأولياء والصالحين ونحوهم، أو يدعون الإتباع إلى الابتداع في دين الله في أمور لم يشرعها الله تعالى ولم يفعلها السلف الصالح من إقامة الموالد واتباع الطرق الصوفية كالتيجانية والرفاعية أو يفرقون الدين إلى أحزاب وفرق كالخوارج والروافض ومن شابههم فيكثر الخلاف والاختلاف في دين الله عز وجل ، قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) )  

إخوة الإيمان : السلف الصالح أعرف الناس بالله عز وجل، وأعرف الناس بفهم القرآن والسنة علما وعملا، منهجهم أسلم وأعلم وأحكم من منهج الخلف، علم السلف صافي من الكتاب والسنة، لم تدخله الأهواء، فكلُّ مَن التزَمَ بمنهجهم واقتدَى بهديهم واقتفى أثرهم من بعدهم إلى قيام الساعة فهو منهم، السلف الصالح  الذين ساروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوا شريعته واستقاموا عليها ظاهرا وباطنا قولاً وعملاً وعقيدة، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وغيرهم من أئمة الإسلام  كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وهكذا من بعدهم من أئمة الإسلام كشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب والمشايخ ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم من أئمتنا وعلمائنا، من أسمائهم  أهل الحديث، وأهل الأثر والسَّلف الصالح، والفِرقة الناجية، والطائفة المنصورة، الذين أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنهم: ((إنَّ بَنِي إسرائيل افتَرَقوا على إحدى وسبعين فِرقة، وتَفتَرق أمَّتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كُلُّها في النار إلا واحدة))، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ((ما أنا عليه اليومَ وأصحابي)) ، وسُمُّوا: "أهل السُّنَّة"؛ لأنَّهم الآخذون بسُنَّة رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العالمون بها، العاملون بمقتضاها ، كما يقول الشافعي: (القول في السُّنَّة التي أنا عليها ورأيتُ عليها الذين رأيتُهم، مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرارُ بشهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وأنَّ الله على عرشه في سمائه، يقرب مِن خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدُّنيا كيف شاء...) ، وسُمُّوا بالجماعة لأنَّهم اجتمعوا على الحق، وأَخَذوا به، واقْتَفَوا أَثَرَ جماعة المسلمين المستمسكين بالسُّنَّة من الصَّحابة والتابعين وأتباعهم، واجتمعوا على مَن وَلَّاه اللهُ أمرَهم، ولم يشقُّوا عصا الطاعة، كما أمَرَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم،  ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى روايات الحديث السابق: ((هم الجماعة))،  فمعتقد أهل السنة والجماعة لم يقم على هوىً ولا شهوة ولا شبهة بل قام على أصول راسخة ثابتة ، يقول الإمام اللالكائي رحمه الله : (كلُّ مَن اعتقد مذهبًا، فإلى صاحب مقالته التي أحدثها يَنتَسب، وإلى رأيه يَستَند، إلَّا أصحاب الحديث، فإنَّ صاحبَ مقالتِهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فهم إليه يَنتَسبون، وإلى علمه يَستَندون، وبه يَستدلُّون، وإليه يفزَعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سُنَّته بقُربِهم منه يَصولون، فمن يُوازيهم في شرف الذِّكر، ويُباهيهم في ساحة الفخر وعُلُوِّ الاسم؟!.. إلى أن قال فهي الطائفةُ المنصورة، والفِرقة الناجية، والعُصبة الهادية، والجماعة العادلة المتمسِّكة بالسُّنَّة، التي لا تريدُ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بديلًا، ولا عن قولِه تبديلًا، ولا عن سُنَّته تحويلًا، ولا يُثنيهم عنها تَقلُّب الأعصار  والزَّمان، ولا يَلويهم عن سِمَتِها تغيُّر الحَدَثَيْنِ، ولا يَصْرفهم عن سِمَتِها ابتداعُ مَن كاد الإسلامَ ليصدَّ عن سبيل الله، ويبغيها عوجًا، ويصرف عن طرقها جدلًا ولجاجًا، ظنًّا منه كاذبًا وتخمينًا باطلًا أنَّه يُطفئ نورَ الله، والله مُتِمُّ نورِه ولو كره الكافرون)؛ اهـ.

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، خلقَ خلقَه واصطفَى منهم من اصطفَى، وجعل خيرتَهم أنبياءهم ومن ترسَّم سبيلَهم واقتفَى، وتبارك الله مُثيب الطائعين لأمره ومن خالفَ منهم إن شاء عذَّب أو عفا، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مَثيل ولا شبيه ولا كِفَئا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه المُصطفى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه ومن لمنهجهم اقتفَى.

إخوة الإسلام : يجب على المسلم أن يعظم كلام الله عز وجل القرآن الكريم،  وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الشريف ، ويتيقّن أن العطب والزلل ترك منهج السلف الصالح في فهمهم للكتاب والسنة ويتبع الأهواء والضلالات من أهل الكلام والفلسفة ونحوهم، لا نجاة إلا باتباع فهم السلف كما أنه لا نجاة إلا بالكتاب والسنة ، ثم أسألوا الله الثبات على هذا المنهج القويم والزموا أسبابه، فهو كنزٌ عظيمٌ، مَن وُفِّقَ إليه أنجح وأفلح، ومَن حُرِمَه خاب وخسر؛ لنتيقّن أن منهج السلف الصالح  هو الصراط المستقيم، طريق النجاة ، لنتذكر ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق إلى شعب وفرق كثيرة، وبين الفرقة الناجية، وبيّن سبب نجاتها أنه  اتباع منهج السلف الصالح ، فكل الطرق والفرق في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، هذا هو منهج السلف، فلا نجاة لنا إلا بمذهب السلف الموصل إلى الجنة، لا طريق غيره، كل الطرق غيره ضالة: (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾[28].
 
 

المشاهدات 298 | التعليقات 0