مقدمات في الوسطية

مبارك أحمد العبدلي
1438/07/17 - 2017/04/14 05:01AM
إن الحمد لله ...... أما بعد
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فلن يقبل عمل إلا بتقوى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) فاتقوا الله رحمكم الله في جميع شؤون حياتكم تفلحوا وتفوزوا فوزا عظيما
أيها المسلمون دين الإسلام هو أعظم الأديان وكتابه القرآن أعظم الكتب السماوية المهيمن عليها ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل وسيدهم عليهم الصلاة والسلام أجمعين وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس فهي أمة وسط بين الأمم بين الغالي المفرط والجافي المفرط ولذلك جعلهم الله شهداء على الناس يوم القيامة ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) فعرفت هذه الأمة بالوسطية بين الأمم وهو صراط المنعم عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولذلك المسلم يسأل الله الهداية إلى صراط المنعم عليهم كل صلاة ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فالمغضوب عليهم هم الجفاة المفرطون أعداء الحق المحاربون له وأقرب مثال لهم اليهود قتلة الأنبياء المحاربون للحق وأهله ويلحق بهم كل عدو للحق وأهله والضالون هم الغالون فيه غلوا حملهم إلى الانحراف عن منهج الحق والتشدد على انتهاج سبيل الباطل فزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وأقرب مثال هم النصارى الذين تاهوا عن الحق وابتدعوا من العبادات ما لم يأذن به الله فنعوذ بالله من سبيل هؤلاء وهؤلاء فمنهم من قتل الأنبياء ومنهم من جعلهم آلهة مع الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم محمدا واصطفاه بعثه على الحنيفية السمحاء والمحجة البيضاء ليلها في الوضوح والبيان والصفاء كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك هذا هو كتاب ربنا سبحانه وتعالى وهاهي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم جاءت بالوسطية حقا فما هي الوسطية يا عباد الله؟؟
البعض يظن أن الوسطية هي الوسط أن يقف الإنسان بين أمرين كما يقال نص نص هكذا يفهم البعض ممن لا علم له والأمر ليس كذلك يا عباد الله فالوسطية منهج إسلامي عظيم فالوسطية تعني الحق وسأضرب لذلك مثالا يتضح معه معنى الوسطية :
اليهود كذبوا عيسى عليه السلام وحاولوا قتله وعزموا وفعلوا في ظنهم وقد كذبوا لأن الله قد رفعه إليه جل جلاله فهؤلاء في طرف المحاربين لله ورسوله ولو مثلنا بالعصا لقلنا أنهم على حافة وطرف العصا وهم ساقطون هالكون ولا محالة وفي الطرف الآخر والحافة الأخرى يأتي النصارى الذين غلو في محبة عيسى وتعظيمه وجعلوه إلها مع الله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) ولاشك أنهم في الطرف الآخر طرف الغلو وهم ساقطون هالكون لا محالة فجاءت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت على الحق وسطا وعدلا فقالت عيسى هو عبد الله وليس إلها أيها النصارى الضالون بل هو عبد لله جل جلاله وهو رسول الله وليس كذابا أيها اليهود المغضوب عليهم فعيسى عبد الله ورسوله فآمنا به وصدقناه وأحببناه كمحبة بقية الأنبياء عليهم السلام وتوليناه وعرفنا وآمنا أنه عبد لله تعالى خلقه الله جل جلاله كبقية خلقه وعباده أما ربنا وإلهنا سبحانه وتعالى فهو الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له فلا ند ولا نظير ولا مثيل ولا شبيه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) هذه هي الوسطية يا عباد الله وهذا مثال عليها يتضح به المقال ويعرف به الحال فالوسطية حق محض بين باطلين ولا يراد بها مطلقا التساهل واللين في الحق أبدا ولنضرب لذلك بموقف عظيم لرجل من عظماء الإسلام ومن أصحاب سيد الأنام صلى الله عليه وسلم من خلاله يبرز رضي الله عنه منهج الوسطية في الإسلام في أوائل زمن ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وفي موقف ينصر فيه الحق ويبطل فيه الباطل وفي هذا الموقف يا عباد الله جاء الحق وظهر وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وإليكم الحادثة وفقني الله وإياكم للحق وذلك عندما هاجر المسلمون فارين بدينهم إلى الحبشة بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم وبيانه أن بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد فتوجه المسلمون إلى هناك في جمع منهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم فلما استقر بهم المقام وطابت نفوسهم بالأمن عند ذلك النجاشي ملك الحبشة العادل ملئت قلوب كفار قريش غيظا وحنقا فاختاروا رجلين ليذهبا إلى النجاشي لإقناعه بعودة أولئك المسلمين إلى قومهم فاختاروا أدهى دهاة العرب وكما يسميه الإمام الذهبي رحمه الله برجل العالم إنه عمرو بن العاص رضي الله عنه وفي ذلك الوقت كان كافرا لم يسلم بعد ومعه رجل آخر وقد حملا الهدايا من مكة والتي يحبها النجاشي ثم دخلا على النجاشي وقدما لهم الهدايا ورحب بهما ثم أظهرا بعد ذلك سبب مجيئهما وللحديث بقية أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم




الخطبة الثانية
الحمد لله ... أما بعد فدعونا عباد الله نعيش مع بقية هذا الموقف التاريخي لمعالم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم و وسطيتها و التي نطق بها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك أن عمرو بن العاص وصاحبه طلبا من النجاشي أن يسلم لهما هؤلاء القوم الذين وصفوهم بالسفهاء ليعودوا بهم إلى مكة فقومهم أعرف بهم كما يقول عمرو فرفض النجاشي ذلك الأمر وغضب ، ثم قال ‏‏:‏‏ لاها الله ، إذن لا أسلمهم إليهما ، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني ‏‏.‏‏ فأرسل إليهم النجاشي وبعد تشاور بينهم جعلوا متحدثهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه فلنستمع لذلك البطل عندما دخل إلى النجاشي وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، فسألهم فقال لهم ‏‏:‏‏ ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ، ولا في دين أحد من هذه الملل ‏‏؟‏‏ فقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ‏‏:‏‏ أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ؛ فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ؛ وأمرنا أن نعبدالله وحده ، لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - فعدد رضي الله عنه عليه أمور الإسلام – ثم قال فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ؛ ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال له النجاشي ‏‏:‏‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال له جعفر ‏‏:‏‏ نعم ؛ فقال له النجاشي ‏‏:‏‏ فاقرأه علي ؛ قالت ‏‏:‏‏ فقرأ عليه صدرا من ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ كهيعص ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فبكى والله النجاشي حتى اخضلَّت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، حين سمعوا ما تلا عليهم ‏‏.‏‏ ثم قال لهم النجاشي ‏‏:‏‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، ثم قال لعمرو وصاحبه انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يُكادون ‏‏.‏‏ فتأملوا كلام جعفر رضي الله عنه كلام عجيب فيه معالم الهداية ونور الإسلام إنه موقف عظيم أظهر فيه جعفر رضي الله عنه مكارم الإسلام ومحاسنه المبنية على الوسطية والعدل ومكارم الأخلاق إنه دين الرحمة للخلق أجمعين فاللهم إنا نسألك الثبات على الدين والحق ونسالك أن نكون على منهج محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وسيكون للحديث بقية في بيان معالم الوسطية في هذا الدين العظم في خطبنا القادمة بأذن الله تعالى فهه مقدمة وتوطئه لبيان المنهج الحق لصلاح أنفسنا وصلاح أهلينا وأولادنا وحمايتهم من مضلات الفتن ومن الغلو في الدين واتباع منهج أهل البطل دعاة الضلالة والتكفيرالذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. فاللهم أعز الإسلام

المشاهدات 792 | التعليقات 0