مقدمات في الدعاء - 4

ماجد بن سليمان الرسي
1446/06/10 - 2024/12/12 07:26AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

***

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.

***

السبب الثالث من أسباب إجابة الداعي: حال الداعي عند دعائه

1.         عباد الله، تقدم في الخطب الماضية تقرير أن الدعاءُ عبادة جليلة، قد خصها الله بالذكر في كثير من الآيات، وبــيَّـن النبـي (صلى الله عليه وسلم) شرفها في كثير من الأحاديث الصحيحة، كما تقدم الكلام عن السبب الأول والثاني من أسباب إجابة الدعاء، واليوم نتكلم عن السبب الثالث والمتعلقة بحال الداعي، وعددها خمسة، أولها دعوة المظلوم، لقول النبي )صلى الله عليه وسلم) لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: «واتَّـق دعوةَ المظلوم، فإنَّه ليس بينها وبين الله حِجاب»([1]).

***

2.          ومن أسباب إجابة الدعاء دعاء الوالد لولده أو على ولده، وكذلك دعوة المسافر، والدليل قول النبي )صلى الله عليه وسلم): «ثلاثُ دَعَـوات لا تُرَدُّ: دعـوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر»([2]).

***

3.         عباد الله، ومن أسباب إجابة الدعاء دعاء الأخ المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب، لحديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم): «ما من عبدٍ مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ»([3]).

***

4.          أيها المؤمنون، ومن أسباب إجابة الدعاء الدعاء عند سماع صياح الدِّيكة، لحديث: «إذا سمعتم صياح الدِّيَكَة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتم نَهيق الحمار فتَعَوَّذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانًا»([4]).

***

السبب الرابع من أسباب إجابة الداعي: تحري الدعاء في أزمنة فاضلة

1.              عباد الله، ومن أسباب إجابة الدعاء تحري الدعاء في أزمنة معينة، وعددها خمسة وهي الساعة الفاضلة التي تقع في يوم الجمعة، فعن أبي هريرة )رضي الله عنه) «أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم) ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعةٌ لا يُوافقها عبد مسلم وهو قائم يُصلي، يسأل الله تعالى شيئًا؛ إلا أعطاه إياه». وأشار بيده يُـقلِّــلُها»([5]).

قوله «قائمٌ يُصلي» أي يدعو، وقوله (يُـقلِّــلُها) فيه إشارة إلى قلة وقتها ومرورها بسرعة.

وقد جاء في تعيين تلك الساعة حديث جابر )رضي الله عنه) عن النبي )صلى الله عليه وسلم) قال: «يوم الجمعة اثنا عشرة ساعة، فيها ساعة لا يُوجد فيها عبد مسلم يَسأل الله شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر»([6]).

***

2.              ومن الأزمنة التي يرتجى فيها إجابة الدعاء جوف الليل، لحديث جابر )رضي الله عنه) قال: سمعت النبي )صلى الله عليه وسلم) يقول: «إنَّ في الليل لساعة، لا يُوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»([7]).

وعن أبي هريرة )رضي الله عنه)، أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم) قال: يَنزل ربُّنا )تبارك وتعالى) كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: «مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يَسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له»([8]).

***

3.              ومن الأزمنة التي يرتجى فيها إجابة الدعاء الدُّعاء عند التَّـعارِّ من الليل، أي الاستيقاظ في الليل، وهذا في عموم الليل، والدليل عليه:حديث عبادة بن الصامت )رضي الله عنه)، أن النبي )صلى الله عليه وسلم) قال: «مَن تعارَّ من الليل فقال: لا إلـٰهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إلـٰه إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا؛ استُجيب، فإن توضأ وصَلَّى؛ قُـبِلت صلاتُه»([9]).

وعن أبي أُمامة الباهلي )رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله )صلى الله عليه وسلم) يقول: «مَن أوى إلى فراشه طاهرًا يَذكر الله؛ لم يَتقلب ساعة من الليل سأل الله شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيَّاه»([10]).

***

4.              ومن الأزمنة التي يرتجى فيها إجابة الدعاء الدعاء في شهر رمضان، لحديث: «إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة (يعني شهر رمضان)، لكل عبدٍ منهم دعوة مستجابة»([11]).

***

5.              ومن الأزمنة التي يرتجى فيها إجابة الدعاء الدُّعاء بين الأذان والإقامة، فعن أنس بن مالك )رضي الله عنه) قال: قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم): «لا يُـرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة»([12]).

وجاء في أثر عمرو بن العاص )رضي الله عنه) أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن المُؤَذِّنين يَفْضُلوننا، فقال رسول الله )صلى الله عليه وسلم): «قل كما يقولون، فإذا انتهيتَ فَسَلْ تُعطه»([13]).

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

***

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) رواه البخاري (1496) ومسلم (19).
([2]) تقدم تخريجه.
([3]) رواه مسلم (2732)، واللفظ له، وانظر القصةَ بطولها في «المسند» (6/452).
([4]) رواه البخاري (3303) ومسلم (2729)، عن أبي هريرة )رضي الله عنه).
([5]) رواه البخاري (935)، ومسلم (852).
([6]) رواه أبو داود (1048)، والنسائي (1388)، واللفظ له، وصححه الألباني.
([7]) رواه مسلم «757».
([8]) رواه البخاري (1145)، ومسلم (758).
([9]) رواه البخاري (1154).
([10]) رواه أبو داود (5042)، والترمذي (3526)، والنسائي (10573) في «الكبرى»، وصححه الألباني.
([11]) رواه أحمد (2/254)، وقال محققو «المسند» (12/420): «إسناده صحيح على شرط الشيخين»، ورواه البزار بسنده كما في «كشف الأستار» (962)، وقال الألباني في «صحيح الترغيب» (1002): «صحيح لغيره».
([12]) رواه أبو داود (521) واللفظ له، والترمذي (212)، وأحمد (3/155)، وصححه الألباني.
([13]) رواه أبو داود (524)، وقال الألباني: «حسن صحيح».

المرفقات

1733977601_مقدمات في الدعاء - 4.doc

1733977601_مقدمات في الدعاء - 4.pdf

المشاهدات 86 | التعليقات 0