مقتطفات - بما للنبي من معجزات

خالد علي أبا الخيل
1437/08/08 - 2016/05/15 09:48AM
مقتطفات - بما للنبي من معجزات
التاريخ: الجمعة: 29/ رجب/ 1437 هـ
الحمد لله رب الأرض والسماوات أيد رسوله بالمعجزات، والآيات الباهرات، والحجج القاطعات، والنصوص القطعيات، وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل على رسوله آياتٍ ظاهرات وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله رفع الله ذكره وصدق خبره بالأنوار الساطعات .. أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله فتقواه أزكى عمل وأحفظ من العلل ومنجاة من سخطه -عز وجل-، فيا أيها الإنسانُ بادر إلى التقى وسارع إلى الخيرات ما دمت ممهلُ، فما أحسن التقوى وأهدى سبيلها بها يرفع الإنسان ما كان يعملُ.
معشر المسلمين تكملة لموضوعنا السابق وتتميمًا له في اللاحق فتقدم في الجمعة الماضية مقتطفات بما للنبي من معجزات.
الحلقة الأولى وفي جمعتنا هذه، الحلقة الثانية فهداكم الله في هذه الدار الفانية، وجعلكم ممَن يُقال لهم في الدار الآخرة (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة:24] فمن المعجزات لخاتم الأنبياء والمرسلين وما له من الآيات: الإسراء والمعراج، نؤمن به ونصدقه وقد أسريَّ به في اليقظة وهو معجزة ظاهرة، وآية باهرة صلى بالأنبياء إمامًا واستقبلوه سلامًا وترحيبًا، وفرضت عليه هنالك الصلوات الخمس، وبعد خمسين من الأعوام مضت لعمر سيد الأنام أسرى به الله إليه في الظُلَم، وفرض الخمس عليه وحتم، ولما كذبته قريش جلاه الله له فوصفه لهم وأخبرهم به وقالوا: كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرًا ذهابًا، وشهرًا إيابًا ومحمدٌ يزعم أنه أسريَّ به إليه وأصبح فينا تكذيبًا واستهزاءً سخريةً وتهويلًا واستبعادًا واستكبارًا واستعظامًا.
ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه وقالوا: إن صاحبك يزعم أنه ذهب وأنه أسريَّ به، وأصبح عند قومه ولم يعلم بالواقعة -رضي الله عنه- فقال الصديق: لقبٌ كان له مستحقًا وسمةٌ له وصدقًا، إن كان قال ذلك فقد صدق، قالوا: وتصدقه بذلك؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، في خبر السماء يأتيه بكرةً وعشية.
ومن معجزاته صلوات الله وسلامه عليه ودلائل نبوته: كف أذى أعداءه عنه، واستجابة الله له دعاءه، ولما أدركه في طريق الهجرة سراقة بن مالك دعا عليه، فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها حتى عاهدهما بأن يرد عنهم الطلب، وفي معركة حنين انهزم المسلمون وثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَن معه من المؤمنين، فلما حميَّ الوطيس أخذ صلوات الله وسلامه عليه حُصيات رما بها وجوه الكفار وانهزموا وخابوا وخسروا، ولما أن حلف أبو جهل باللات والعُزى أنه لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في المسجد أن يطأ على رقبته وليعفرن وجهه في التراب، فلما رآه ساجدًا أراد أن يفعل ما أقسم عليه، فلما اقترب منه، وإذا هو ينكص على عقبيه، ويتنقى بيديه قيل له: مالك؟، قال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :(لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا).
ومن المعجزات أيها المؤمنون والمؤمنات: إجابة الدعوات فاهتداء أم أبي هريرة بدعوة من نبيه، ومحبة المؤمنين لأبي هريرة، ولأم أبي هريرة بدعوة من نبيه، وإغاثة الله لأمته استجابةُ من ربه لدعوته، لما طلب الناس الماء والاستسقاء وهو على المنبر، فرفع يديه وما في السماء من قزعة، فما وضع يديه إلا أثار السحاب، أمثال الجبال، ولم ينزل من منبره حتى تحادر المطر على لحيته، ومن ذلك دعوته على مَن استكبر عن أمره واستنكف عن سنته فكان عنده رجل يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، قال: لاستطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه.
ومن دعواته المستجابة: بركة دعوته تصيب بعير جابر الضعيف، فذات يوم يقول جابر: كنت على ناضحٍ قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال: ما لبعيرك؟، قلت: عين، قال: فتخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفه فزجره ودعا له فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال: كيف ترى بعيرك؟، قلت: بخيرٍ قد أصابته بركتك، قال: أفتبيعه؟، فاستحييت ولم يكن لنا ناضحٌ غيره، قال: فقلت: نعم، فاشترط عليه أن يوصله إلى المدينة، فلما قدِم المدينة أعطاني ثمنه ورده عليِّ، وقال: خذ مالك وبعيرك.
ومن معجزات المصطفى: إبراء المرضى فلما قتل عبد الله بن عتيق أبا رافعٍ وضع رجله في ليلةٍ مقمرة فوقع فانكسر رجله، انكسر رجل ساقه، فلما جاء إلى رسول الله قال: ابسط ساقك ورجلك، فبسطت فمسحها فكأنها لم أشتكها قط. ومن ذلك: رد عين قتادة ابن النعمان لما أصيب عينه في غزوة أحد، حتى وقعت على وجنتيه فردها فكانت أحسن عينين وأحدهما نظرًا وفي ذلك يقول ابنه:

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه
فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأول مرةٍ
فيا حسن ما عينٍ ويا حسن ما خد


ومن أعلام نبوته وصدق رسالته: دعوته لعلي ابن أبي طالب لما جيء به يُقاد ليعطيه الراية، بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى، كأن لم يكن به وجع، يقول عليٌ: فما رمدت ولا صدعت بعدُ، ولما أصيب ساق سلمة بن الأكوع قال له يزيد بن أبي عبيد: ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فنفث عليه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة.
ومن أنوار معجزاته وسطوع نبوته وآياته: إخراج الجن المصروع، وذلك أن يعلى ابن مرة قال: سرنا مع رسول الله فمررنا بماءٍ فأتته امرأةٌ بابنٍ له به جِنة، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنخره، ثم قال: اخرج، فإني محمد رسول الله، ثم سرنا فلما رجعنا فسأل عن الصبي، فقالت له: والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبًا بعدك. ومنها شكوى البعير، وذلك أنه لما رآه البعير، جرجر فوضع جيرانه وذرفت عيناه وحنّ فآتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح سراته إلى سنامه فسكن، فقال: مَن رب هذا الجمل، لمَن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجيعه وتُدئِبهُ.
أنت الذي حنّ الجماد لعطفه
وشكا لك الحيوان حين رآك

والجذع يسمع بالحنين أنينه
وبكاؤه شوقًا إلى لقياك


ولما كان في أحد صعد جبل أحد، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا هذا الجبل الأشم الأصم: (اثبت أحد فإن ما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان، ولما انكسر سيف عكاشة ابن محصن في يوم بدر وقد حصد بالمشركين حصدًا، فلما جاء إلى رسول الله يخبره بكسر سيفه دفع له جذلًا جذلًا، جذلًا من حطب وقال: قاتل به، فلما وضعه في يديه وهزه عاد سيفًا صارمًا طويلًا متينًا أبيضًا، ولم يزل معه حتى استشهد -رضي الله عنه-، ولم سارّ ابنته فاطمة وأخبرها أنها أول أهله لحوقًا به، ضحكت واستبشرت، ولم يتوفى قبلها أحد من أهل بيته.
ومن أعلام نبوته وإجابة دعوته: دعوته لخادمه أنس، فلما جاءت به أمه وقد آزرته بنصف خمارها وردته بنصفه، فقالت: يا رسول الله هذا أُنيس ابني أتيتك به يخدمك فادعوا الله له، فقال: اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته، قال أنس: فوالله أن مال كثير، وأن ولدي لا يتعادون على نحو المائة، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحانٌ يجيء منه ريح المسك.
بذكرك يا خير الأنام أغرد
فتطرب جوزاءُ وتطرب فرقدُ

فصلى عليك الله ما لاح كوكبُ
وسلم ما قال المؤذن أشهدُ

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية:
الحمد لله العليم الخبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، أيها المسلمون ذات يوم أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنده فقلنّ له: أيُنا أسرع بك لحوقًا؟ قال: أطولكنّ يدًا، فأخذنّ -رضي الله عنهنّ- قصبة يضرعنها فكانت سودة أطولهنّ يدًا، فعلمنّ بعد أنما كان طول يدها الصدقة، وكانت تحب الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به، صلوات الله وسلامه عليه.
ولما شكى إليه أبو هريرة حافظ الأمة لسنة سيد الأمة أنه يسمع كثيرًا وينسى كثيرًا، قال له المصطفى: ابسط ردائك، قال: فبسطته، ثم قال: اضمم، فضممته فما نسيت حديثًا بعد.
ومن الأعلام ومعجزات سيد الأنام: توقيته مواقيت بيت الله الحرام، وذلك أنه عينها قبل فتح بلدانها، وفي ذلك يقول الناظم:
وإِحْرَامُ حَجِّ مِن مَوَاقِيْتَ خَمْسَة
ولِلشَامِ والمِصْريِّيْ والغَرْبِ جُحْفَةً
وخُذْ ذَاتَ عِرْقٍ لِلْعِرَاق وَوَفْدِهِ
وَتَعْيِينُها مِن مُعْجِزَاتِ نَبِّيِنَا
لِطَيْبَةَ وَقِّتْ ذَا الحُلَيْفَةِ واقْصِدِ
ولِلْيَمَنِ التَّالِي يَلملَم فارْصُدِ
وقَرْنًا لِوَفْدٍ طَائِفِي ومُنْجِدِ
لِتَعْيِيْنِهِ مِن قَبْلِ فَتْحِ المُعَدَّدِ

ولما هاجت ذات يوم ريحٌ شديدة قرب المدينة تكاد تدفن الراكب دفنًا، فزعم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة إذا عظيمٌ من المنافقين قد مات فكان كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
محمد المبعوث للخلق رحمةً
يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح

لئن سبَّحت صُمُّ الجبال مجيبةً
لداود أو لان الحديد المصفح

فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه
وإن الحصى في كفه ليُسَبِّح

إن كان موسى أنبع الما من الحصى
فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح

وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً
سليمان لا تألو تروح وتسرح

فإن الصبا كانت لنصر نبينا
برعب على شهر به الخصم يكلح

وإن أوتيَّ الملكَ العظيم وسخِّرت
له الجن تشفي ما رضيه وتلدح

فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فرَدَّ الزاهد المترجِّح

وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً
وموسى بتكليم على الطور يُمنح

فهذا حبيب بل خليل مكلَّم
وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح


هذا رسول الله الصادق المصدوق، الرسول الأمين، المبعوث رحمةً للعالمين، ورأفةً للمؤمنين وغلظةً وشدةً على الكافرين.
نورٌ أطل على الحياة رحيما
وبكفه فاض السلام عظيمًا

لم تعرف الدنيا عظيمًا مثله
صلوا عليه وسلموا تسليمًا


(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأزل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وانصر مَن نصر دينك، واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين واجمع شملهم على الهدى والدين يا رب العالمين، اللهم كن للمستضعفين والمستضعفات من المؤمنين والمؤمنات في الشام والعراق واليمن وسائر البلدان اللهم وحد صفوفهم على الكتاب والسنة.
والله أعلم
المشاهدات 1238 | التعليقات 0