مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان: (سَلَامَةُ الصُّدُورِ ثَمَرَاتٌ وَأُجُور.)
رمضان صالح العجرمي
مُقتَرَحُ خُطبَة بعنوان:
سَلَامَةُ الصُّدُورِ ثَمَرَاتٌ وَأُجُور.
1- أَهَمِّيَةُ سَلَامَةِ الصُّدُورِ.
2- لِمَاذَا نَعتَنِي بِسَلَامَةِ صُدُورِنَا.؟
3- كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى سَلَامَةِ الصُّدُورِ.؟
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التَّذْكِيرُ بِأَهَمِّيَةِ سَلَامَةِ الصُّدُورِ؛ فَإنَّ أَفضَلَ إِعدَادٍ وَاستِعدَادٍ لِشَهرِ رَمَضَانَ هُوَ إِعدَادُ القَلبِ، وَالعَمَلُ عَلَى سَلَامَةِ الصَّدرِ.
• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من أعظم النعم والمِنن التي يمتنُّ اللهُ تعالى بها على عباده المؤمنين: هي نعمة سلامة الصدر، وانشراحه؛ فيكون صدرًا منشرحًا سليمًا من أمراضه، خاليًا من الشرور والغوائل والآفات.
قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} ، وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
•ولذلك امتن الله تعالى على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: بسلامة وانشراح صدره ؛ فقال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
•وقد أثنى الله تعالى على خير القرون الأولى من الصحابة رضي الله عنهم؛ لسلامة صدورهم؛ فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
•ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا أشدَّ الحرص على سلامة صدره ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ.)) [رواه الترمذي]
•وأما إذا أراد الله تعالى أن يعاقب قومًا من الأقوام: عاقبهم بقسوة القلوب؛ وتأمل إلى عقوبة أهل الكتاب من بني إسرائيل ؛ كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
•ولذلك كان من الأهمية بمكان: أن نتفقد صدورنا، التي هي وِعاءُ القلوب، ونحن نستعد لاستقبال موسم الخيرات والبركات: (موسم شهر رمضان) فَإنَّ أَفضَلَ إِعدَادٍ وَاستِعدَادٍ لِشَهرِ رَمَضَانَ هُوَ إِعدَادُ القَلبِ، وَالعَمَلُ عَلَى سَلَامَةِ الصَّدرِ.
• فَلِمَاذَا نَعتَنِي بِسَلَامَةِ صُدُورِنَا.؟ وَمَا هِيَ ثَمَرَاتُ سَلَامَةُ الصَّدرِ.
1- لأن سَلَامة الصَّدر: تكسو صاحبها بِحُلَّةِ الخيريَّة، وتُلبِسُهُ لباس الأفضلية؛ فقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله مُقَدَّمًا بين الناس.
•فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ.)) قَالُوا: صَدُوق اللِّسَان قد عَرَفْنَاهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: ((هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ.)) [رواه ابن ماجه]
•وقد كان السلف رحمهم الله يعدُّون الأفضل فيهم: من كان سليمُ الصَّدرِ سليمُ اللسَانِ ؛ قال إياسُ بنُ معاوية بنُ قرة رحمه الله: "كان أفضلُهم عندهم أسلَمهم صدورًا وأقَلُّهم غيبةً."
2- ولأن الصَّدرَ: هو وِعاءُ القلب الذي هو محل نظر الرحمن جل جلاله.
•ففي صحيح مسلم عَنْ أبي هُريْرة رضي الله عنه، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ.)) ففي الحديث: الحث على الاعتناء بإصلاح القلب وأنه مُقَدَّم على عمل الجوارح،؛ لأن ثواب الأعمال يكون بما انعقد عليه القلب من إخلاص وحسن نية.
3- ولأنه بسلامة الصدور، وصلاح القلوب: تنصلح الجوارح، وتستقيم.
•ففي الصحيحين عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ.))
4- ولأنه لا يجتمع في القلب إيمان، وحسد.
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ: غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ.)) [رواه النسائي، وحسنه الألباني.]
5- وللنجاة من الخسران العظيم.
•وتأمل إلى الخسران العظيم الذي تعرَّضَ له هذا الذي لم يتعاهد صدره، ويتفقد قلبه؛ فلم تُرفع له أعمال، ولم يحظى بمغفرة الكبير المتعال جل جلاله ؛ ففي صحيح مسلم في عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))؛ أي: رُدُّوهما وأخِّرُوهما
•تخيل نفسك، يا من ملأت صدرك شحناء: أنك في جمع من الناس تنتظر عطاء أو قضاء حاجة في يوم الاثنين؛ فتقضى حوائج الحضور، ويقال لك: ارجع يوم الخميس، وهكذا كلما حضرت لحاجتك تؤجل بين اثنين وخميس، وإذا تم عام وجاءت ليلة النصف من شعبان، قيل لك: راجعنا العام القادم، وهكذا حالك مرتين بالأسبوع، ومرة كل عام تغدو وتروح دون أن تحقق مصلحتك التي تريد..!! كم من المسلمين اليوم مع الأسف هذه حالهم في كل مجتمعاتهم.؟!
6- خوفًا وحذرًا من أدواء القلوب التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
•عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دَب إِلَيكُم داءُ الأُمَمِ قَبلَكُمُ الحَسَد والبَغضاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ.)) ؛ [رواه التِّرمذي، وأحمد، وحسَّنه الألبانيُّ في صحيح سنن التَّرمذي]
•وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ.))، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ؟ قَالَ: ((الْأَشَرُ، وَالْبَطَرُ، وَالتَّكَاثُرُ، وَالتَّنَاجُشُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ؛ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ ثمَّ الْهَرْجُ.)) ؛ [رواه الحاكم، والطَّبراني، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع]
7- ولأن سلامة الصدر: من أعظم خصال البر؛ فإنها تجمع القلب على الخير، وتزيل أسباب الذنوب.
•فإن سَلَامة الصَّدر تجمع القلب على الخير والبِرِّ والطَّاعة والصَّلاح، فلا يجد القلب راحة إلا فيها، ولا تقرُّ عين المؤمن إلا بها.
•كما أنَّها تزيل العيوب، وتقطع أسباب الذُّنوب، فمن سَلِم صدره، وطَهُر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظُّنون السَّيئة، عفَّ لسانه وجوارحه عن كلِّ قبيح ؛ فقلَّمَا تجد من يحمل في قلبه شحناءَ على مسلم إلا وسعى في كل مجلسٍ إلى عَيْبه وهمزه ولمزه وتنقُّصه، بل ربما وقع في الكذب في بعض الأحيان، وفي الظلم وتجاوز الحدّ، والفجور في الخصومة.
8- ولأنه لا نجاة لإحد يوم القيامة، ولا فلاح للعبد يوم المعاد إلا من أتى بقلبٍهِ سليمًا طيِّبًا طاهِرًا.
•قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
•قال ابن القيم رحمه الله: (هو السَّليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة، من مرض الشُّبهة التي توجب اتِّباع الظَّنِّ، ومرض الشَّهوة التي توجب اتِّباع ما تهوى الأنفس.) ، وسُئل ابن سيرين رحمه الله، ما القلب السليم؟ قال: "الناصح لله عزَّ وجلَّ في خلقه"، أي: لا غش فيه، ولا حسد ولا غل.
9- وسلامة الصدر: من صفات أهل الجنة، ومن أسباب دخولها.
•فإن من أعظم فوائد وثمرات سَلَامة الصَّدر: أنَّها سبيل لدخول الجنَّة، فهي صِفَةٌ من صفات أهلها، ونعتٌ من نعوتهم، وعلامةٌ من علاماتهم ؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} ؛ فأهل الجنة لا اختلاف بينهم، ولا تباغض؛ قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًّا، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.
•واسمع لهذا الخبر؛ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.)) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، فَقَالَ: إِنِّي لاَحَيْتُ أَبِى فَأَقْسَمْتُ أَنْ لاَ أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاَثًا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُئْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِىَ فَعَلْتَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَلاَثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّى لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْرًا فَلَمَّا مَضَتِ الثَلاَثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِى غَضَبٌ وَلاَ هَجْرٌ ثَمَّ؛ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ ثَلاَثَ مِرَارٍ: ((يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.)) فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَلاَثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِىَ إِلَيْكَ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِىَ بِهِ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ! فَمَا الَّذِى بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي. فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّى لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِى لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلاَ أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: (هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِىَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ.) [رواه أحمد، والنسائي، وغيرهم، وضعفه الألباني.]
نسأل الله العظيم أن يشرح صدورنا بالإيمان.
• الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:- كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى سَلَامَةِ الصُّدُورِ.؟
• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن لانشراح الصدر، وسلامة القلب من أمراضه أسبابًا عديدة؛ ومنها:-
1- التعلق بالله تعالى، والتضرع والدعاء، وكثرة سؤال الله عز وجل أن يطهِّر القلوب من أمراضها.
•ولذا كان من دعاء أهل الإيمان: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
•وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ.)) ، وقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((واسْلُل سخيمةَ قلبي)) أي: أخرِجْ مِن قَلْبي: الحِقْدَ والغِلَّ، والحسدَ والغِشَّ.
2- اجتناب أسباب التشاحن والتباغض.
•ومن أخطَرِهَا: انفتاح الدنيا والتنافس عليها ؛ ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، في قصة قدوم أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بمال البحرين، وسمعت الأنصار بقدومه، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم، قال: ((والله ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ))
•وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذاتَ يومٍ لأصحابِه: ((إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ؟))، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ))
•وقد لخَّص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسباب في هذا الحديث العظيم ؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ))
3- المسارعة في الإصلاح عند أي خلافات؛ فكلُّ تأخير له تأثير على القلوب.
•فتذكروا يا عباد الله أنه في ليلة النصف من شعبان قد حُرِمَ أناسٌ من المغفرة والرحمة؛ لأنهم ملؤوا قلوبهم حقدًا على إخوانهم، فعليكم دور كبير فى أعناقكم وهو تفقد هؤلاء المتشاحنين، والسعي بينهم في الصلح وتقريب القلوب، وتأليفها ؛ قال الله تعالى: ﴿لَّا خَیۡرَ فِی كَثِیرࣲ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَـٰحِۭ بَیۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا﴾ ، وفي سنن أبي داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فإن فَسَاد ذَاتِ الْبَيْنِ هى الْحَالِقَةُ؛ لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين.))
4- محبة الخير للمسلمين.
•ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ.)) والمعنى: "لا يكْمُل إيمانُ أحدِكم حتى يحبَّ لأخيه في الإسلام مثلَ ما يحب لنفسه."
•وهذا كُلُّه إنَّما يأتي من كمالِ سلامةِ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسدِ؛ فإنَّ الحسدَ يقتضي أنْ يكره الحاسدُ أنْ يَفوقَه أحدٌ في خير، أو يُساوَيه فيه.
5- الإكثار من الصيام، وخاصة صيامُ ثلاثة أيام من كلِّ شهر.
•فإن الصيام سببٌ لإزالة ما في القلوب من الفساد، فتُقبِلُ النفوسُ على الصفح والعفو والمسامحة ؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ –أي: رمضان- وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِبُ مَغَلَّةَ الصَّدْرِ))، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا مَغَلَّةُ الصَّدْرِ؟ قَالَ: ((رِجْزُ الشَّيْطَانِ.)) ، وفي رواية: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)) ؛ [رواه النسائي وصححه الألباني]
6- الإقبال على كتاب الله تعالى.
•فإن من أعظم أسباب سلامة الصدر وانشراحه: الإقبال على كتاب الله تعالى تلاوةً وحفظًا، وتعلمًا وتدبرًا، فكلما أقبل العبد على كتاب ربه سَلُمَ صدره، وصَلُحَ قلبه؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
7- مطالعة أحوال السلف.
•فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يصف لنا أحوالهم وقد سُئِل: كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان؟ قال: (ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم.) الله أكبر إنها قلوب سليمة؛ فلم يسبقنا السلف إلى الله تعالى بكثرة الركوع والسجود فقط؛ ولكنهم سبقونا بنقاء القلوب وسلامة الصدور.
•وهذا أبو دُجَانَةَ رضي الله عنه، وقد حباه الله تعالى بنعمة سلامة الصدر: دُخِلَ عَلَيهِ وَهُوَ مَرِيْضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلَ. فَقِيْلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ: (مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنِ اثْنَتَيْنِ: كُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لاَ يَعْنِيْنِي، وَالأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْمًا.)
•وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول عنه تلميذه ابن القيم رحمه الله: (أنه ما رأى أحدًا أجمع لخصال الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وأن أحد تلاميذه بشَّره بموت أكبر أعدائه الذين آذوه، فنهره، وغضب عليه، وقال: تبشرني بموت مسلم، واسترجع وقام من فوره، فعزَّى أهل الميت، وقال لهم: "إني لكم مكانه"!!!
•وقال سفيان بن دينار رحمه الله: "قلتُ لأبي بشر: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا، قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم."
نسأل الله العظيم أن يُطَهِّرَ قلوبنا من كل غل وحقد وحسد وغش، وأن يجعلَ قلوبنا تقية نقية، لا غل فيها ولا حسد.