مقاصدُ الحجِِ الجليلةُ
راشد بن عبد الرحمن البداح
مقاصد الحج الجليلة ( راشد البداح – الزلفي ) 23 ذو القعدة 1445 هـ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}أَمَّا بَعْدُ:
حافلاتٌ تُجهزُ، وطائراتٌ تحجزُ، وقطاراتٌ تُنشأٌ، وقطاعاتٌ أمنيةٌتترقب، وإجراءاتٌ نظاميةٌ تُضبطُ، ومئاتُ الملياراتِ تُرصدُ، والدولةُ -وفقَها اللهُ- تَحشدُ إمكانيتِها.. كلُ هذا لأجلِ الركنِ الخامسِ: حجِ بيتِ اللهِالحرامِ، ففي هذهِ الأيامِ المباركةِ تهوِي الأفئدةُ المسلمةُ إلى بقعةٍ شريفةٍاختارَها ربُنا لتكونَ عرصاتُها محلاً للمناسكِ، تحقيقاً لدعوةِ أبِينا إبراهيمَ حينَما قالَ: ﵟفَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡﵞ[إبراهيم37].
أيُها المؤمنونَ: لو سألَ سائلٌ: (عن الحكمةِ في كونِ الحجِ يخالفُسائرَ العباداتِ؟ فإن العباداتِ فِعلٌ واحدٌ في زمانٍ واحدٍ، أو مكانٍواحدٍ، لكنَّ الحجَ أفعالٌ متعددةٌ في أمكنةٍ متعددةٍ على كيفياتٍ وهيئاتٍمتنوعةٍ).
فالجوابُ اسمعوهُ من عالمٍ جليلٍ، والعلماءُ يفطِنونَ للمقاصدِ، والعوامُينشغلونَ بالظواهرِ، فقد قالَ الشيخُ الفقيهُ المفسرُ عبدُ الرحمنِ السَعديُ– رحمهُ اللهُ تعالى–: (في ذلكَ حِكَمٌ عظيمةٌ، فلو لم يكن فيها من الحِكَمِإلا أن حقيقةَ الحجِ هوَ استزارةُ الربِ لأحبابهِ ووفودِ بيتهِ، وأنه أوفدَهم إلى كرامتهِ ودعاهُم إلى فضلهِ وإحسانهِ.
وقد نوَّع لهم الأنساكَ والمشاعرَ لينوِّعَ لهم الإحسانَ، ونقلَهم من مائدةٍإلى مائدةٍ من موائدِ كرمهِ.. فتارةً يطوفُ على بيتِ ربهِ.. وتارةً يسعَى بين الصفا والمروةِ، اللذَينِ كم سعىَ بينَهما من وليٍ للهِ وصفيٍ.. وتارةً يقفُبالمشعَرِ الحلالِ، وهو عرفةُ، وتارةً بالمشعرِ الحرامِ، وهو مزدلفةُ، يقفُ فيهنموقفَ السائلِ المسكينِ الذليلِ.. وتارةً يرمي الجمراتِ إشارةً إلى رميِالخطايا ومراغمةِ العدوِ المبينِ. وتارةً يذبحُ قربانَه تقربًا إلى اللهِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فكما أنه لا يستغنِي عن الصلاةِ؛ فليسَ له غنىً عن شقيقِها وقرينِها النحرِ.. ثم شَرعَ له التحللَ من محظوراتِ الإحرامِبالحلقِ بعدَ الرميِ؛ فكانَ ذلك جاريًا مجرَى السلامِ من الصلاةِ.. كما يتفاءلُ بفضلِ اللهِ بانحلالِه عن الذنوبِ، وأنه قد أدركَ من ربهِ غايةَالمطلوبِ.
ومن الحِكَمِ في ذلك: أن هذهِ عباداتٍ في محلٍ واحدٍ ينتابُه المسلمونَمن أقطارِ الأرضِ بعدَ المشقاتِ وبذلِ نفائسِ النفقاتِ..فكان من المناسبِغايةَ المناسبةِ أن يرجِعُوا وقد ظفِروا بعِدةِ عباداتٍ، فيالَهَا من عبادةٍجَمعت من العملِ فنونًا، ومن الخيرِ أنواعًا!
ومن الحكمِ في ذلك: أن تعددَ المشاعرِ والمناسكِ وتنقلاتِ الحجاجِ فيها موضعًا بعدَ موضعٍ فيه راحةٌ وإجمامٌ.. ولو كانت أفعالُ الحجِ عملاً واحدًا في موضعٍ واحدٍ؛ فهل سيوجدُ فيها استقبالُ كلِ مشعرٍ برغبةٍ تامةٍوعزيمةٍ صادقةٍ؟
ومن الحِكمِ العظيمةِ في ذلك: أن اجتماعَ المسلمينَ في هذه المشاعرِتوجبُ تعارفَهم وتعاطفَهم.. فكم كسَبَ الإنسانُ بسببِ هذا النسكِ من ملاقاةِ أجلاءَ فضلاءَ، ومعرفةِ إخوةٍ صارُوا أحبَّاءَ!!
ومن أسرارِ الحجِ أن مبناهُ على الحبِ والإخلاصِ والتوحيدِ، والثناءِوالذكرِ للحميدِ المجيدِ؛ فإنما شُرعت المناسكُ لإقامةِ ذكرِ اللهِ. ولذلك قالَربُنا: {لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم ويَذكُرُوا اسم الله} فَذَكَر للحجِمقصودَينِ عظيمَينِ: ذِكْرَ اسمهِ، وشهودَ المنافعِ التي لا تتمُ إلا بتعددِالمواضعِ والعباداتِ.
الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا فهدَانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدَى دعانَا، أما بعدُ: فلا يزالُ الحديثُ موصولاً للشيخِ ابنِ سَعدي عن مقاصدِالحجِ الجليلةِ، حيثُ يقولُ رحمهُ اللهُ:
ومن الحِكمِ والمقاصدِ أنه قد جرتْ عاداتُ الأممِ بقيامِ التذكارِ لعظمائهِم؛ إحياءً لذكراهُم، وإشادةً بمآثرِهِم، وتنشيطًا للاقتداءِ بأعمالهِم، وأعظمُالخلقِ على الإطلاقِ أنبياءُ اللهِ ورسلُه؛ فهمُ الرجالُ العظماءُ في الحقيقة، وأعظمُهم مطلقًا الخليلانِ إبراهيمُ ومحمدُ صلى اللهُ عليهِما وسلمَ. والحجُمن أولهِ إلى آخرهِ تذكرةٌ لأحوالِ هذَينِ الرسولَينِ خاصةً. وقد أشارَالباري إلى ذلكَ في قولهِ: {واتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبراهيم مُصَلَّى}وليس المرادُ المقامَ الذي تحتَ الكعبةِ فقط، بل المرادُ جميعُ مقاماتهِ في الحجِ، وكما رمَلَ هو -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وأصحابُه في طوافِ القدومِ؛ فكان سُنةً إلى يومِ القيامةِ.
فالمسلمونَ إذا وصلوا كلَ مشعَرٍ من هذهِ المشاعرِ جعلُوا نصبَ أعينِهمأنه لا تتمُ أمورُهم كلُها إلا بتمامِ الأسوةِ والقدوةِ بنبيِهم وأحوالِه؛ لينالُوا زيادةَ الإيمانِ بنبيِّهم، وقوةَ المحبةِ والشوقِ إليه. فصلى اللهُ وسلمَعليه وعلى إخوانهِ من الأنبياءِ والمرسلينَ، وعلى أتباعِهم إلى يومِ الدينِ().
• فاللهم احفظِ الحجاجَ في برِهم وبحرِهم وجوِهم واقبَلْ منا ومنهم.
• اللهم اجزِ مليكَنا ونائبَه على الخدماتِ الضخمةِ لتسهيلِ حجِ بيتِ اللهِالحرامِ. اللهم أيدهُ تأييدًا يَصلحُ له وللمسلمينَ أمرُ الدنيا والآخرةِ.
• اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا، ومنظمِي الحجِ من كافةِ القطاعاتِ، واكفِنا وإياهُم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ، والحاسدِينَ والمتربِصينَ.
• اللهم أنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في فلسطينَ، واحفظهُم يا ذا الجلالِوالإكرامِ.
• اللهم عذبِ اليهودَ، وأنزِلْ عليهم رجزَك وعذابَك.
• اللهمَ بارِكْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وأصلِح وِلدانَنا، وارحم والدِينا.
• اللهم أعنا على استثمارِ موسمِ عشرِ ذي الحِجةِ، وأقبِل بقلوبِنا على طاعتِك.
• اللَّهُمَّ صَلِّ وسلمْ عَلَى مُحَمَّدٍ.
المرفقات
1717069212_مقاصد الحج الجليلة.docx
1717069213_مقاصد الحج الجليلة.pdf