مقارنات ربانية.
حسام الحجي
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدهِ اللهُ فلا مضل لهُ، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ (يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تُقاتهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتمْ مسلمونَ).
أيها المسلمونَ: اعلموا أنهُ في عدلِ اللهِ وجزائهِ وثوابهِ في الدنيا والآخرةِ:
لا يستوي المُؤمنونَ والكافرونَ .. ولا يَستوي الطائعونَ والعاصُونَ الفاسِقونَ .. ولا يَستوي المستقيمونَ والمنحرفونَ المراوغونَ .. ولا يستوي المسارعونَ إلى المأموراتِ والمتثاقلونَ المتباطئونَ في أداءِ الواجباتِ.. لا يستوي المجتهدونَ والمقصرونَ.. ولا يستوي الذاكرونَ والغافلونَ.. ولا يستوي المهتدونَ والضالونَ الغاوونَ.
واستمعوا عبادَ اللهِ متدبرينَ إلى هذهِ المقارناتِ الربانيةِ الواعظةِ وحَرِّكُوا بها القلوبَ لعلها تُثمرُ توبةً وإنابةً ومداومةً ومسارعةً إلى الطاعةِ، يقولُ علامُ الغيوبِ ﴿أَم حَسِبَ الَّذينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحياهُم وَمَماتُهُم ساءَ ما يَحكُمونَ﴾
أيظنونَ أنْ يساويَ اللهُ بينهمْ في الدنيا وفي الآخرةِ، ساءَ ما ظنوا بالربِ وبعدلهِ أنْ يساويَ بينَ الأبرارِ والفُجَّارِ .
ولعظيمِ أثرِ هذهِ الآيةِ جاءَ عنْ تميمٍ الداري رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قامَ ليلةً كاملةً يُرَدِّدُ هذهِ الآيةَ حتى أصبحَ ﴿أَم حَسِبَ الَّذينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾.
ويقولُ العزيزُ الغفارُ ﴿أَم نَجعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالمُفسِدينَ فِي الأَرضِ أَم نَجعَلُ المُتَّقينَ كَالفُجّارِ﴾K ويقولُ العليمُ القديرُ ﴿وَما يَستَوِي الأَعمى وَالبَصيرُ وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾.
ويقولُ الحقُ المبينُ ﴿أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَ﴾ ﴿ما لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ﴾
ويقولُ جلَّ جلالُهُ ﴿أَفَمَن كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعوا أَهواءَهُم﴾
ويقولُ تعالى عما يشركونَ ﴿أَفَمَن كانَ مُؤمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَستَوونَ﴾ ﴿أَمَّا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُم جَنّاتُ المَأوى نُزُلًا بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذينَ فَسَقوا فَمَأواهُمُ النّارُ﴾.
ويقولُ اللهُ ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضوانَ اللهِ كَمَن باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأواهُ جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصيرُ﴾.
ويقولُ تعالى: ﴿لا يَستَوي أَصحابُ النّارِ وَأَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابُ الجَنَّةِ هُمُ الفائِزونَ﴾
ويقولُ جلَّ وعلا ﴿أَفَمَن يُلقى فِي النّارِ خَيرٌ أَم مَن يَأتي آمِنًا يَومَ القِيامَةِ اعمَلوا ما شِئتُم إِنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ﴾
يا عبدَ اللهِ حَرِّكْ قلبَكَ وهِمتَكَ وعَزمَكَ نحوَ الطاعةِ بهذهِ المقارناتِ ولا ترضَ أنْ يسبقكَ إلى مولاكَ أحد ﴿وَالسّابِقونَ السّابِقونَ﴾ ﴿أُولئِكَ المُقَرَّبونَ﴾ ﴿في جَنّاتِ النَّعيمِ﴾.
قُلتُ ما سمعتمْ وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ .
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أما بعدُ:
جاءَ عنْ نبيكمْ ﷺ أنهُ قالَ ( كما لا يُجتَنَى منَ الشوكِ العنبُ كذلكَ لا يَنزِلُ الأبرارُ منازلَ الفُجارُِ فاسلكوا أيَّ طريقٍ شئتمْ، فأيُّ طريقٍ سَلَكتُمْ ورَدتُمْ على أهلهِ) صححهُ الألباني .
ويقولُ ربُّكمْ جلَّ وعلا في الحديثِ القدسيِ ( يا عبادي إنما هيَ أعمالُكُمْ أحصيها لكمْ، ثمَ أوَفِّيْكمْ إياها، فمنْ وجدَ خيرا، فليحمدِ اللهَ ومنْ وجدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلومَنَّ إلا نفسَهُ) .
قانونٌ ربانيٌّ يجبُ أنْ تَعُوهُ وتستشعروهُ، ولا يغيبَ عنْ قلوبِكمْ طيلةَ حياتِكمْ ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَساءَ فَعَلَيها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ﴾.
﴿مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى﴾
﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ مَن يَعمَلْ سوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصيرًا﴾ ﴿وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمونَ نَقيرًا﴾.
اللهمَ أعِنا على ذِكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ.
اللهمَ أبرمَ لهذهِ الأمةِ أمرَ رُشْدٍ يعزّ فيهِ أهلُ طاعتِكَ ويهدى فيهِ أهلُ معصيتِكَ ويؤمرُ فيهِ بالمعروفِ وينهى فيهِ عنِ المنكرِ يا ذ الجلالِ والإكرامِ، اللهمَ اكفِنا واكفِ بلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجارِ يا عزيزُ يا جبارُ، اللهمَ منْ أرادنا وأرادَ دينَنا وأخلاقَنا بسوءِ فعليكَ بهِ اللهمَ أشغِلْهُ بنفسهِ واجعلْ كيدَهُ في نحرِهِ وتدبيرَهُ في تدميرِهِ يا قويُّ يا عزيزُ .
اللهمَ انصرْ جنودَنا على حدودِنا ، اللهمَّ احفظهمْ في بَرِّهِمْ وجَوِّهِمْ وبَحرِهمْ .
اللهمَّ أصلِحْ ولاةَ أُمُورِنا وولاةَ أُمُورِ المسلمينَ ياربَّ العالمينَ .
عبادَ اللهِ: اذكروا اللهَ يذكركمْ واشكروهُ على نعمهِ يزدكمْ ﴿وَلَذِكرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾.