مفهوم خاطئ في الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... الزواج في الإسلام رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وبه تسكن النفس وتقَرّ العينُ ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا[ والشارع الحكيم قد حرص على المحافظة على الأسرة وتماسكها، ورغَّب في الإبقاء على عقد النكاح، وأمَر الزوج بالمعاشَرة بالمعروف ولو مع كراهته لزوجته ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ ووصف الله تعالى عقد النكاح بالميثاق الغليظ ]وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا[ ومقتضى ذلك الاستدامة والسكن والاستقرار، وعلى هذا فيجب على الزوجين أن يقاوما كلَّ ما يتهدد دمار الأسرة، فيتجاوزوا ما يقع من الخلافات الزوجية التي قد تُفسد تلك الرابطةَ المحكمةَ، والعلاقةَ المتينةَ. فالأصل في الطلاق الحظر، فإن حل عقد النكاح وطلب الانفصال مِنْ قِبَل الزوجة أمر محظور، لا يُلجأ إليه إلا عند تعذُّر استمرار الحياة الزوجية، وبعد استنفاد جميع وسائل الإصلاح الشرعي، قال رسول الله ﷺ (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقتُ بينَه وبينَ امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنتَ) وصدق الله في ذم السحر أنه قال ]فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ[. ومما يؤكد هذا المعنى ورودُ النصوص النبوية التي تحذِّر من المخالَفات الشرعية، المؤدية إلى الطلاق، قال النبي ﷺ (ليس منا مَنْ خَبَّبَ امرأةً على زوجها) وقال عليه الصلاة والسلام (أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) وقال أيضًا ﷺ (لا يحل لامرأة تسأل طلاقَ أختها لتستفرغَ صفحتَها؛ فإنما لها ما قُدِّرَ لها). إذا تبيَّن ذلك -أيها الإخوة- فلنعلم أن الطلاق في مجتمعات المسلمين اليوم قد تجاوز الناسُ مفهومَه الشرعي وهدفه المرعي؛ إذ أصبح الطلاق الذي جعله الإسلام حلاًّ للمشكلات المستعصية بين الزوجين، وعلاجًا يُلجأ إليه آخِرَ المطاف أصبح مشكلة بذاته، صار ألعوبة في أيدي العابثين، ومساغًا سهلاً في أفواه المتهورين، الذين لا يعرفون للحياة الزوجية معنى، ولا يُقيمون لها وزنًا، يتزوجون اليوم ويطلقون غدًا، استخفافًا بهذه الرابطة الربانية. إن ممَّا يُؤسَف له أن معدلات الطلاق قد ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا في السنوات القريبة الماضية، وصار ظاهرة متفشية؛ انتشرت حالاته بصورة جلية، وتزايدت نِسَب الفراق بين الزوجين مخيفة ومنذرة بخطر كبير على المجتمعات المسلمة. ولو نظرنا في الأخطاء والمشكلات الأسرية التي كدرت صفو الحياة الزوجية، وكانت سببًا في وقوع الطلاق، نجدها كثيرة ومتنوعة؛ فمن ذلك: سوء اختيار الزوجين أحدهما للآخَر؛ إذ قد يُقدِم أحدهما على الزواج وهو لا يعرف عن الآخر شيئًا، لا في دينه ولا في خُلُقِه، ويكتشف بعد المعاشَرة بينهما، ضعيف في الدين والخلق، بل في المقابل الوقوع في الذنوب وارتكاب المعاصي واستمراؤها؛ مما يؤدي إلى حصول الشرور والنزاع بين الزوجين، ومِنْ ثَمَّ الفراق، وما أخبار مدمِني المخدِّرات وشاربي المسكِرات في تعامُلِهم مع أزواجهم بخافية؛ من الاعتداء على أزواجهم بالضرب المبرِّح، والسب واللعن والطرد من المنزل والتلفُّظ بالطلاق. ومن المشكلات الأسرية أيضا عدم تحمُّل المسئولية مِنْ قِبَل الزوجين؛ كترك الزوج إدارة شئون البيت وتوفير احتياجاته، وانشغاله بالجلسات والسهرات مع رفقائه، وكثرة الأسفار لغير حاجة، وتضييع حقوق رعيته، وكذلك إهمال بعض الزوجات بيتها، وانشغالها بوسائل التواصل عبر الجوَّال أكثرَ وقتها، دون مراعاة لحقوق زوجها أو عيالها، وهنا نشير إلى مبالغة بعض الناس في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وشدة إدمانهم عليها، وترددهم على المواقع السيئة من الشبكة؛ ممَّا أدَّى إلى مفاسد عظيمة، ذات أثر كبير على العقيدة والسلوك والأخلاق، وقد ابتلي بعض الأزواج والزوجات بالخيانة الزوجية عبر وسائل التواصل، وعندنا يُكشف الأمر تعظم البلية. وهناك جملة من المشكلات الزوجية التي قد تؤدي إلى الطلاق، المقصِد منها أن نستفيد من أخطاء الآخرين، فلا نقع فيما وقعوا فيه، بل تكون لنا عبرة وعظة، فالعاقل مَنْ يتَّعِظ بغيره، ويتعلَّم مِنْ تجارب الناس دروسًا في الحياة المستقبلية. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.     الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. معاشر المؤمنين ... إن ما يحدث بين الزوجين من خلافات في أمور البيت والمعيشة، أمر طبيعي وسُنَّة من سنن الحياة الزوجية، وهو متوافِق مع طبيعة الحياة الدنيا التي لا تصفو ولا تخلو من كدَر، وبيت النبوة الطاهر -على صاحبه أفضل الصلاة والسلام- ربما كان يحدث فيه المرةَ بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير، وكان بين نسائه ﷺ من الغيرة ما يحدث مثله أو شبيهه بين النساء، فيجب على الزوجين ألَّا يعتقدا أن الحياة الزوجية وسعادتها تعني أن تكون خالية من المشاكل، بل تعني القدرة على حل تلك المشاكل وحصرها، وألا يجعلاها تؤثِّر سلبًا على علاقتهما مع بعضهما. خلال السنوات الماضية، قل نسِب الزواج وكثُر العزوف عن الزواج، بسبب أفرَزَها الواقعُ الاجتماعيُّ اليومَ؛ مما لبَّس به الشيطانُ على بعض الفتيات من امتناعها عن النكاح ورفضها له خوفًا من أن تتحمل المسئولية أو أن يسيطر هذا الزوجُ على حريتها، ويمنعها من الاستقلالية، وأيضًا الخوف من أن يكون مصيرهن كمصير من طُلِّقت بعد فشل حياتها الزوجية ووُصِفت بأنها عانس، وهذا خطأ؛ فكم من فتاة تزوجت واستقرت أمورها وسعدت مع زوجها وعاشت حياةً هنيئةً، ولم يكن بينهما -بفضل الله- فراق، بل مودة ورحمة. أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليهم ردًا جميلاً ... اللهم احفظ بلاد الحرمين خاصة، وبلاد المسلمين عامة من كيد الكائدين، اللهم من أرادها بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا سميع الدعاء. ]رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[ وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المرفقات

1665732152_مفهوم خاطئ في الطلاق.docx

1665732164_مفهوم خاطئ في الطلاق.pdf

المشاهدات 413 | التعليقات 0