مفسدو البيئة !(تعميم) 1445/6/23ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ هَذَا البَلَدِ وَغَيْرِهِ مِنَ البِلَادِ بِالعَدِيدِ مِنَ النِّعَمِ، وَالكَثِيرِ مِنَ الْمِنَنِ، فَتَطَوَّرَتِ الخِدْمَاتُ وَنَمَتِ المُنْجَزَاتُ، وَيَكْفِي دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ: هَذِهِ الخِدْمَاتُ الطِّبِّيَّةُ المُتَمَثِّلَةُ بِدُورِ العِلَاجِ كَالْمُسْتَوْصَفَاتِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَهَذِهِ أَمَاكِنُ تَلَقِّي الْعِلْمِ بِالْمَجَّانِ كَالْمَدَارِسِ وَالْمَعَاهِدِ وَالْجَامِعَاتِ، وَهَذِهِ الطُّرُقَاتُ الَّتِي يَسْلُكُهَا النَّاسُ سَهْلَةً مَيْسُورَةً بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا إِعْنَاتٍ، وَهَذِهِ الْحَدَائِقُ وَالْمُتَنَزَّهَاتُ وَشَبَكَاتُ الْكَهْرَبَاءِ وَالْمِيَاهِ وَالاِتِّصَالَاتِ، فَكُلُّ هَذِهِ النِّعَمِ الْوَفِيرَةِ وَالْمِنَنِ الْكَثِيرَةِ تَحْتَاجُ مِنَّا إِلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَسْخِيرِهَا وَتَذْلِيلِهَا لَنَا، قَالَ تَعَالَى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ".
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَمَرَتِ الشَّرِيعَةُ بِحِفْظِ الْحُقُوقِ وَحَرَّمَتِ الإِضْرَارَ بِالآخَرِينَ، وَحَذَّرَتْ مِنْهُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَإِنَّ مِنْ صُوَرِ الإِضْرَارِ بِالآخَرِينَ: الاِعْتِدَاءَ علَى المُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَالْحَيْلُولَةَ دُونَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا، قَالَ تَعَالَى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" وَأَخَرَجَ الْإمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ»: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ«.
وَمِنْ ذَلِكَ: تَكْسِيرُ مَصَابِيحِ الإِنَارَةِ فِي الشَّوَارِعِ العَامَّةِ، وَتَهْشِيمُ قَوَارِيرِ المَشْرُوبَاتِ الغَازِيَّةِ وَنَحْوِهَا فِي الطُّرُقِ وَالسَّاحَاتِ، وَرَمْيُ القُمَامَةِ وَالمُخَلَّفَاتِ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ أَصْحَابِ السَّيَّارَاتِ فِي الشَّوَارِعِ، وَكَانَ حَرِيّاً بِهِمْ أَنْ يُخَصِّصُوا لَهَا مَكَاناً دَاخِلَ السَّيَّارَاتِ، وَمِنْها : تَرْكُ المُخَلَّفَاتِ فِي الْبَرِّ بَعْدَ فَتْرَةِ الرَّبِيعِ مِمَّا يُشَوِّهُ مَنْظَرَ الْبَرِّ، وَقَدْ يَجْلِبُ أَضْرَاراً صِحِّيَّةً وَبِيئِيَّةً عَلَى النَّاسِ. وَمِنْهَا: التَّعَدِّي عَلَى الأَمْلَاكِ العَامَّةِ أَمَامَ البُيُوتِ أَوْ بِجَوَانِبِهَا بِبِنَاءٍ إِضَافِيٍّ غَيْرِ مُرَخَّصٍ لَهُ, أَوْ بِمَزْرَعَةٍ وَأَشْجَارٍ وَسِيَاجَاتٍ ؛ وَبِهَذَا يَحْصُلُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ المَارَّةِ رَاجِلِينَ أَوْ رَاكِبِينَ ، حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ اسْتُخْدِمَتِ الأَرْصِفَةُ الجَانِبِيَّةُ لِلشَّوَارِعِ بِمِثْلِ هَذَا؛ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْمَارَّةِ طَرِيقٌ يَسِيرُونَ فِيهِ فَأَصْبَحُوا يَسِيرُونَ فِي الشَّوارِعِ المُخَصَّصَةِ لِلسَّيَّارَاتِ، لَا لِلْمُشَاةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صُوَرِ التَّعَدِّي عَلَى المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ: كِتَابَةُ عِبَارَاتٍ عَلَى جُدْرَانِ المَدَارِسِ وَالمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمُسْتَوْصَفَاتِ وَالأَبْنِيَةِ العَامَّةِ؛ تُشَوِّهُ مَنَاظِرَهَا وَتَذْهَبُ بِجَمَالِهَا وَنَظَافَتِهَا ، وَكَثِيراً مَا تَكُونُ عِبَارَاتٍ غَيْرَ مُنَاسِبَةٍ ، وَمِنْهَا: التَّقْحِيصُ وَالتَّفْحِيطُ فِي الطُّرُقَاتِ وَالسَّاحَاتِ العَامَّةِ، وَلَا يَخْفَى ضَرَرُهُ عَلَى المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، وَإِزْعَاجُهُ لِلنَّاسِ، وَخَطَرُهُ عَلَى الأَرْوَاحِ وَالآدَابِ العَامَّةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَحْصَلُ فِي المُتَنَزَّهَاتِ العَامَّةِ مِنْ رَمْيِ النُّفَايَاتِ فِيهَا وَتَكْسِيرٍ وَتَخْرِيبٍ لِتَوَابِعِهَا ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ حُرِمَ الاِسْتِفَادَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ بِسَبَبِ مَا أَصَابَهَا مِنْ تَخْرِيبٍ !! وَكَمْ مِنْ أُسْرَةٍ مُنِعَتْ مِنَ التَّنَـزُّهِ بِسَبَبِ مَا حَلَّ بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ مِنَ التَّشْوِيهِ!! وَكَمْ مِنْ مَكَانٍ تَحَوَّلَ مِنَ النَّظَافَةِ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلنُّفَايَاتِ!! وقَدْ تَنَاثَرَتِ الْأَطْعِمَةُ فِي جَنَبَاتِهِ وَأُلْقِيَتِ الْقُمَامَةُ فِي سَاحَاتِهِ.
عِبَادَ اللهِ: حِفْظَ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّصِفَ بِهَا، قَالَ عليه الصلاة والسلام : «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ« رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَمِنْ فَضَائِلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَإِزَالَةِ الْأَذَى عَنِ الطُّرُقَاتِ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصَّلاة والسَّلام:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ« .
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَسْؤُولِيَّةَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ يَجِبُ أَنْ تَبْدَأَ بِنَشْرِ هَذِهِ الثَّقَافَةِ مِنَ الْبَيْتِ مُرُورًا بِالشَّارِعِ وَالطَّرِيقِ ، فَالنَّبِيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام يُعَلِّمُنَا أَهَمِّيَّةَ النَّظَافَةِ فِي الْبَيْتِ مِنْ خِلَالِ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، فَقَالَ: «نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ٍ" وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ، وَتَبْدَأُ الْعِنَايَةُ بِالْمُمْتَلَكَاتِ: مِنْ خِلَالِ تَعْلِيمِ الْأَبْنَاءِ تَنْظِيفَ غُرَفِهِمْ، وَتَرْتِيبَ مَلَابِسِهِمْ، وَحَمْلَ نُفَايَاتِهِمْ ، وَعَلَيْنَا ايضاً أَنْ نَكُونَ قُدْوَةً فِي تَصَرُّفَاتِنَا مِنْ خِلَالِ حَمْلِ النُّفَايَاتِ بَعْدَ التَّنَـزُّهِ، وَتَنْظِيفِ الْمَكَانِ الَّذِي نَجْلِسُ فِيهِ اَلِابْتِعَادِ عَنْ اَلْبَقَاءِ فِي مَجَارِي اَلْأَوْدِيَةِ فِي حَالَةِ قُرْبَ هُطُولِ اَلْأَمْطَارِ أَوْ اَلتَّعَرُّضِ لِسُيُولٍ مَنْقُولَةٍ وعَلَينا اَلْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِعِ اَلتَّنَزُّهِ وَعَدَمِ إِشْعَالِ اَلنَّارِ فِي غَيْرِ اَلْأَمَاكِنِ اَلْمُخَصَّصَةِ لَهَا أَوْ تَرْكِ اَلنَّارِ وَعَدَمِ إِطْفَائِهَا أَوْ اَلِاحْتِطَابِ وَالصَّيْدِ اَلْجَائِرِ غَيْرَ اَلنِّظَامِيِّ، قال تعالى "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ" ..