مع موسى الكليم عليه السلام + مشكولة pdf + doc

عبدالله اليابس
1445/01/08 - 2023/07/26 16:48PM

مع موسى الكليم                            الجمعة 10/1/1445هـ

الحَمْدُ للهِ الذِي تَفَرَّدَ بِعِزِّ كِبْرِيَائِهِ، وَتَوَحَّدَ بِدَوَامِ بَقَائِهِ، وَنَوَّرَ قُلُوبَ أَوْلِيَائِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَى الكَافَّةِ جَزِيلَ عَطَائِهِ، الحَيِّ العَلِيمِ الذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي أَرْضِهِ وَلَا سَمَائِهِ.

لَنَا الفَخْرُ كُلُّ الفَخْرِ بِاللهِ وَحْدَهُ *** وَمَنْ لَـمْ تَـزَلْ أَنْعَـامُـهُ تَتَـوَالَـى

لَنَا الحَـظُّ كُـلُّ الحَــظِّ أَنَّ إلَـهَـنَـا *** هُـوَ اللهُ رَبُّ العَالَـمِـينَ تَعَـالَى

وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفَيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ.

نَبِيٌّ أَتَانَا بَعْدَ يَأْسٍ وَفَتْرَةٍ *** مِنَ الرُّسْلِ وَالأَوْثَانُ فِي الأَرْضِ تُعْبَدُ فَأَمْسَى سِرَاجَاً مُسْتَنِيرَاً وَهَادِيَاً *** يَلُـوحُ كَمَا لَاحَ الصَّقِيلُ الـمُهَنَّدُ وَأَنْذَرَنَا نَارَاً وَبَشَّرَ جَنَّةً *** وَعَلَّمَنَا الإِسْلَامَ فَاللهَ نَحْمَدُ

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ اِتَّبَعَ هُدَاهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. مَنْ يَتَدَبَّرُ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى يَلْفِتُ نَظَرَهُ كَثْرَةُ تِكْرَارِ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَدْ وَرَدَتُ هَذِهِ القِصَّةُ فِي القُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِيْنَ مَرَّةً، حَتَّى قَالَ السُيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "كَادَ القُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لِمُوسَى".

تَكَرَّرَتْ قِصَّةُ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فِي القُرْآنِ كَثِيرًا لِيَسْتَلْهِمَ مِنْهَا الـمُؤْمِنُونَ العِبَرَ وَالعِظَاتِ، وَيَتَدَّبَرُوا فِي أَحْدَاثِهَا وَمَوَاقِفِهَا، فَهِيَ قِصَّةٌ جَمَعَتْ بَيْنَ أَحْوَالِ الظَّالِمِينَ وَالجَبَابِرَةِ، وَأَحْوَالِ الطُّغَاةِ وَالأَكَاسِرَةِ، وَبَيْنَ أَحْوَالِ الـمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَفِتْنَةِ الـمُبْتَلَينَ الـمَظْلُومِينَ.

فِي سَنَةٍ عَزَمَ الحَاكِمُ فِرْعَونُ عَلَى قَتْلِ كُلِّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ، إثْرَ رُؤْيَا رَآهَا أَنَّ غُلَامًا يُوْلَدُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ يَكُونُ خَرَابُ مُلْكِهِ عَلَى يَدَيْهِ، فَيُولَدُ الغُلَامُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تِلْكَ السَنَّةِ، وَيَشَاءُ اللهُ أَنْ يُرَبَّى فِي بَيْتِ فِرْعَونَ، وَيَرْعَاهُ بِنَفْسِهِ وَزَوْجِهِ وَحَاشِيَتِهِ.

أَنْجَى اللهُ تَعَالَى مُوْسَى عَلَيْهِ السَلَامُ مِنَ القَتْلِ وَهُوَ غُلَامٌ رَضِيْعٌ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الكَلَامِ وَلَا نَفْعِ نَفْسِهِ، بَلْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الأَكْلِ وَالشُرْبِ إِلَا بِمُسَاعِدٍ، لِيَتَعَلَّمَ النَّاسُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَأَنَّ كَافَّةَ القُوَى لَو اِحْتَشَدَتْ عَلَى مَنْعِ أَمْرِهِ فَلَنْ تَقْدِرَ، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.

مَا قَضَى اللهُ كَانَ.. لَا رَادَّ لِأّمْرِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ فَضْلِهِ: (وَاِعلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).

ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ تَعَالَى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَبْعَثُهُ إِلَى ذَلِكَ الطَّاغِيَةِ، طَاغِيَةٌ تَجَبَّرَ فِي الأَرْضِ، وَبَغَى، وَاِدَّعَى الرُبُوبِيَةَ، وَصَاحَ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، وَأَجْبَرَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِ، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}.

أَخَذَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَعْوَةِ قَوْمِهِ، وَجَادَلَهُمْ بِالحُجَّةِ وَالبَيَانِ، وَأَجْرَى اللهَ عَلَى يَدِهِ الـمُعْجِزَاتِ البَاهِرَة، وَاِطَّلَعَ عَلَيْهَا فِرْعَونُ وَقَوْمُهُ، فِاتَّهَمُوُهُ بِالسِّحْرِ، {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، ثُمَّ اِبْتَلَاهُمُ اللهُ بِالبَلَايَا لِيُؤمِنُوا، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}، وَمَعَ كُلِّ ذَلِكَ اِسْتَخَفَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ، وكَانَ الأَشَدَّ تَأْثِيْرًا، وَكَانَ الـمُؤمِنُونَ أَقَلِّيَةً، {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}.

  ثُمَّ يُوحِي اللهُ تَعَالَى لِـمُوسَى أَنْ يُكْثِرَ هُوَ وَقَوْمُهُ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَالزَّمَنُ زَمَنُ فِتْنَةٍ، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قبْلَةً وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ}، قَالَ مُجَاهِدُ وَغَيْرُهُ: أَي اِجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ فِيْهَا.

وَهَكَذَا حَالُ الـمُؤْمِنِ فِي كُلِّ شِدَّةٍ.. يَفْزَعُ إلَى اللهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ، لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حَالَ الـمُؤْمِنيِنَ قِي القِتَالِ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الثَبَّاتِ، ثُمَّ أَوْصَاهُمْ مَعَ شِدَّةِ الحَالِ بِذِكْرِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ).

وَلَمَّا ضَاقَ الحَالُ بِمُوسَى وَقَوْمِهِ دَعَا عَلَيْهِ السَّلَامُ اللهَ فَقَال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ* قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}.

ثُمَّ يُوحِي اللهُ تَعَالى إِلَى مُوسَى أَنْ يَخْرُجَ لَيْلَةَ العَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمَ مَعَ الثُلَّةِ الـمُؤْمِنَةِ مَعَهُ، فَيعْلَمُ فِرْعَونُ بِخُرُوجِهِمْ، وَيَأْبَى إِلَّا أَنْ يُطَارِدَهُمْ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِمْ، فَيَجْمَعُ قَوْمَهُ وَيَشْرَعُونَ بِمُلَاحَقَةِ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى البَحْرِ.

 شَاَهَدَ قَوْمُ مُوسَى فِرْعَونَ مِنْ خَلْفِهِمْ، والبَحْرَ مِنْ أَمَامِهِمْ، فَصَاحُوا بمُوسَى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. وَيَتَرَاءَى الجَمْعَانِ، وَتُغْلَقُ الأَبْوَابُ أَمَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا بَابَ اللهِ الوَاحِدِ القَهَار، الذِي أَنْجَاهُ صَغِيْرًا مِنَ الـمَوْتِ، وَرَعَاهُ كَبِيْرًا، وَأَغْدَقَ عَلَيْهِ النِّعَمَ، وَكَلَّفَهُ بِالنُّبُوَة، فَيَقُوُل مُوْسَى لِقَوْمِهِ {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.

عِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي الفَرَجُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَأْتِي الوَحْيُ مِنَ اللهِ {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.

اِنْفَلَقَ البَحْرُ فَأَصْبَحَ أَمَامَ مُوسَى وَقَوْمَهُ طَرِيْقٌ يَبَسٌ، يَمْتَدُّ إِلَى الضِفَّةِ الأُخْرَى، والبَحْرُ عَنْ يَمِيْنِهِ وَشِمَالِهِ كَجَبَلَيْنِ عَظِيْمَيْنِ، وَيَمْضِي مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مُسْرِعِيْنَ فِي هَذَا الطَّرِيْقِ، لِيَعْبُرُوا إِلَى الجِهَةِ الـمُقَابِلَةِ مِنَ البَحْرِ، وَيَتْبَعُهُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، وَبَعْدَ أَنْ وَصَلَ آخِرُ شَخْصٍ مِنْ أَصَحابِ مُوسَى إِلَى الضِّفَّةِ الأَخْرَى أمَرَ اللهُ تَعَالَى البَحْرَ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ، فَيَنْطَبْقُ البَحْرُ عَلَى الطَّاغِيَةِ الذِي قَالَ يَوْمًا مُتَغَطْرِسًا: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}، فَأَجْرَى اللهُ تَعَالَى الـمَاءَ مِنْ فَوقِهِ.

 وَيُصَارِعُ فِرْعَونُ الأَمْوَاجَ، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}، وَلِأَنَّ فِرْعَونَ قَدْ بَلَغَ تَعْظِيْمُهُ مِنَ النَّاسِ مَبْلَغًا كَبِيرًا، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ لَنْ يُهْزَمَ وَلَنْ يَمُوتَ، قَالَ اللهُ: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}، فَأَرَى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ جُثَّةَ فِرْعَونَ بِأَعْيُنِهِمْ، لَيَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مُهْلِكٌ البَاطِلَ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ، وَأَنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِيْنَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ.

هَذِهِ القِصَّةُ العَظِيْمَةُ تَكَرَّرَتْ فِي كِتَابِ اللهِ مَرَّاتٍ عَدِيْدَةٍ، بِسِيَاقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، لَتَتَرَسَّخَ لَدَى الـمُؤْمِنِيْنَ الدُرُوسُ الجَلِيْلَةُ الـمُسْتَفَادَةُ مِنْهَا.

 وَقَدْ كَانَتِ اليَهُودُ تُعَظِّمُ يَوْمَ هَذِهِ الحَادِثَةِ جِدَّاً، رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الـمَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: (ما هذا؟)، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: (فَأَنَا أَحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ)، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

فَحَرِيٌّ بِالـمُؤْمِنِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي هَذِهِ القِصَّةِ، وَيَسْتَلْهِمَ مِنْهَا الدُّرُوسَ وَالعِبَرَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِرْكَ والـمُشْرِكِيْنَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاِجْعَلْ وَلَايَتَناَ فِي مَنْ خَافَكَ وَاِتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِميْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ، وَالـمُؤْمِنيْنَ والـمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدَعَواتِ.

عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

1690379331_مع موسى الكليم 10-1-1445.docx

1690379334_مع موسى الكليم 10-1-1445.pdf

المشاهدات 1999 | التعليقات 0