معنى عبودية الله

عايد القزلان التميمي
1445/11/25 - 2024/06/02 17:44PM
الحمد لله الذي وفّق لطاعته من شاء من عباده ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أمر بإصلاح العمل وإخلاص العبادة ،  وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، دعا إلى عبادة ربه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا صلّى الله وسلم عليه ، وعلى آله الأعيان ، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ،
وسلم تسليما كثيرا .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
أما بعد فيا أيها المؤمنون: قال تعالى:  (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) فحِكْمَتُه سبحانه مِن خَلْقِ الخَلْقِ أمرُهم بعبادتِه والقيام بما أَوجَبَ عَليهِم. وأرسل الرّسلَ مُبشّرين ومنذِرين ولِيبيّنوا لهم الغايةَ التي لأجلها خُلِقوا، وأن العبادة  اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وأن  عبودية الله تقتضي شغل جميع الجوارح في طاعة الله وامتثال أمْرِه فيُتَعبد الله بِترك ما يَحرُم استِماعه من الكلام المُحَرَّم , ويُتَعبَّد الله بحفظ البصر عن النَّظَر إلى ما حرَّم الله ويستعمله في النظر المشروع كالنظر في المصحف وكُتب العلم، ويَتعبدُ المسلمُ ربه بجارحة اللسان، وذلك بإشغاله دائماً بذِكْرِ الله ، ويحفظه عن قول الزور واللّمز والاغتياب، ويَتعبدُ المسلمُ ربه بجارحتي اليدين والرجلين فلا يبطش بيديه إلا لله، وفي الله، حسب مرضات الله، ويلتزم عبودية الله في رجليه بأن يمشي بهما في طاعة الله ومرضاته، فيسعى بهما إلى إقامة عبادةِ الله، كما قال تعالى (( قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ  ))
عباد الله : إنَّ كلَّ عملٍ نافعٍ مباح يَعدّه الإسلام عبادةً من أفضل العبادات ما دام قصدُ فاعلِه الخير، ولذلك لم يقتصِر مفهومُ العبادة في الإسلام على النُّسك والعبادات الراتبة ، بل شملت العبادة كلَّ جوانبِ الحياة، قال تعالى (( لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ وَٱلْكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِيّينَ وَءاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبّهِ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ))
أيها المؤمنون: إن حياتَنا كلَّها عبادة، فالعملُ عبادة، فإذا خرج الإنسانُ يعمل لينفقَ على أهلهِ ويكفيَهم المؤونةَ فذلك عبادةٌ
لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ المسلمَ إذا أنفَق على أهله نفقَة وهو يحتَسبها كانت له صدقة)) أخرجه مسلم.
وطلبُ العلم عبادة، بل هو فريضة لقوله : ((طلبُ العلم فريضة على كلّ مسلم)) أخرجه ابن ماجه.
وبرُّ الوالدين وحسنُ صحبتهما عبادةٌ لقوله عليه الصلاة والسلام للرّجل الذين أقبل لمبايعة الرسول على الهجرة والجهاد: ((فهل من والديك أحدٌ حيّ؟)) قال: نعم، بل كلاهما، قال: ((فتبتغي الأجرَ من الله؟)) قال: نعم، قال: ((فارجِع إلى والدَيك فأحسِن صحبتَهما)) أخرجه مسلم.
وصلةُ الأرحام عبادةٌ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الرحمُ معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعَني قطعَه الله)) أخرجه مسلم.
وإماطةُ الأذى عن الطريق عبادةٌ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كانَ على الطريق غصنُ شجرةٍ يؤذي الناسَ، فأماطَها رجل، فأدخِل الجنة)) أخرجه ابن ماجه.
وطلاقةُ الوجه عند اللقاءِ عبادةٌ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق)) أخرجه مسلم
فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا أعمالكم قال جل وعلا: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أيكم أكثر عملا، فليست العبرة بكثرة العمل إنما العبرة بحسن العمل، ولا يكون العمل حسننا إلا بشرطين : الإخلاص لله عز وجل. والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
بارك الله ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله الذي خلق الخلق للطاعة والعبادة, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المؤمنين الحسنى وزيادة, وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله حث على كل خير وحذر من الضلال والغواية، صلى الله عليه صلاةً دائمةً إلى يوم القيامة.
أما بعد فيا أيّها المؤمنون،
واعلموا أن العبادة في الإسلام طريق إلى مغفرة الذنوب ومحو السيئات، ورفع الدرجات؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رواه مسلم. والعبادة في الإسلام طريق الفوز والفلاح،
قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * ﴾
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾.
عبادَ اللهِ: اعملوا الصالحات، وأحسِنوا الظن بالله، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي المتَّفَق عليه: (( أنا عند ظن عبدي بي )) ،فأحسنوا العبادة، وثقوا بالله الجواد الكريم. ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
. هذا وصلّوا وسلِّموا على الهادِي البشير والسراج المنير  
المرفقات

1717339481_معنى عبودية الله.pdf

المشاهدات 190 | التعليقات 0