معنى الذلة والمسكنة التي ضُربت على اليهود الكاتب: أخوكم خالد صالح أبودياك

الفريق العلمي
1439/04/24 - 2018/01/11 15:34PM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ( (آل عمران: 112). أي أن الذلةَ فُرضت عليهم وهم كارهون لها، فهم يزعمون أنهم أولياءُ اللهِ من دون الناس، وأنهم أعلى شأناً من غيرهم فيتكبرون على غيرهم من البشر، قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الجمعة: 6)، ومن يتكبر ويترفع عن غيره فلا يذل له طواعيةً بل يقسو عليه ويَغلُظ به، بينما من يتواضع لغيرهِ فإنه يذلُ له طواعيةً ويرحمه ويرفق به، قال تعالى ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (المائدة: 54). ومن يزعم أنه وليٌ لله عزوجل فلا يُذلْ ولكنّ اللهَ فرضَ عليهم الذلةَ عقاباً لهم على كفرهم بالله وقتلهم الأنبياءَ بغير حقٍ، قال تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران:112)، وفي ذلك بيانٌ واضحٌ بأنهم ليسوا أولياءَ وأحباءَ اللهِ عزوجل. 

لقد فسر بعضُ المفسرين الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) على أنه استثناء منقطعاً وليس متصلاً حيث أن الاستثناء المتصل الذي يأتي فيه المستثنى من جنس المستثنى منه (كقول جاء الطلابُ إلا خالداً)، بينما الاستثناء المنقطع هو الاستثناء الذي لا صلة فيه للمستثنى بجنس المستثنى منه (كقول وصلَ المسافر إلا أمتعتَهُ). وذلك لإثبات لزومَ الذلةِ اليهودَ وعدم زوالها عنهم بينما الاستثناء المتصل يفيدُ أن الذلةَ على اليهودِ تُرفعُ بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس، و فسروا (بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ) بعهدٍ من اللهِ وَ(حَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) بعهدٍ من الناس وقالوا عهدَ اللهِ هو ذمةُ اللهِ وذمةُ رسولهِ لأهل الكتاب ومنهم اليهود فهم أذلاء خاضعون لِحُكم الإسلام فيهم بدفعهم الجزيةَ وهم صاغرون وبإمتثالهم لأحكام الإسلام فيما بينهم وبين المسلمين، وقالوا عهدَ الناسِ هو أنه ليس بلدٌ فيه أحدٌ من النصارى إلا وهم فوق اليهود في الشرق والغرب، وهم في البلدان كلها مستذَلُّون، قال تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)، وقال تعالى (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ۖ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف: 168). وهذا كلُهُ صحيحٌ ولكن لزوم الذلةُ اليهودَ يتعارض مع قوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء:4) فالآية تُشير إلى أن اليهود سوف يعلون في الأرضِ كُلِها وهذا مُتحققٌ في زمننا هذا فهم سادةٌ في الغرب ولهم نفوذٌ خفيٌ في الشرق بسبب تحكمهم برأس المال العالمي وبمراكز صُنع القرار الغربي، فضلاً عن العلو الذي سيعلونه باتباعهم المسيح الدجال عند خروجه وطوافه الأرض كُلَها باستثناء مكة المكرمة والمدينة المنورة. ما يعني أن الاستثناء في قوله تعالى (إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) 
هو استثناءٌ متصلٌ مع فارقِ تفسيرُ (بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) بعونٍ من اللهِ و بعونٍ من الناس والباء هنا تفيد الاستعانة والعون أُستعير له لفظُ الحبل استعارةً تصريحيةً بجامع أن إنقاذهم من الذل لا يكون إلا بعون من الله وبعون من الناس كصاحب الحبل الذي يغيثُ المُستغيثَ ويُعينه بمدِ الحبل له كي يُنقذه من الهلاك، فأما عونُ الله فيكون بامدادهم بالأموال والبنين والسُلطان وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) (الإسراء:6)، وأما عونُ الناسِ فهو الدعمُ الذي تقدمهُ الأنظمة و الحكومات الغربية بسخاءٍ لليهود عامةً وللإسرائيلين خاصةً لعنة الله عليهم. 

وضُربت عليهم المسكنةُ وهم كارهون لها أيضاً والمسكنةُ لغةً هي الفقرُ والضعفُ والتذلل والتضرع والحرصُ على طلبِ الدنيا، فهم قلوبهم قاسيةٌ كالحجارةِ أو أشدُ قسوةً، قال تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة: 74)، ومن يكن قلبُهُ قاسٍ فإنه لا يختارُ المسكنةَ طواعيةً لأنَّ قاسيَ القلبِ يعتبرُ لينَ الجانبِ والرحمةَ ضعفاً وكلاهما من لوازم المسكنة، بينما من يكن قلبُهُ ليناً ورحيماً فإنه يختارُ المسكنةَ طواعيةً، في رواية أبو سعيد الخدري قال: (أحبُّوا المساكينَ ، فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ ، يقولُ في دعائِهِ : اللَّهمَّ أحيني مسْكينًا ، وأمتني مسْكينًا ، واحشرني في زمرةِ المساكين.) ( الراوي: أبو سعيد الخدري- المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3345 خلاصة حكم المحدث: صحيح ). غيرَ أن الفقرَ ليس مقصوداً بلفظ المسكنة هنا، لقوله تعالى عن اليهود الملعونين (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) (آل عمران: 181)، ولقوله تعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) (الإسراء:6).

ومن حماقتهم وسفاهتهم وخفةِ عقولهم أنهم يستكبرون عن المسكنةِ لله عزوجل فيكذبون بعضَ أنبيائهِ ويقتلون البعضَ الآخر، ويلجؤون إلى المسكنةِ كراهيةً أمام أعدائهم، قال تعالى ( لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13). وذلك لفرطِ وشدةِ جُبنهم وضعفهم أمام أعدائهم فلا يقاتلون الناسَ إلا وهم مُحصنون ومُختبئون، قال تعالى ( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (الحشر: 14)

وتجدهم أحرصَ الناسِ على طلب الحياة الدنيا، قال تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 96)، لشدةِ حبهم لها ولأنفسهم ولأهوائهم فهم يُفضلون حُبَ أنفسِهم على حُبِ اللهِ عزوجل وحُبِ أنبيائهِ وغيرهم من البشر، ويفضلون اتّباعَ أهوائهم على اتباعِ أنبياءَ اللهِ وهُدى اللهِ، قال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ) (البقرة: 87)؛ ففسدتْ أنفسُهم بتعلقِها بالدنيا والانكباب عليها و على شهواتها، قال تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: 59) وجَبُنتْ أنفسُهم أمام لقاءِ أعدائهم خوفاً من الموت ومن لقاءِ اللهِ عزوجل لأنَّ ليس لهم أعمالٌ صالحةٌ يستبشرون بها خيراً وثواباً عند اللهِ عزوجل فأعمالهم في الدنيا هي في طاعةِ أنفسِهم لا في طاعة اللهِ وفي إرضاءِ أهوائهم لا في إرضاءِ اللهِ عزوجل، فبماذا يستبشرون ويتمنون لقاء اللهِ عزوجل؟!!!. إذًا حبُ الدنيا من حُبِ النفسِ فكلما زاد حُبكَ لنفسكَ زاد حُبُكَ للدنيا بينما حُبُ الاخرةُ من حُبِ اللهِ لإيمانك بالله غيباً فتزهد بالدنيا كي لا تُشغلك عن عبادة اللهِ وحُبهِ وتُحب الآخرة لأنها تُقربك من اللهِ عزوجل ولأنها نعيمٌ عظيمٌ و دائمٌ فكلما زاد حُبكَ للهِ عزوجل زاد حُبكَ للآخرة وزاد اشتياقك لجنتها. فلذلك فرضَ اللهُ عليهم الذلةَ والمسكنةَ عقاباً لهم على إجرامهم في حق اللهِ بتكذبيهم وبكفرهم بآياتِ اللهِ وعلى إجرامهم في حقِ عبادِ اللهِ بقتلهم الأنبياءِ بغير حقٍ وبإفسادهم في الأرض. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


المشاهدات 516 | التعليقات 0