معنى الحركات في الصلاة
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1432/03/20 - 2011/02/23 22:10PM
معنى الحركات في الصلاة
الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده و جعلها من الإسلام ركنا كبيرا، و أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ شاهدا و مبشّرا و نذيرا، فأنذر تارك الصلاة بالعذاب و أعدّ له جهنّم و ساءت مصيرا..
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، العظيم الديّان، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و سيّد ولد عدنان.. اللهمّ فصلّ و سلّم و بارك عليه و على آله و صحبه قدوة أهل الإيمان..
أحبّتي في الله: الصلاة أكبر مهذّب للنفوس، و أعظم موجّه إلى الكمالات و النعوت السامية، و الأفعال الحميدة، و السيرة الرشيدة، و غير ذلك من آداب الاجتماع و المعاشرة و حسن المعاملة مع طهارة الظّاهر و الباطن.. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما أخرجه مسلم و الترمذي عن أبي هريرة : " مثلُ الصلواتِ الخمسِ، كمثلِ نهرٍ جارٍ غمرٍ على بابِ أحدكم يغتسل منه كلّ يومٍ خمس مرّات ". و قال صلوات ربّي و سلامه عليه: " الصلواتُ الخمسُ و الجمعةُ إلى الجمعةِ كفّاراتٌ لما بينهُنَّ ما لم تُغْشَ الكبائر ". ( أخرجه الإمام مسلم في الصحيح )
الصلاة كفّارة لما سبقها من الذنوب، و متى كُفِّرت الذنوب أصبح العبد موضع عناية الله و رحمته، لأنّ موانع الرحمة قد زالت عن القلب والبدن. وفي ذلك يقول صلى الله عليه و سلم: " ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها، إلاّ كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤت كبيرة ".( مسلم ).
و ذلك لأنّ الكبيرة لا تكفِّرها إلاّ التوبة. و الصلاة مصدر الأمن و الإيمان، و حماية من القلق و الجزع، و دافعٌ إلى السخاء النابع من الحبّ، و الله تعالى يحكم بذلك فيقول: " إنّ الإنسان خُلق هلوعا * إذا مسّه الشرُّ جزوعا * و إذا مسّه الخير منوعا * إلاّ المصلّين * الذين هم على صلواتهم دائمون ". ( المعارج الآيات: 19/23 ). و معنى هذه الآيات ، أنّ الإنسان الكافر خُلق هلوعا، و الهلع هو الجزع من شدّة الحرص و الضجر. إذا مسّه الشرّ جزوعا: أي إذا قلّ ماله و ناله الفقر جزع و لم يصبر. و إذا مسّه الخير: أي نال الغنى كان منوعا أي يمنع ما في يده إذ لا يؤدّي حقّ الله فيما رزقه الله. إلاّ المصلّين الذين هم على صلواتهم: المفروضة دائمون أي لا يضيّعون منها شيئا.
أيها الإخوة، إذا تأمّلنا آيات القرآن العظيم في الصلاة، وجدنا التعبير القرآني يقول دائما: " أقم الصلاة "." و أقيموا الصلاة ". " الذين يقيمون الصلاة ". فنلاحظ أنّ الله أمر تبارك و تعالى بإقامة الصلاة، و الإقامة معنى زايد على طبيعة حركات الصلاة، و لو كانت حركات الصلاة من: قيام، و ركوع، و سجود، و قراءة، وحدها كافية لقال الحقّ سبحانه: " صلّوا و لم يقل أقيموا الصلاة ". فلا بدّ لكلّ مسلم و مسلمة أن يعرف معنى إقامة الصلاة حتى يستفيد بثمراتها و خيراتها، و يتمكن من إتمام ركوعها و خشوعها و هذا المهمّ حسب رأينا، لا أن يصلّي صلاة آلية، حرفية، بحضور جسده و تحريك لسانه فقط.. فهذه ليست صلاة على الإطلاق، و الله تبارك و تعالى ليس في حاجة لمثل هذه العبادة، و لا ننفعه إن نحن أدّيناها، و لا نضرّه في شيء إن نحن تركناها.
إقامة الصلاة تكون بثلاثة أمور أساسية لا بدّ منها حتّى تكون صلاة قائمة لها مكانتها و قدرها و قبولها عند الله جلّ و علا. فما هي حقيقتها ؟..
* أولــها : أن نعرف معنى الصلاة و النيّة فيها.
* ثانـيـها : أن نفهم بعقولنا معاني ما نقرؤه فيها، و الأدعية و الأذكار، و أن يكون القلب و اللسان و العقل جميعا في فهمٍ و عبادةٍ و خشوعٍ مع الجسد المتّجه أساسا إلى القبلة. لا أن نأتي المسجد و نستحضر العقل و القلب للبحث و اصطياد الهفوات، مهما كان نوعها، التي يقوم بها الإمام أو المؤذن، أو عامة رواد بيوت الله، قبل أن نطلق اللسان في تعداد الهفوات و زلاّت النطق، و نقف مع الإمام، و أمام الكلّ في مناظرة كلامية جدلية نريد بها أن نبرز ضعف الإمام أو عدم تمكنه من الأمور الفقهية و الأمور السنية.
* ثالثــهما : أن نفهم معنى حركات الصلاة من القيام و الركوع و السجود و الجلوس، و لماذا نركع مرّة واحدة و نسجد مرّتين ؟، و تكون هذه المعاني مقارنة لها حين نقوم بها. هذه هي الصلاة على حقيقتها.. الصلاة القائمة لا اعوجاج فيها..
و الصلاة عبارة عن انخلاع الإنسان تامّا و كاملا من دنياه كلّها و خواطره كلّها، و مشاكله، و مشاغله، و التوجّه بقلبه و روحه و عقله إلى الملك الديّان، دون أن ينوي بصلاته أيّ غرض دنيوي.. و لا ينوي بها سوى مرضاة الله تعالى و النعيم الأبدي بمناجاته.. إذن هذه هي الصلاة، طبعا دون التعرّض إلى مفهوميها اللغوي و الشرعي الذي سيأتي لاحقا إن شاء الله تعالى، بكلّ دقّة و بأسلوب ميسّر حتّى تكون الفائدة عامة و شاملة. و كان الاستعداد لها بالوضوء و التطهّر مقدّمة ضرورية تعين على حسن أداءها و إخلاص النيّة فيها.. ( الوضوء في المنزل أفضل منه في المسجد، حتى يكون المسلم في رعاية الله )
* أمّا فهم حركات الصلاة و النيّة فيها: فإذا قمت و وقفت في مصلاّك تنوي بذلك التخلّي عن جميع الأشياء و إخراج ما في القلب سوى الحقّ تبارك و تعالى، حتّى لا يكون في قلبك سوى هيبة الله و إجلاله. و أمّا تكبيرة الإحرام، فمعناها التعبير عن هذا التخلّي عن الدنيا و ما فيها من شهوات، و مغريات، و مشاغل، إفراغ القلب وقت العبادة، من كلّ حبّ سوى حبّ الملك الديّان، فتقول:" الله أكبر " تطلقها مدوّية رافعا يديك لتلقي بالدنيا وما فيها وراء ظهرك. تقول:" الله أكبر" من أن يقبل الله العبد على غيره أو يتوجّه إلى سواه. فإذا أراد العبد الثناء على الله و شكر الآلاء والنعم. يشرع في قراءة الفاتحة فيقول:" الحمد لله ربِّ العالمين" يعني الشكر لله ربّ كلّ العوالم السماوية والأرضية،" الرحمان" الذي فاضت رحمته على كلّ شيء حتى على الكافرين، " الرحيم " بالمؤمنين دون غيرهم يوم القيامة " ملك يوم الدّين " و سيّده ومالكه والحاكم فيه و عليه " إيّاك نعبد و إيّاك نستعين " أي لا نعبد غيره ولا نستعين بسواه " اهدنا صراط المستقيم " أي الطريق الواضح القويم الذي لا بدعة فيه " صراط الذين أنعمت عليهم " من رضيت عنهم من الأنبياء و الصدّيقين و الأولياء و الصالحين " غير المغضوب عليهم " اليهود الذين كذّبوا بآياتك و قتلوا أنبيائك و أصفيائك " و لا الضّالين " و لا طريق من ضلّوا عن سبيلك و هم النصارى.. حينئذ يشعر القلب بتعظيم الحقّ تبارك و تعالى و الخضوع بين يديه فيعبّر عن هذا التعظيم و الخضوع بالركوع، فيركع جسدك و روحك بين يدي الله قائلا: " الله أكبر " ممّا وقع في نفسك من تعظيم له، و تقول : " سبحان ربّي العظيم " تعبيرا عن هذا المعنى.. و معناه تنزيه عظمة الله عن العظمة التي نشاهدها في الكون.. فعظمته لا يحيط بها عقل.. هذا تواضع واجب لله تعالى في الركوع، و من تواضع لله رفعه بعد أن كان راكعا، فيبادر إلى الحمد و الثناء بقوله: " سمع الله لمن حمده " " اللهم ربّنا و لك الحمد " و حين يحسّ بفضل الله عليه و رفعه بعد تواضعه، يزداد العبد تواضعا لله فيسجد، و ينوي أن يضع نفسه بين يدي ربّه أسفل من كلّ سفل، و تحت كلّ تحت، و لهذا كان العبد أقرب ما يكون من ربّه وهو ساجد.. و لهذا كان ذكر السجود: " سبحان ربّي الأعلى " فهو الأعلى و نحن الأسفل.. فهو الأعلى من كلّ علوّ، و نحن الأسفل من كلّ سفل.. و يتفضّل المنّان الودود على الإنسان المودود، فيرفعه من السجود فلا يستطيع القيام، فيجلس بالعجز و الفاقة و الحاجة إلى الملك.. إلى صاحب الفضل.. غارقا في مشاهدة العظمة الإلهيّة، و يبحث الإنسان المصلّي عن وسيلة يعبّر بها عن خضوعه الكامل لله، فلا يجد غير التقديس، و الإذلال، و الاستسلام، فيسجد مرّة ثانية اعترافا لله بنعمه عليه في الفهم و التقريب.. فإذا تمّ له ذلك قوّاه الحقّ على القيام لركعة ثانية، و ثالثة، على غرار الأولى و هكذا.. ( تقديم بسطة عن معنى التشهّد).
هذه أيها الأحبّة الصلاة بمعانيها و معاني حركاتها التي لابدّ أن نلاحظها و نستوعبها و نتدبرها، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلّم يرشد أصحابه إلى أن يعتقدوا أنّ هذه الصلاة التي يصلّيها العبد هي آخر صلاة له، و ربّما مات بعدها حتّى يتقنها و يقيمها كما يجب أن تقوم، فقال فيما أخرجه الطبراني: " صلّ صلاة مودّع لا يصلّي بعدها غيرها ". و يقول الحقّ تبارك و تعالى: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ". فإذا لم يكن خشوع فلا فلاح و لا نجاح، بل هو النفاق المعلوم، و الوبال و النقمة الوشيكة من الله تعالى..
فاتّقوا الله و لا تبطلوا أعمالكم بأهواء نفوسكم، إنّ النفس لأمّارة بالسّوء.
جعلني الله و إيّاكم من أهل توحيده و تعظيمه و تمجيده بالصلاة و القيام، و بالركوع و السجود، و وفّقنا الله جميعا إلى ما يجب له تعالى على عبيده.. آمين.. آمين يا ربّ العالمين وصلّ و سلّم على سيد الأوّلين و الآخرين محمّد بن عبد الله و على آله الأطهار الكرام الطيّبين و على أصحابه الأبرار الأعلام الميامين و على أتباعه و عترته و حزبه و على من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته و اقتفى أثره إلى يوم القرار و اليقين..
لم يعد لنا مزيد و غدا إن شاء الله هناك جديد..
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
بجامع الإمام محمّد الفاضل بن عاشور
بالزهور الرّابع - تونس
الحمد لله الذي فرض الصلاة على عباده و جعلها من الإسلام ركنا كبيرا، و أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ شاهدا و مبشّرا و نذيرا، فأنذر تارك الصلاة بالعذاب و أعدّ له جهنّم و ساءت مصيرا..
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، العظيم الديّان، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و سيّد ولد عدنان.. اللهمّ فصلّ و سلّم و بارك عليه و على آله و صحبه قدوة أهل الإيمان..
أحبّتي في الله: الصلاة أكبر مهذّب للنفوس، و أعظم موجّه إلى الكمالات و النعوت السامية، و الأفعال الحميدة، و السيرة الرشيدة، و غير ذلك من آداب الاجتماع و المعاشرة و حسن المعاملة مع طهارة الظّاهر و الباطن.. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما أخرجه مسلم و الترمذي عن أبي هريرة : " مثلُ الصلواتِ الخمسِ، كمثلِ نهرٍ جارٍ غمرٍ على بابِ أحدكم يغتسل منه كلّ يومٍ خمس مرّات ". و قال صلوات ربّي و سلامه عليه: " الصلواتُ الخمسُ و الجمعةُ إلى الجمعةِ كفّاراتٌ لما بينهُنَّ ما لم تُغْشَ الكبائر ". ( أخرجه الإمام مسلم في الصحيح )
الصلاة كفّارة لما سبقها من الذنوب، و متى كُفِّرت الذنوب أصبح العبد موضع عناية الله و رحمته، لأنّ موانع الرحمة قد زالت عن القلب والبدن. وفي ذلك يقول صلى الله عليه و سلم: " ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها، إلاّ كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤت كبيرة ".( مسلم ).
و ذلك لأنّ الكبيرة لا تكفِّرها إلاّ التوبة. و الصلاة مصدر الأمن و الإيمان، و حماية من القلق و الجزع، و دافعٌ إلى السخاء النابع من الحبّ، و الله تعالى يحكم بذلك فيقول: " إنّ الإنسان خُلق هلوعا * إذا مسّه الشرُّ جزوعا * و إذا مسّه الخير منوعا * إلاّ المصلّين * الذين هم على صلواتهم دائمون ". ( المعارج الآيات: 19/23 ). و معنى هذه الآيات ، أنّ الإنسان الكافر خُلق هلوعا، و الهلع هو الجزع من شدّة الحرص و الضجر. إذا مسّه الشرّ جزوعا: أي إذا قلّ ماله و ناله الفقر جزع و لم يصبر. و إذا مسّه الخير: أي نال الغنى كان منوعا أي يمنع ما في يده إذ لا يؤدّي حقّ الله فيما رزقه الله. إلاّ المصلّين الذين هم على صلواتهم: المفروضة دائمون أي لا يضيّعون منها شيئا.
أيها الإخوة، إذا تأمّلنا آيات القرآن العظيم في الصلاة، وجدنا التعبير القرآني يقول دائما: " أقم الصلاة "." و أقيموا الصلاة ". " الذين يقيمون الصلاة ". فنلاحظ أنّ الله أمر تبارك و تعالى بإقامة الصلاة، و الإقامة معنى زايد على طبيعة حركات الصلاة، و لو كانت حركات الصلاة من: قيام، و ركوع، و سجود، و قراءة، وحدها كافية لقال الحقّ سبحانه: " صلّوا و لم يقل أقيموا الصلاة ". فلا بدّ لكلّ مسلم و مسلمة أن يعرف معنى إقامة الصلاة حتى يستفيد بثمراتها و خيراتها، و يتمكن من إتمام ركوعها و خشوعها و هذا المهمّ حسب رأينا، لا أن يصلّي صلاة آلية، حرفية، بحضور جسده و تحريك لسانه فقط.. فهذه ليست صلاة على الإطلاق، و الله تبارك و تعالى ليس في حاجة لمثل هذه العبادة، و لا ننفعه إن نحن أدّيناها، و لا نضرّه في شيء إن نحن تركناها.
إقامة الصلاة تكون بثلاثة أمور أساسية لا بدّ منها حتّى تكون صلاة قائمة لها مكانتها و قدرها و قبولها عند الله جلّ و علا. فما هي حقيقتها ؟..
* أولــها : أن نعرف معنى الصلاة و النيّة فيها.
* ثانـيـها : أن نفهم بعقولنا معاني ما نقرؤه فيها، و الأدعية و الأذكار، و أن يكون القلب و اللسان و العقل جميعا في فهمٍ و عبادةٍ و خشوعٍ مع الجسد المتّجه أساسا إلى القبلة. لا أن نأتي المسجد و نستحضر العقل و القلب للبحث و اصطياد الهفوات، مهما كان نوعها، التي يقوم بها الإمام أو المؤذن، أو عامة رواد بيوت الله، قبل أن نطلق اللسان في تعداد الهفوات و زلاّت النطق، و نقف مع الإمام، و أمام الكلّ في مناظرة كلامية جدلية نريد بها أن نبرز ضعف الإمام أو عدم تمكنه من الأمور الفقهية و الأمور السنية.
* ثالثــهما : أن نفهم معنى حركات الصلاة من القيام و الركوع و السجود و الجلوس، و لماذا نركع مرّة واحدة و نسجد مرّتين ؟، و تكون هذه المعاني مقارنة لها حين نقوم بها. هذه هي الصلاة على حقيقتها.. الصلاة القائمة لا اعوجاج فيها..
و الصلاة عبارة عن انخلاع الإنسان تامّا و كاملا من دنياه كلّها و خواطره كلّها، و مشاكله، و مشاغله، و التوجّه بقلبه و روحه و عقله إلى الملك الديّان، دون أن ينوي بصلاته أيّ غرض دنيوي.. و لا ينوي بها سوى مرضاة الله تعالى و النعيم الأبدي بمناجاته.. إذن هذه هي الصلاة، طبعا دون التعرّض إلى مفهوميها اللغوي و الشرعي الذي سيأتي لاحقا إن شاء الله تعالى، بكلّ دقّة و بأسلوب ميسّر حتّى تكون الفائدة عامة و شاملة. و كان الاستعداد لها بالوضوء و التطهّر مقدّمة ضرورية تعين على حسن أداءها و إخلاص النيّة فيها.. ( الوضوء في المنزل أفضل منه في المسجد، حتى يكون المسلم في رعاية الله )
* أمّا فهم حركات الصلاة و النيّة فيها: فإذا قمت و وقفت في مصلاّك تنوي بذلك التخلّي عن جميع الأشياء و إخراج ما في القلب سوى الحقّ تبارك و تعالى، حتّى لا يكون في قلبك سوى هيبة الله و إجلاله. و أمّا تكبيرة الإحرام، فمعناها التعبير عن هذا التخلّي عن الدنيا و ما فيها من شهوات، و مغريات، و مشاغل، إفراغ القلب وقت العبادة، من كلّ حبّ سوى حبّ الملك الديّان، فتقول:" الله أكبر " تطلقها مدوّية رافعا يديك لتلقي بالدنيا وما فيها وراء ظهرك. تقول:" الله أكبر" من أن يقبل الله العبد على غيره أو يتوجّه إلى سواه. فإذا أراد العبد الثناء على الله و شكر الآلاء والنعم. يشرع في قراءة الفاتحة فيقول:" الحمد لله ربِّ العالمين" يعني الشكر لله ربّ كلّ العوالم السماوية والأرضية،" الرحمان" الذي فاضت رحمته على كلّ شيء حتى على الكافرين، " الرحيم " بالمؤمنين دون غيرهم يوم القيامة " ملك يوم الدّين " و سيّده ومالكه والحاكم فيه و عليه " إيّاك نعبد و إيّاك نستعين " أي لا نعبد غيره ولا نستعين بسواه " اهدنا صراط المستقيم " أي الطريق الواضح القويم الذي لا بدعة فيه " صراط الذين أنعمت عليهم " من رضيت عنهم من الأنبياء و الصدّيقين و الأولياء و الصالحين " غير المغضوب عليهم " اليهود الذين كذّبوا بآياتك و قتلوا أنبيائك و أصفيائك " و لا الضّالين " و لا طريق من ضلّوا عن سبيلك و هم النصارى.. حينئذ يشعر القلب بتعظيم الحقّ تبارك و تعالى و الخضوع بين يديه فيعبّر عن هذا التعظيم و الخضوع بالركوع، فيركع جسدك و روحك بين يدي الله قائلا: " الله أكبر " ممّا وقع في نفسك من تعظيم له، و تقول : " سبحان ربّي العظيم " تعبيرا عن هذا المعنى.. و معناه تنزيه عظمة الله عن العظمة التي نشاهدها في الكون.. فعظمته لا يحيط بها عقل.. هذا تواضع واجب لله تعالى في الركوع، و من تواضع لله رفعه بعد أن كان راكعا، فيبادر إلى الحمد و الثناء بقوله: " سمع الله لمن حمده " " اللهم ربّنا و لك الحمد " و حين يحسّ بفضل الله عليه و رفعه بعد تواضعه، يزداد العبد تواضعا لله فيسجد، و ينوي أن يضع نفسه بين يدي ربّه أسفل من كلّ سفل، و تحت كلّ تحت، و لهذا كان العبد أقرب ما يكون من ربّه وهو ساجد.. و لهذا كان ذكر السجود: " سبحان ربّي الأعلى " فهو الأعلى و نحن الأسفل.. فهو الأعلى من كلّ علوّ، و نحن الأسفل من كلّ سفل.. و يتفضّل المنّان الودود على الإنسان المودود، فيرفعه من السجود فلا يستطيع القيام، فيجلس بالعجز و الفاقة و الحاجة إلى الملك.. إلى صاحب الفضل.. غارقا في مشاهدة العظمة الإلهيّة، و يبحث الإنسان المصلّي عن وسيلة يعبّر بها عن خضوعه الكامل لله، فلا يجد غير التقديس، و الإذلال، و الاستسلام، فيسجد مرّة ثانية اعترافا لله بنعمه عليه في الفهم و التقريب.. فإذا تمّ له ذلك قوّاه الحقّ على القيام لركعة ثانية، و ثالثة، على غرار الأولى و هكذا.. ( تقديم بسطة عن معنى التشهّد).
هذه أيها الأحبّة الصلاة بمعانيها و معاني حركاتها التي لابدّ أن نلاحظها و نستوعبها و نتدبرها، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلّم يرشد أصحابه إلى أن يعتقدوا أنّ هذه الصلاة التي يصلّيها العبد هي آخر صلاة له، و ربّما مات بعدها حتّى يتقنها و يقيمها كما يجب أن تقوم، فقال فيما أخرجه الطبراني: " صلّ صلاة مودّع لا يصلّي بعدها غيرها ". و يقول الحقّ تبارك و تعالى: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ". فإذا لم يكن خشوع فلا فلاح و لا نجاح، بل هو النفاق المعلوم، و الوبال و النقمة الوشيكة من الله تعالى..
فاتّقوا الله و لا تبطلوا أعمالكم بأهواء نفوسكم، إنّ النفس لأمّارة بالسّوء.
جعلني الله و إيّاكم من أهل توحيده و تعظيمه و تمجيده بالصلاة و القيام، و بالركوع و السجود، و وفّقنا الله جميعا إلى ما يجب له تعالى على عبيده.. آمين.. آمين يا ربّ العالمين وصلّ و سلّم على سيد الأوّلين و الآخرين محمّد بن عبد الله و على آله الأطهار الكرام الطيّبين و على أصحابه الأبرار الأعلام الميامين و على أتباعه و عترته و حزبه و على من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته و اقتفى أثره إلى يوم القرار و اليقين..
لم يعد لنا مزيد و غدا إن شاء الله هناك جديد..
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
بجامع الإمام محمّد الفاضل بن عاشور
بالزهور الرّابع - تونس