معنى التّوحيد

معنى التّوحيد

الحمد لله أوجب على الخلق طاعتَهُ و توحيده، و أشهد أن لا إله إلاّ الله إلاّ الله، وحده لا شريك له في ربوبيته و إلهيته و أسمائه و صفاته، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، الذي أشاد منار الإسلام و أحكم أساسه،، صلى الله و بارك عليه و على آله و أصحابه الذين أخلصوا توحيدهم لله و جاهدوا في الله حقّ جهاده، و من تبعهم و اقتدى بهم في إخلاص العمل و التّوحيد و الطّاعة، و سلّم تسليما كثيرا.. أمّا بعد:
أيّها النّاس، من أين يأخذ المسلم عقيدته ؟.. يأخذها ابتداءً و آخرًا من كتاب الله عزّ و جلّ و صحيح سنّة نبيّه صلى الله عليه و سلّم، الذي لا ينطق عن الهوى: " إن هو إلاّ وحيٌ يُوحَى "، و ذلك وفق فهم الصّحابة و السّلف الصّالح رضوان الله عليهم.. و إذا اختلفنا في شيءٍ نرجع إلى الشّرع الحنيف، و الحكم في ذلك إلى كتاب الله و سنّة رسوله صلّى الله عليه و سلّم، حيث قال تعالى: " فإن تنازعتم في شيءٍ فرُدُّوهُ إلى الله و الرّسولِ "، و قال النبيّ صلّى الله عليه و سلّم: " تركتُ فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما: كتابُ الله، و سنّة نبيِّهِ ". ( الموطّأ )
و الإسلام هو الاستسلام لله بالتّوحيد، و الانقياد له بالطّاعة، و البراءة من الشّرك و أهله، و أركانه خمسة.. و أمّا الإيمان فهو اعتقاد القلب، و قول اللّسان، و عمل الجوارح، يزيد بالطّاعة و ينقص بالمعصية، قال تعالى: " ليزْدادوا إيمانا مع إيمانِهِم "و قال صلى الله عليه و سلم: " الإيمانُ بِضْعٌ و سبْعون شُعْبَةً، فأفضلُها قولُ: لا إله إلاّ الله و أدناها إِماطةُ الأذى عن الطريقِ و الحياءُ شُعْبَةٌ منَ الإيمانِ ". ( مسلم )
و يؤكّده ما يلْحَظُهُ المسلم في نفسه من نشاطٍ في الطّاعة عند مواسم الخيرات، و فتورٍ فيها عند فعل المعاصي، قال تعالى: " إنّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السّيِّئاتِ "، و أركانه ستّة ذكرها النبيّ صلى الله عليه و سلّم في قوله: " أن تُؤمِنَ باللهِ، و ملائكتِهِ، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و القدر خيرِهِ و شرِّهِ ". ( البخاري )
هناك من يسأل نفسه عديد المرّات، و يسأل غيره كلّما أُتيحت له فرصة ذلك: هل الله معنا ؟.. الجواب ابتداءً نعم الله تبارك و تعالى معنا بعلمه، و سمعه، و بصره، و حفظه، و إحاطته، و قدرته، و مشيئته، و أمّا ذاته فلا تخالط ذوات المخلوقين، و لا يحيط به شيءٌ من المخلوقاتِ..
و السّؤال الأخطر من الأوّل هو: هل يمكن للإنسان أن يرى الله عزّ و جلّ بالعين ؟.. نقول ما اتّفق عليه العلماء من المسلمين، على أنّ الله لا يُرى في الدّنيا، و أنّ المؤمنين يرون الله في الآخرة في المحشر و في الجنّة، قال تعالى: " وُجُوهٌ يومئِذٍ ناضِرَةٌ * إلى رَبِّها ناظِرَةٌ ".
فما معنى لا إله إلاّ الله ؟.. نفي استحقاق العبادة لغير الله جلّ و علا، و إثباتها لله وحده تبارك و تعالى.. و ما الفائدة من معرفة أسماء الله و صفاته ؟.. إنّ أوّل فرض فرضه الحقّ على خلقه، معرفته سبحانه، فإذا عرفه النّاس عبدوه حقّ عبادته، قال عزّ و جلّ: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ و اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ "، فذِكْرُ الله بسِعَةِ الرّحْمة مُوجِبٌ للرّجاء، و بشدّة النّقمة مُوجِبٌ للخوف، و بالتفرّد بالإنعامِ مُوجِبٌ للشّكْرِ .. و المقصود بالتعبّد بأسماء الله و صفاته: هو تحقيق العلم بها وفِقْهَ معانيها و العمل بها.. و اعلم أيّها المسلم بأنّ مراتب الدّين ثلاثة: الإسلام، و الإيمان، و الإحسان..
و أمّا التّوحيد فأقسامُهُ ثلاثة:
1) توحيد الرّبوبية: وهو إفراد الله بأفعاله كالخلق و الرّزق و الإحياء.. إلخ، و قد كان الكفّار يقرّون بهذا القسم قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه و سلم..
2) توحيد الأُلُوهيّة: وهو إفراد الله بالعبادات، كالصلاة و النّذر و الصدقة... و غيره، و من أجل إفراد الله بالعبادة بُعِثت الرُّسُل و أُنْزِلت الكتب..
3) توحيد الأسماء و الصّفات: وهو إثبات ما أثبته الله و رسوله من الأسماء الحسنى و الصّفات العلا لله تبارك و تعالى من غير تحريف أو تعطيل للنّصوص، أو تكييف أو تمثيل للصّفة..
و اعلموا عباد الله، أنّ أصل التّوحيد و الإيمان، هو اعتقاد و قول و عمل: يعني اعتقاد القلب و قول اللّسان، و عمل القلب و الجوارح.. فالقلب يؤمن و يصدّق، فينتج قول الشهادة على اللّسان، ثمّ يعمل القلب عمله من محبّة و خوف و رجاء، فيتحرّك اللّسان ذِكْرا، و قراءة للقرآن، و تتحرّك الجوارح سجودا و ركوعا و فعلا للصّالحات التي تقرّب إلى الله تبارك و تعالى.. فالجسد تابع للقلب فلا يستقرّ شيء في القلب إلاّ ظهر موجبه و مقتضاه على الجسد و لو بوجه من الوجوه..
و المراد بالأعمال القلبية: هي الأعمال التي يكون محلّها القلب، و ترتبط به، و أعظمها الإيمان بالله تعالى الذي يكون في القلب، و منه التّصديق الانقيادي و الإقرار، هذا بالإضافة ما يقع في قلب العبد لربّه من المحبّة، و الخوف، و الرّجاء، و الإنابة، و التوكّل، و الصّبر، و اليقين، و الخشوع و ما إلى ذلك من الأعمال القلبية الخالصة لله تعالى..
و بعد كلّ هذا أما يحقّ لنا أن نسأل: ما شروط قبول العمل الصّالح ؟.. هي ثلاثة:
1) الإيمان بالله و توحيده: فلا يُقبل العمل من مشرك..
2) الإخلاص: بأن يُبتغى به وجه الله..
3) متابعة النبيّ صلّى الله عليه و سلّم فيه: بأن يكون وفق ما جاء به فلا يُعْبد الله إلاّ بما شرّع، فإن فقد أحدها فالعمل مردود، قال عزّ و جلّ: " و قدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فجعَلْناهُ هبآءً مَنْثُورًا ".
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم و لوالديّ و لوالديكم و للمسلمين..

الثّانية: معرفــة الله تعالى
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السّلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه..
أمّا بعد: أجمل ما في الحياة معرفة الله تعالى.. ما من توبة إلاّ قَبِلَها.. و ما من مصائب و مشاكل إلاّ حلّها.. كلّ شيءٍ ذَلَّ لعزّته و تواضع لعظمته، و ضعُف لقُواه و افتقر لغناه.. حياتك ستكون أجمل و أمورك ستكون أسهل.. سبحان الله هل هذا حقّ ..؟ يعني بمجرّد أن تتعرّف على الله حياتك ستكون أحلى ؟.. نعم يا إنسان لماذا ؟.. و هل من كرب أو غمٍّ جاءك إلاّ بالذنوب ؟.. فإذا عرفت أنّ الله هو الذي يغفرها و يبدّل حالك، ألست تسعد ؟.. و هل من صعوبة في الحياة إلاّ بسبب الكروب و المحن ؟.. المشاكل و الصعوبات و قلّة الرزق، فإذا علمت أنّ الله هو الرزّاق، إذا سألته أعطاك، ألا تكون حياتك سعيدة ؟.. و ألا تكون حياتك جميلة ؟..
وإذا عرفت أنّ سبب الحزن من المرض، وعرفت أنّ الله هو الشّافي، ألا يسعدك ذلك أن تعلم أنّ خالقك و رازقك هو أرحم الراحمين و أكرم الأكرمين قادرٌ على شفاءك بكلمة " كُنْ فيكون "، ألا تسهل أمورك و تكون أفضل و أحسن ؟..
أيّها الناس، أجمل ما في الحياة معرفة الله.. فالحقّ تعالى يحبّ أن يُفَرِّجُ كربك أكثر ممّا تحبّ أنت أن يُفَرَّجَ كربك.. الله يحبّ أن يعطيك أكثر ممّا تحب أنت أن تُعْطى.. الله يحبّ أن يُنْعِمَ عليك أكثر ممّا تحبّ أنت النعم.. الله سبحانه و تعالى، أنظر إلى نبيّه صلى الله عليه و سلّم وهو يقول: " من لم يسأل الله يغضب عليه ".. و في حديث آخر قال النبيّ صلى الله عليه و سلم: " من نزلت به فاقة فأنزلها بالله يوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ، و من أنزلها بالنّاس اشتدّت صعوبته ". أي من أنزلها بالناس لم تسدّ فاقته.. فأجمل ما في الحياة معرفة الله تعالى .. كلّ شيء في الحياة يكون سهلا و جميلا.. " يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر ".. هذه صفة من صفات الله تعالى: الإرادة.. و إذا أراد الله شيئا فعله كما قال تعالى: " فَعَّالٌ لما يريد "، فإذا أراد الله بنا اليسر، ألا تكون حياتنا يسيرة ؟ نعم تكون يسيرة.. لذلك أجمل ما في الحياة معرفة الله.. و هذا أوّل طريق في عالم التّوحيد..
اللهمّ إنّا نسألك حبّك، و حبّ من أحبّك، و حبّ عمل يقرّبنا إلى حبّك.. اللهمّ أعزّ الإسلام و أنصاره، و أذلّ الشرك و أصهاره.. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، و اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدّين ودمّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.. آمين، و آخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين..
المشاهدات 1984 | التعليقات 0