مُعَـــــــلِّمُ الــــــــــــنَّاسِ الْخَـــــــــــــيْرَ ( تعميم)

يوسف العوض
1446/02/09 - 2024/08/13 09:36AM

الخطبة الأولى

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْمَدَارِسَ عَمَّا قَرِيبٍ سَتَفْتَحُ أَبْوَابَهَا، وَتَسْتَقْبِلُ الْكُلِّيَّاتُ وَالْجَامِعَاتُ طُلابَهَا، فَتَنْطَلِقُ الْحَيَاةُ التَّعْلِيمِيَّةُ فِي رُبُوعِ بِلادِنَا الطَّيِّبَةِ، نَابِضَةً بِالْحَيَوِيَّةِ، وَمُفْعَمَةً بِالنَّشَاطِ، مُحْتَضِنَةً الْأَعْدَادَ الضَّخْمَةَ مِنْ أَبْنَائِنَا وَشَبَابِنَا، غَيْرَ أَنَّ مِمَّا لا يُمْكِنُ تَجَاهُلُهُ أَنَّ الْبِيئَةَ دَاخِلَ الْمُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ تَخْتَلِفُ تَمامًا عَنْ بِيئَةِ الأُسْرَةِ وَالْبَيْتِ، فَهِيَ تَحْوِي خَلِيطًا مِنَ الطَّلَبَةِ، تَخْتَلِفُ خَلْفِيَّاتُهُمْ وَتَوَجُّهَاتُهُمْ، وَتَتَمَايَزُ اهْتِمَامَاتُهُمْ وَرَغَبَاتُهُمْ، وَتَتَبَايَنُ أخْلاقُهُمْ وَسُلُوكِيَّاتُهُمْ، وَقَدْ يَتَأَثَّرُ الطَّالِبُ فِيهَا بِصُحْبَةٍ سَيِّئَةِ التَّوَجُّهِ، أَوْ رُفْقَةٍ فَاسِدَةِ الطِّبَاعِ، فَعَلَى الآباءِ أَن لا يُغْفِلُوا تَحْصِينَ أَبْنَائِهِمْ مُنْذُ الْبِدَايَةِ بِالْخُلُقِ وَالْفَضِيلَةِ، وَمُتَابَعَةَ تَوْجِيهِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَرِعَايَتِهِمْ، وَإِعَانَتَهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، حَتَّى لا يَكُونَ الْفَرْدُ مِنْهُمْ إِمَّعَةً يَتْبَعُ كُلَّ نَاعِقٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَديثِ: " لا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَلا تَظْلِمُوا " وَلْيَحْذَرِ الطَّلَبَةُ الشَّبَابُ الَّذِينَ يَلْتَحِقُونَ بِالدِّرَاسَةِ الْجَامِعِيَّةِ مِنْ دُعَاةِ السُّوءِ، وَمَزَالِقِ الْفِتَنِ، وَضَلالاتِ الأَفْكَارِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَنْتَقِلُونَ إِلَى بِيئَةٍ لَمْ يَأْلَفُوهَا، وَيَخْتَلِطُونَ بِثَقَافَاتٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا، وَيَخْرُجُونَ مِنْ كِنِّ الْأُسْرَةِ الْحَامِي، وَحِضْنِهَا الْحَانِي، إِلَى حَيَاةٍ تَخْتَلِطُ فِيهَا التَّيَّارَاتُ الْفِكْرِيَّةُ، وَتَخْتَلِفُ فِيهَا التَّوَجُّهَاتُ السُّلُوكِيَّةُ، فَتَزِلُّ قَدَمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُرْشِدٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَحَافِظٌ مِنْ دِينِهِ، فَلْيَتَزَيَّنُوا بِالْخُلُقِ، وَلْيَتَجَمَّلُوا بِالْآدَابِ، وَلْيُظْهِروا بِسُلُوكِهِمْ حُسْنَ مَنْبِتِهِمْ، وَكَرِيمَ أَصْلِهِمْ، وَرُقِيَّ أُسَرِهِمْ ، كَمَا يَجْدُرُ بِالطَّلَبَةِ وَهُوَ يَبْدَؤُونَ سَنَتَهُمُ الدِّرَاسِيَّةَ الْجَدِيدَةَ، أَنْ يَشْحَذُوا لِلْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ هِمَمَهُمْ، وَيُوقِدُوا لَهُ عَزَائِمَهُمْ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِدَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالانْطِلاقَةِ الْمُسَدَّدَةِ، يَفُوزُ بِالْمَأْمُولِ، وَتَحْقِيقِ الْمَرْجُوِّ، وَيَكُونُ لَهُ السَّبْقُ، وَمَنْ أَبْطَأَتْ بِهِ هِمَّتُهُ، وَأَقْعَدَهُ عَدَمُ تَخْطِيطِهِ، فَلَنْ تُسْرِعَ بِهِ أُمْنِيَّاتُهُ، وَلَنْ تَسْمُوَ بِهِ رَغَبَاتُهُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لِتَتَذَكَّرُوا وَأَنْتُمْ تُهَيِّئُونَ أَبْنَاءَكُمْ لِمَدَارِسِهِمْ، وَتَحْزِمُونَ لَهُمْ حَقَائِبَهُمْ، أَنَّ هُنَاكَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ مَنْ لا يَجِدُ لأَبْنَائِهِ مَا تَجِدُونَ، فَيُقْعِدُهُ فَقْرُهُ عَنْ تَلْبِيَةِ حَاجِيَّاتِهِمْ، وَيَحْبِسُهُ عَوَزُهُ عَنْ تَوْفِيرِ ضَرُورِيَّاتِهِمْ، فَتَضِيقُ نَفْسُهُ بِاقْتِرابِ مَوْعِدِ الْمَدَارِسِ، وَغَيْرُهُ بِهَا يَسْتَبْشِرُونَ، وَتُحْزِنُهُ حَاجَةُ أَبْنَائِهِ بَيْنَ زُمَلائِهِمْ، وَغَيْرُهُ بِالسَّعَةِ يَفْرَحُونَ، فَلْيُعِنْ كُلُّ مُسْتَطِيعٍ مُقْتَدِرٍ إِخْوَانَهُ أُولِي الْحاجَةِ، لِيُنْفِقْ ذُو السَّعَةِ مِنْ سَعَتِهِ، وَلْيَتَصَدَّقْ مَنْ بَسَطَ اللهُ لَهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ، يَقُولُ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ: " قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " .

الخطبة الثانية

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَوْلُهُ:" إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ " ، الْمُعَلِّمُ يَبْذُلُ وَقْتَهُ، وَيُجْهِدُ فِكْرَهُ، وَيَتْرُكُ رَاحَتَهُ؛ لأَجْلِ أَنْ يُعْطِيَ طَلَبَتَهُ مِنَ التَّوْجِيهِ حَقَّهُمْ، وَمِنَ التَّعْلِيمِ نَصِيبَهُمْ، فَأَيُّ فَضْلٍ يُدَانِي فَضْلَهُ، وَمَنْ ذَا الَّذِي يُقَارِبُ مَنْزِلَتَهُ، وَيُكَافِئُ عَطَاءَهُ؟ فَحُقَّ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُقَدَّرَ وَيُحْتَرَمَ، وَيُعَزَّ وَيُكَرَّمَ، وَيُعْطَى مِنَ الإجْلالِ مَا هُوَ بِهِ جَديرٌ، وَيُبَوَّأَ فِي الْمُجْتَمَعِ مَكَانَتَهُ الَّتِي بِهِ تَلِيقُ ، فَاقْدُرُوا لِلْمُعَلِّمِ قَدْرَهُ، وَعَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ كَيْفَ يَحْتَرِمُونَ مَعَلِّمِيهِمْ، فَمَنْ لا يَحْتَرِمُ مُعَلِّمَهُ لَنْ يَأْخُذَ مِنْه عِلْمًا، وَلَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْه نُصْحًا وَلا تَوْجِيهًا، عَلِّمُوهُمْ كَيْفَ يَحْفَظُونَ الْفَضْلَ لأَهْلِهِ، وَكَيْفَ يَشْكُرُونَ مَنْ يُسْدِي لَهُمْ خَيْرًا وَنَفْعًا، فَيَكُونُونَ لِجُهْدِ مَعَلِّمِيهِمْ ذَاكِرِينَ، وَلِسَعْيِهِمْ شَاكِرِينَ، و" مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللهَ) " .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ، فَإِنَّ أمَانَتَكُمُ الَّتِي تَحْمِلُونَ عَظِيمَةٌ، وَمَسْؤُولِيَّتَكُمُ الَّتِي تَتَحَمَّلُونَ جَسِيمَةٌ، إِنَّكُمْ تُكَوِّنُونَ الْفِكْرَ، وَتَصْنَعُونَ التَّوَجُّهَ، وَتَغْرِسُونَ الْقِيَمَ، وَتَحْفَظُونَ الْخُلُقَ، قَبْلَ أَنْ تَنْقُلُوا الْعِلْمَ، وَتُلَقِّنُوا الْمَعْلُومَةَ، فَأَخْلِصُوا للهِ قَصْدَكُمْ، وَابْذُلُوا الْخَيْرَ جُهْدَكُمْ، وَلَئِنْ وَاجَهْتُم فِي هَذَا السَّبِيلِ نُكْرَانًا أَوْ إِيذَاءً؛ فَإِنَّ رُسُلَ اللهِ قَدْ واجَهوا مِنْ ذَلِكَ أَضْعَافًا، وَهُمْ خَيْرُ الْمُعَلِّمِينَ، وَأَفْضَلُ النَّاصِحِينَ الْمُوَجِّهِينَ، فَهَنِيئًا لَكُمْ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُكُمْ كَسَبِيلِهِـمْ ، قالَ تعالى : " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ".

المرفقات

1723530852_التعليم.docx

المشاهدات 800 | التعليقات 1

مستفادة