معرفة الله

[font="] [/font][font="]الخطبة[/font] [font="]الأولى: معرفــــة الله[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="]إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله. اللهم فصلّ و سلم و بارك على سيّدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="]و بعد، عباد الله أجمل ما في الحياة معرفة الله تعالى.. ما من توبة إلاّ قَبِلَها.. و ما من مصائب و مشاكل إلاّ حلّها.. كلّ شيءٍ ذَلَّ لعزّته و تواضع لعظمته، و ضعُف لقُواه و افتقر لغناه.. الله سبحانه و تبارك جلّ جلاله.. أجمل ما في الحياة معرفة الله.. حياتك ستكون أجمل و أمورك ستكون أسهل.. سبحان الله هل هذا حقّ ؟.. يعني بمجرّد أن تتعرّف على الله حياتك ستكون أحلى ؟.. نعم يا إنسان لماذا ؟.. و هل من كرب أو غمٍّ جاءك إلاّ بالذنوب ؟.. فإذا عرفت أنّ الله هو الذي يغفرها و يبدّل حالك، ألست تسعد ؟.. و هل من صعوبة في الحياة إلاّ بسبب الكروب و المحن ؟.. المشاكل و الصعوبات و قلّة الرزق، فإذا علمت أنّ الله هو الرزّاق، إذا سألته أعطاك، ألا تكون حياتك سعيدة ؟.. و ألا تكون حياتك جميلة ؟.. وإذا عرفت أنّ سبب الحزن من المرض، وعرفت أنّ الله هو الشّافي، ألا يسعدك ذلك أن تعلم أنّ خالقك و رازقك هو أرحم الراحمين و أكرم الأكرمين قادرٌ على شفاءك بكلمة " كُنْ فيكون "، ألا تسهل أمورك و تكون أفضل و أحسن ؟.. [/font]
[font="]أيّها الناس، أجمل ما في الحياة معرفة الله.. فالحقّ تعالى يحبّ أن يُفَرِّجُ كربك أكثر ممّا تحبّ أنت أن يُفَرَّجَ كربك.. الله يحبّ أن يعطيك أكثر ممّا تحب أنت أن تُعْطى.. الله يحبّ أن يُنْعِمَ عليك أكثر ممّا تحبّ أنت النعم.. الله سبحانه و تعالى، أنظر إلى نبيّه صلى الله عليه و سلّم وهو يقول: " من لم يسأل الله يغضب عليه ".. و في حديث آخر قال النبيّ صلى الله عليه و سلم: " من نزلت به فاقة فأنزلها بالله يوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ، و من أنزلها بالنّاس اشتدّت صعوبته ". أي من أنزلها بالناس لم تسدّ فاقته.. فأجمل ما في الحياة معرفة الله تعالى .. كلّ شيء في الحياة يكون سهلا و جميلا.. " يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر ".. هذه صفة من صفات الله تعالى: الإرادة.. و إذا أراد الله شيئا فعله كما قال تعالى: " فَعَّالٌ لما يرد "، فإذا أراد الله بنا اليسر، ألا تكون حياتنا يسيرة ؟ نعم تكون يسيرة.. لذلك أجمل ما في الحياة معرفة الله..[/font]
[font="]يا مسلم ما ظنُّك بربِّكَ ؟ ماذا تعرف عن الله ؟ هل تدري أنّ الله عزّ و جلّ يفرح بتوبتك ؟ و يضحك لطاعتك.. سنعود إن شاء الله لهذا بالتّفصيل، و نعرف كيف يفرح الله بعبده ؟ و كيف يضحك لطاعة عبده.. هل تدري أنّ الله يضحك ؟.. كان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم رجل اسمه " أبو رُزَيْل "، سمع أن رسول الله عليه الصلاة و السلام يقول: " أنّ الله يضحك "، فقال: أَوَ يضحَكُ الرَّبُّ يا رسول الله ؟ قال: " نعم " قال أبو رزيل: إذا لم نَعْدِمْ من رَبٍّ يضحك خيرا !!![font="] أنظروا كم سعد هذا الرجل لمّا علم أنّ الله تعالى يضحك.. تصوّروا أنّكم تنظروا إلى الله يضحك لرجلٍ قد تاب.. يضحك لرجل قد صلح.. يضحك لرجل قام اللّيل.. إن كان في العمر بقيّة سنأخذ إن شاء الله هذه الصفات.. خطبة عن ضحك الله تعالى.. و خطبة عن رضاه سبحانه.. و خطبة عن غضبه عزّ و جلّ.. و خطبة عن جمال الله تقدّست صفاته.. و هكذا سنعرف الله تبارك و تعالى..[/font][/font]
[font="]و لكن أعود فأسأل: ما ظنّك بربّك يا مسلم ؟.. هل تعلم أنّ معرفة أسماء الله و صفاته تُحَسِّنُ ظنّك بالله.. و إذا حسُن ظنُّك بالله ماذا سيحدث ؟.. سيجزيك الله بحسن ظنّك، و الجزاء من جنس العمل.. ألم تسمع قول العزيز الغفّار في الحديث القدسي: " أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما شاء "، إن ظننت فيه سترا سترك، و إن ظننت فيه جبرا جبرك، و إن ظننت فيه رحمة رحمك، و إن ظننت فيه مغفرة غفر لك.. و في رواية أخرى: " فليظنّ بي ما شاء فإن خيرا فله، و إن شرّا فله ".. حاذر أن تغفل عن الله يا عبد الله.. إيّاك أن تجهل.. لأنّ من أساء الظنّ بالله كان شرّا عليه..[/font]
[font="]ما ظنّك بالله.. ما ظنّك بربّك ؟.. رحمته وسعت كلّ شيء.. ما ظنّك بربٍّ واسع المغفرة، يغفر لك ذنبك و إن كان مثل زبد البحر، و إن كان مثل عدد قطر الماء، و عدد أهل السّماء.. ما ظنّك بربٍّ يغفر زلّتك و يغسل حوبتك و يفرّج كربتك.. ما ظنّك بربٍّ يعاملك بالحسنة عشر أمثالها، و بالسيّئة بمثلها أو يعفو.. ما ظنّك بربٍّ سخّر لك كلّ شيء، و فرّغك لنفسه سبحانه و تعالى.. ما ظنّك بربٍّ يتنزّل إليك كلّ ليلة في الثلث الأخير من الليل و يقول: " هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، ليفرّج كربك و يزيل همّك و يغفر ذنبك ؟.. ما ظنّك بربٍّ رحم رجل قتل مائة ببعض خطوات مشاها ثمّ أدخله الجنّة.. ما ظنّك بربٍّ أدخل امرأة من البغايا الجنّة لأنّها سقت كلبا .. ما ظنّك بربٍّ كتب لامرأة الجنّة لأنها شقّت تمرة بين بنتيها.. ما ظنّك بربٍّ أدخل رجلا الجنّة وهو يتقلّب في أنهارها من أجل شوكة نزعها من طريق الناس.. ما ظنّك بربٍّ يستحيي من خلقه، و إله يستحيي من عبيده سبحان الله إنّ الله حييٌ كريمٌ يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين.. ما ظنّك ؟ ماذا تظنّ في الله تبارك و تعالى ؟ حسّن ظنّك في الله.. و اقترب و اعرف الله سبحانه ..[/font]
[font="]أحبّتي في الله: ما من نعمة إلاّ وهو الذي أنزلها.. ما من كسور إلاّ وهو جابرها.. ما من ذنوب إلاّ وهو الذي غافرها.. سبحانه .. فالله تعالى أجمل ما في الحياة معرفته.. و أجمل ما قال اللّسان ذكره.. و أجمل ما فعل القلب حبّه.. الله من هو ؟.. تعالى و لنقترب.. الله هو الواحد الأحد.. سبحانه ليس له شريك.. هو الرّحمان الرّحيم.. خلق الرّحمة مائة جزء، أنزل جزءا منها إلى الأرض تتراحم بها الخلائق.. فَبِهِ يتراحمون و به يتعاطفون حتّى أنّ الدّابة لَتَرْفَعُ حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه.. هذا هو الله جلّ جلاله، إن أذنبت أمهلك.. و إن تبت قبلك.. هذا هو الله الغفّار الغفور، يغفر ذنبا مهما كان: " قُلْ يا عِبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعا إنّه هو الغفور الرحيم ".[/font]
[font="]أن تيأس من النّاس، تيأس من ذنوبك، تيأس من نفسك، لكن لا تيأس من رحمة الله أبدا.. هذا هو الله.. يستر عيبك.. إنّ الله يحبّ الستر، لذلك يستر خلقه، و يعاقب من يفضحهم.. قال النبيّ صلى الله عليه و سلم: " يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين و لا تتّبعوا عوراتهم "، و من يتّبع عوراتهم، ( أنظر إلى ستر الله تعالى ) يغضب اللهممّن يفضح النّاس حتّى لو كانوا مذنبين، لأنّه يحبّ الستر سبحانه.. و من يتّبع عورات المسلمين يتتبّع الله عورته، و من تتبّع الله عورتَهُ فضحه في بيته.. إذا هذا هو الله القدّوس.. تقدّس عن الكذب: " و من أصدق من الله قيلا ".. تقدّس عن الظّلم: " إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة ".. تقدّس عن الزوجة و الولد و أنّه تعالى جدّ ربّنا: " ما اتّخذ صاحبة و لا ولدا ".. تقدّس سبحانه عن النّوم: " لا تأخذه سنة و لا نوم ".. تقدّس تبارك و تعالى عن الموت: " و توكّل على الحيّ الذي لا يموت ".. و تقدّس سبحانه أن يبدّل أحد شيئا أراده: " لا مبدّل لكلماته ".. تقدّس جلّ جلاله عن الشبيه: " ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ".. تقدّس عزّ و جلّ عن النسيان: " لا يضلّ ربّي و لا ينسى ".. تقدّس عن الجهل: " و أسرّوا قولكم أو اجهروا به إنّه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق و هو اللّطيف الخبير ".. هذا هو الله سبحانه و تعالى.. الملك.. يعني الذي يتحكّم في كل شيء بأمره و نهيه.. إذا أراد شيئا، أو أمر بشيء قال له كن فيكون، كما قال سبحانه: " إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ".. خلق السماوات و الأرض ثمّ قال لهما ائتيا طوعا أو كرها.. قالتا: أتيْنا طائعين.. سماءٌ ذات بروج.. و أرضٌ ذات فجاج.. و بحارٌ ذات أمواج.. كلّها تدين لعظمته سبحانه جلّ في علاه.. و الخلق كلّهم يخضعون لعزّته و يتواضعون لعظمته..[/font]
[font="]أيها النّاس: هل تعلمون أنّ كلّ الخلق يعرفون الله.. و كلّ الخلق يحبّون الله.. و كلّ الخلق يعبدون الله.. قال تعالى: " و إن من شيء إلاّ يُسبّح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم ".. سبحان الله العظيم هذا الكلام في منتهى الخطورة علينا أبناء آدم.. الذئب يعرف من رزقه، قال للرجل الرّاعي: أتأخذ منّي رزقا ساقه الله لي ؟.. البقرة تعرف ومن خلقها و لم خلقها ؟.. قالت لمن ركبها: إنّا لم نخلق لهذا !![font="] الأرض و السماوات و الجبال.. الأرض من تحتنا و السماء من فوقنا و الجبال من حولنا تعبد الله، كلّها تعبد الله وهي جنود من جنود الله.. كيف ذلك ؟ هذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية..[/font][/font]
[font="]أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم..[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="]الثانية: كيف تعرفه و أنت لا تبحث عنه ؟..[/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله الذي أذن لنا بذكره.. الحمد لله الذي ألهمنا شكره.. الحمد لله الذي علّمنا أسماءه و صفاته.. الحمد لله الذي مدّ في أعمارنا و رزقنا نعمة الإسلام.. و نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يثبّتنا عليه حتّى نلقاه.. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله اللهم فصل و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين.. أمّا بعد:[/font]
[font="]السماوات و الأرض و الجبال تتفاعل معه سبحانه و تعبده بأسمائه و صفاته.. أما رأيتم الجبل إذا سمع كلام الله تَدَكْدَكَ و تصدّع و خشع: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدِّعا من خشية الله "، و القرآن كلام الله، و كلام الله صفة من صفاته.. السماوات و الأرض و الجبال توحّد الله و تغضب على من أشرك بالله.. حينما قال النصارى: أنّ هناك لله ولد.. من الذي غضب ؟.. السماوات من فوقهم و الأرض من تحتهم و الجبال من حولهم.. كلّهم يريدون أن يهلكوا بني آدم الذين ذكروا شيئا من العيب و نسبوه لله.. قال تعالى: " و قالوا اتّخذ الرحمان ولدًا * لقد جِئْتُمْ شيئا إِدًّا * تكاد السماوات يتفطَّرْنَ مِنْهُ و تَنْشَقُّ الأَرْضُ و تَخِرُّ الجبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا للرحمن ولدًا * و ما ينبغي للرحمن أنْ يتَّخِذَ ولدًا ".. [/font]
[font="]سبحان الله العظيم، و البحر يموج موجا و يحب ربّه حبّا.. الموج يحبّ الله و البحر يحبّ الله و الحوت يسبّح الله.. أما سمعتم قول النبيّ صلى الله عليه و سلم في صحيح ابن حبّان: " إنّ البحر يستأذن الله تعالى كلّ يوم أن يَنْفَضِخَ على بني آدم، يريد ألاّ يكون هناك معصية على أحدِ شواطئه لله عزّ و جلّ لا يريد أحد يؤذي الله معه، فيقول النبيّ عليه الصلاة و السلام: إنّ البحر يستأذن كلّ يوم كي ينفضخ على بني آدم فيكفّه الله ".. الحوت في البحر و النمل في الجحر و الطير في الوكر يعبدون الله.. يعرفون الله.. يذكرون الله.. يسبّحون الله.. و يغضبون لله.. [/font]
[font="]سبحانه، من كان قبل الخلق أجمعه.. لا قبل مِنْ قَبْلِهِ.. لا بعد إلاّ هو.. ربّ الوجود تعالى أن يحيط به علم العباد.. بلا شرك عبدناه.. فانظر.. تأمّل.. تفكّر.. سوف تعرفه و في كلّ شيء توقن أنّه الله.. هو الذي خلق الأشياء من عدم.. و كلّ شيءٍ يسبّحه و يخشاه.. [/font]
[font="]الشمس و البدر من أنوار حكمته.. و البرّ و البحر فيضٌ من عطاياه.. الشمس و القمر تسجدان له، و النّجم و الشجر و كلّ شيء يسبّحه و يخشاه.. و المزن سبّح في جوّ السماء طربا و الرّعد قدّسه و الرّيح تهواه.. البحر مجّده و الموج كبّره و الطّير سبّحه و الحوت ناجاه.. و الصّخر يهبط من عليائه خوفا و يقطر الماء ممّا يخشاه.. و النّمل تحت الصخور الصُمّ يعرفه و النحل يهتف حمدا في خلياه.. الكون يشكره و العبد يكفره و العبد ينسى و ربّي ليس ينساه.. من ذا الذي يسمع الشكوى و يرفعها و يستجيب لخلق الله إلاّهُ.. فكلّ ما حولنا فينا يذكّرنا إذا نسينا بأنّ إلهنا الله.. أختُصَّ باسمٍ فلم يُحْظ به أحدٌ و لا يُحْظى به أحدٌ و ذاك الاسم معروف هو الله..[/font]
[font="]سبحانه و تعالى جلّ في علاه.. كل الخلق يعرفونه.. كلّ الخلق يحبّونه.. كلّ الخلق يتنافسون في عبادة الله.. لو نحاول أن نخرج من هذا الهمّ المترجم لمعاصي الناسي و نصعد في السماء و لننظر، لو أنّ فتح لنا مقطع في السماء، ما الذي سنراه في السماء ؟.. السماء الواحدة سمكها خمسُ مائة سنة.. مملوءة ملائكة.. يقول من يصلّي عليه الرحمان و ملائكته: " ما من موضع أربع أصابع في السماء إلاّ و فيه ملك " ماذا يفعلون ؟ إلاّ و فيه ملكٌ راكع.. و ملكٌ ساجد.. و ملكٌ قائم.. يعبدون الله عزّ و جلّ.. لو أنّك نزلت قليلا من السماء، ما الذي ستجده ؟ ستجد شمسا.. ماذا تفعل الشمس ؟ تذهب عند الغروب لتسجد عند عرش الرّحمان.. و الحديث في صحيح مسلم قال النبيّ صلى الله عليه و سلم لأبي ذرّ: " أتدري أين تذهب الشمس حين تغرب يا أبا ذرّ ؟ قلت: الله و رسوله أعلم. قال: تذهب فتسجد تحت العرش ثمّ تستأذن الله في الرجوع فيأذن لها فإذا كان يوم القيامة لم يأذن لها في الرجوع ". سبحان الله، و انظر إلى الرّعد يسبّح بحمده و الملائكة من خيفته.. لو نزلت قليلا لوجدت أنّ المطر ينزل، ممّن ؟ من الله: و ينزّل الغيث.. و كان رسول الله يحبّ أن يأتي كلّ شيء من عند الله.. انزل قليلا ستجد الجبال.. الجبال تخشع و تخضع و تبكي، بل و تهبط من خشية الله قال تعالى: " ثمّ قست قلوبكم ". يا من قست قلوبكم أين أنتم ؟ لتتعلّموا الخشوع من الجبال و لتتعلّموا الدّموع من قمم العوالي، ما من جبل سقطت منه صخرة إلاّ من خشية الله. قال الله تعالى: " ثمّ قسَتْ قلوبُكُم مِن بعدِ ذلك فَهْيَ كالحِجارةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوةً و إنَّ مِنَ الحجارةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ منهُ الأَنْهارُ و إنّ مِنْها لَمَا يَشَّقَّقُ فيخْرُجُ مِنْهُ الماءُ و إنَّ مِنها لما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ و ما اللهُ بِغافلٍ عمّا تَعْملونَ ". وقال بعض المفسّرين في الماء الذي يهبط من الجبال هو " دموع للجبال "، هل رأيت جبلا يبكي من خشية الله سبحانه و تعالى؟.. هل تبكي أنت من خشية الله عزّ و جلّ ؟.. أيها الناس: لو فهم الصحابة الإسلام كما نفهمه نحن الآن ما خرج رجل واحد من مكّة و ما وصل الإسلام إلى صور الصين العظيم.. [/font]
[font="]أخي المسلم، أعلم أنّك عن قريب سوف تغادر هذه الحياة إلى عالم البرزخ، عالم الغيب و الشهادة.. و أعلم أنّ الموت يأتي بغتة، و الحياة تنتهي فجأة، و لحظة الموت صمت رهيب سوف يمرّ بها كلّ إنسان، لحظة صمت تسقط فيها كلّ الأصوات، لحظة ظلام تخفت فيها كلّ الأنوار. ثمّ ظلام دامس و صمت رهيب قاتل. ثمّ إلى روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار..[/font]
[font="]تجهّز يا مؤمن من الآن و استعدّ إلى ما بعد الموت، إلى يوم مقداره خمسون ألف سنة، و لتنظر نفس ما قدّمت لغد. و أعلم كذلك أنّك قادم على طول سفر وقلّة زاد و ضعف يقين و خوف الوقوع من الصراط في النّار. ألا تعرف عبد الله لماذا نخاف الموت ؟ لأنّنا عمّرنا دنيانا و خرّبنا آخرتنا، و الإنسان لا يحبّ أن ينتقل من الأعمار إلى الخراب. و كما قال سيّدنا على ابن أبي طالب كرّم الله وجهه " التقوى هو الخوف من الجليل، و العمل بالتّنزيل، و الرّضا بالقليل، و الاستعداد ليوم الرّحيل ". أكثر من ذكر هاذم اللّذات فإنّه يجعلك تخاف مولاك و تقف عند حدوده و لا تبارزه بالمعاصي، فإنّ الله لا يجمع على العبد أَمْنَيْن و خَوْفَيْنِ، من خافه في الدّنيا آمَنَهُ في الآخرة و من آمَنَهُ في الدّنيا أخافه في الآخرة.. [/font]
[font="]اللهمّ أهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولّنا فيمن تولّيت، و بارك لنا فيما أعطيت، و فنا و اصرف عنّا شرّ ما قضيت، فإنّك تقضي و لا يقضى عليك، و إنّه لا يذلّ من واليت، و لا يعزّ من عاديت، تباركت ربّنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك.. اللهم أهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلاّ أنت.. اللهمّ أهدنا لصالح الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردّنا، و اجعل الحياة زادا لنا من كلّ خير، و اجعل الموت راحة لنا من كلّ شرّ يا ربّ العالمين.. اللهمّ أكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمّن سواك.. اللهمّ بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحقّ و الدّين، و انصر الإسلام و أعزّ المسلمين، و أذلّ الشرك و المشركين، و خذ بأيد ولاّة المسلمين لما تحبّ و ترضى، إنّك على ما تشاء قدير، و لا تعاملنا بفعل المسيئين، و دمّر أعداءك أعداء الدّين و اجعل تدبيرهم في تدميرهم يا رب العالمين.. آمين يا رب العالمين و صل وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="]عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون. اذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.[/font]
[font="]
[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="]الشيخ محمّد الشاذلي شلبي [/font]
[font="] الإمام الخطيب[/font]
[font="] جامع الإمام محمّد الفاضل بن عاشور[/font]
[font="] بالزّهـور الرّابع- تونس [/font]
المشاهدات 3288 | التعليقات 1

خطبة قيمة

جزاك الله خيرا