معالم إيمانية من يوم عاشوراء
د.صالح بن سليمان الضلعان
1437/03/06 - 2015/12/17 17:27PM
[type=549660]الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ، جعلنا من خيرِ الأممِ، وأسبغَ علينا ما لا يُحصى من النعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعَهم إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: أُوصيكم بوصيةِ اللهِ تعالى للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
أيها المسلمون، عاشوراء يوم عزة وتمكين، يوم مغفرة وتطهير، يوم شكر وتحدث بالنعم.
ما أعظم معانيه! وما أجل عظاته!
لك فيه أيها المؤمن وقفات لا ينقطع نفعها، ومعين لا ينضب صفاؤها، ودع عنك دعاوى أقوام أحدثوا فيه أقوالا وأفعالا ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
فقف...وتفكر... وسر بيقين دربك إلى موعود ربك.
هذا اليوم يذكرنا.... أن العاقبة لمن اتقى، وأن نصر الله تعالى لأوليائه قريب، وأن الكافر وإن غرته مهلة الزمان، وركن إلى قوة رأى بها أنه الأغلب والأظهر فقال" من أشد منا قوة" فإن أمره إلى بوار، وقوته إلى صغار ففرعون رأى في قوته وملكه ما دعاه أن ينادي ويقول " أنا ربكم الأعلى" فإذا عاقبة لم يحسب لها حسابا صار بها أسفل ما يكون أرضا، وما استطاع أن يعلو حتى على الماء الذي تعلوه أضعف الكائنات خلقة..... فيوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين ، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق .
هذا اليوم يذكرنا... أن النعم حين لا يقارنها الشكر فهي مهددة بالزوال، فبالشكر تدوم النعم وتزيد، فلما كانت النجاة لموسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ في هذا اليوم، سارع بالشكر والتحدث بالنعمة بأن صام ذلك اليوم لله تعالى، ولذلك أيضا صامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فكانت نجاة موسى ـ عليه الصلاة والـسـلام ـ وقـومــه من فرعون.. منَّة كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم، فكان بذلك وغيره من العبادات شــاكــرًا لله تعالى ؛ إذ الـعـمــل الـصـالـح شـكر لله كـبـيـر، قــال ربـنــا ـ عز وجل ـ: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" [سبأ:
هذا اليوم يذكرنا.... أن الولاء معقود بين المؤمنين بإيمانهم، وإن تباعد أمد الزمان، وامتد طرف المكان، وأن الكافرين لا حظ لهم في ذلك الولاء وإن ادعاه من ادعاه بهتانا وزورا، فاليهود وإن جمعهم مع موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ نسبهم من بني إسرائيل، إلا أن الأحق به ولاء واتباعا هم المؤمنون الصادقون، وهـكذا تتوحــد المشاعر، وترتبط القلوب ((إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء: 29]. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".متفق عليه
فيوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
هذا اليوم يذكرنا بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.
هذا اليوم يذكرنا... أنك من أمة لها من المكانة أسماها، وأن التطلع إلى بضاعة مخالفيها دنو تذل به النفس وتضيق به النظرة، فكان على أفرادها اجتناب التشبه بأعدائها إبقاء للتميز وحفاظا على سمو المكانة، ولذك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود في صيام هذا اليوم بأن يصام التاسع معه، فقد روى مسلم(1134) من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
هذا اليوم يذكرنا....بأنه يوم صوم له من فضائل الصوم العامة التي لا تغيب عنك، وأخرى تحبها النفس فصيامه يكفر ما مضى من أيام عامك المنصرم، وأنت قريب عهد بها ولا تدري كم من مثقال قد كتب عليك! وكم من ذنب فعلت ! فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال:" يكفر السنة الماضية" رواه مسلم 1162)من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قـال البـيـهـقـي: وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
غدا هو العاشر من محرم.. وقد وقع النصر المبين لموسى -عليه السلام- ومن معه، في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ولهذا صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحرَّى صيامه، وأمر الأمة بصيامه, وعند مسلم سئل صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال: "يكفر السنة الماضية" أي: الصغائر.
والسنة في صيام عاشوراء أن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده وصيام التاسع مع العاشر أفضل فقد روى مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع" رواه مسلم.
ولا يكره صيام يوم عاشوراء فقط، وإن وافق يوم الجمعة أو السبت؛ لأن النهي عن إفراد الجمعة بالصيام، أو السبت عند من يرى النهي فيه، إنما هو لمن صام من أجل أنه الجمعة أو السبت، أما إذا كان للصيام في أحدهما سبب شرعي يقتضيه كأن يوافق يوم عاشوراء أو يوم عرفة فلا حرج في الصيام حينئذ.
هذا وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله النبيّ الأمّيّ.
اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
اللهم ارضي عن خلفاءه الراشدين وزوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين اللهم ارضي عنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل
اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون[/type]
الحمدُ للهِ، جعلنا من خيرِ الأممِ، وأسبغَ علينا ما لا يُحصى من النعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعَهم إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: أُوصيكم بوصيةِ اللهِ تعالى للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
أيها المسلمون، عاشوراء يوم عزة وتمكين، يوم مغفرة وتطهير، يوم شكر وتحدث بالنعم.
ما أعظم معانيه! وما أجل عظاته!
لك فيه أيها المؤمن وقفات لا ينقطع نفعها، ومعين لا ينضب صفاؤها، ودع عنك دعاوى أقوام أحدثوا فيه أقوالا وأفعالا ما أنزل الله تعالى بها من سلطان.
فقف...وتفكر... وسر بيقين دربك إلى موعود ربك.
هذا اليوم يذكرنا.... أن العاقبة لمن اتقى، وأن نصر الله تعالى لأوليائه قريب، وأن الكافر وإن غرته مهلة الزمان، وركن إلى قوة رأى بها أنه الأغلب والأظهر فقال" من أشد منا قوة" فإن أمره إلى بوار، وقوته إلى صغار ففرعون رأى في قوته وملكه ما دعاه أن ينادي ويقول " أنا ربكم الأعلى" فإذا عاقبة لم يحسب لها حسابا صار بها أسفل ما يكون أرضا، وما استطاع أن يعلو حتى على الماء الذي تعلوه أضعف الكائنات خلقة..... فيوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين ، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل أحياناً يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق .
هذا اليوم يذكرنا... أن النعم حين لا يقارنها الشكر فهي مهددة بالزوال، فبالشكر تدوم النعم وتزيد، فلما كانت النجاة لموسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ في هذا اليوم، سارع بالشكر والتحدث بالنعمة بأن صام ذلك اليوم لله تعالى، ولذلك أيضا صامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فكانت نجاة موسى ـ عليه الصلاة والـسـلام ـ وقـومــه من فرعون.. منَّة كبرى أعقبها موسى بصيام ذلك اليوم، فكان بذلك وغيره من العبادات شــاكــرًا لله تعالى ؛ إذ الـعـمــل الـصـالـح شـكر لله كـبـيـر، قــال ربـنــا ـ عز وجل ـ: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" [سبأ:
هذا اليوم يذكرنا.... أن الولاء معقود بين المؤمنين بإيمانهم، وإن تباعد أمد الزمان، وامتد طرف المكان، وأن الكافرين لا حظ لهم في ذلك الولاء وإن ادعاه من ادعاه بهتانا وزورا، فاليهود وإن جمعهم مع موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ نسبهم من بني إسرائيل، إلا أن الأحق به ولاء واتباعا هم المؤمنون الصادقون، وهـكذا تتوحــد المشاعر، وترتبط القلوب ((إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء: 29]. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ".متفق عليه
فيوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
هذا اليوم يذكرنا بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدد في النفس كل سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه، وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.
هذا اليوم يذكرنا... أنك من أمة لها من المكانة أسماها، وأن التطلع إلى بضاعة مخالفيها دنو تذل به النفس وتضيق به النظرة، فكان على أفرادها اجتناب التشبه بأعدائها إبقاء للتميز وحفاظا على سمو المكانة، ولذك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود في صيام هذا اليوم بأن يصام التاسع معه، فقد روى مسلم(1134) من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
هذا اليوم يذكرنا....بأنه يوم صوم له من فضائل الصوم العامة التي لا تغيب عنك، وأخرى تحبها النفس فصيامه يكفر ما مضى من أيام عامك المنصرم، وأنت قريب عهد بها ولا تدري كم من مثقال قد كتب عليك! وكم من ذنب فعلت ! فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال:" يكفر السنة الماضية" رواه مسلم 1162)من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قـال البـيـهـقـي: وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
غدا هو العاشر من محرم.. وقد وقع النصر المبين لموسى -عليه السلام- ومن معه، في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ولهذا صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحرَّى صيامه، وأمر الأمة بصيامه, وعند مسلم سئل صلى الله عليه وسلم عن صيامه فقال: "يكفر السنة الماضية" أي: الصغائر.
والسنة في صيام عاشوراء أن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده وصيام التاسع مع العاشر أفضل فقد روى مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: حين صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع" رواه مسلم.
ولا يكره صيام يوم عاشوراء فقط، وإن وافق يوم الجمعة أو السبت؛ لأن النهي عن إفراد الجمعة بالصيام، أو السبت عند من يرى النهي فيه، إنما هو لمن صام من أجل أنه الجمعة أو السبت، أما إذا كان للصيام في أحدهما سبب شرعي يقتضيه كأن يوافق يوم عاشوراء أو يوم عرفة فلا حرج في الصيام حينئذ.
هذا وصلّوا وسلّموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله النبيّ الأمّيّ.
اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا اللهم توفنا على ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
اللهم ارضي عن خلفاءه الراشدين وزوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين اللهم ارضي عنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل
اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون[/type]