معادن الناس (2)

أمير محمد محمد المدري
1438/05/17 - 2017/02/14 12:09PM

معادن الناس «2»

الحمد لله ذي الفضل والإنعام وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلاَّم.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبت الشهور والأعوام.
أما بعد أيها المسلمون
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا فبها تتحقق الخيرات وتحصل المسرات وتكشف الكربات.
لا زلنا وإياكم مع معادن الناس في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وقفنا مع أصحاب المعادن الخبيثة الرديئة ولا زلنا مع تلك المعادن التي أصبحت قلوبهم وعقولهم أوعية للنفايات ونفوسهم خربة مريضة تأبى الحق وترفض الخير وتنفر من سماعه وتشمئز من ذكر الله.
قال تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر: 45]
هذه المعادن أصبحت ترى القبيح حسناً والحسن قبيح والخبيث طيب والطيب خبيث.
قال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [فاطر: 8]
وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].
وقد شبههم الله q بالذي يمشي مُكِبّاً على وجهه لا يدري أين المصير والمآل والمنتهى، قال تعالى:
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك: 22]
وقال عنهم: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة: 18]
وقد ذكر الله في كتابه أمثلة لهذه المعادن الخبيثة فمنهم:
أولاً: قوم لوط ومن سار على شاكلتهم الذين فسدت أخلاقهم وخبُث معدنهم وانقلبت موازينهم فاعتبروا الطهر والعفاف جريمة عقوبتها الطرد والإبعاد، وأعلنوا الحرب على نبيهم ومن معه فقالوا كما قال تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [النمل: 56]
ما جريمتهم ما ذنبهم؟ (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف: 82]
فنجّى الله نبيه لوط والمؤمنين أهل الطهر والعفاف وكانت عاقبة المجرمين الشواذ من جنس عملهم. قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) [هود: 82]
فكل من نهج نهج قوم لوط وعمل عملهم فهو ملعون مطرود، إلا أن يتوب ويعود إلى الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غير تخوم الأرض، ولعن الله من كمه أعمى عن السبيل، ولعن الله من سب والديه، ولعن الله من تولى غير مواليه، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط قالها ثلاثاً في عمل قوم لوط». [صححه ابن حبان «4417»، والحاكم «4/356»، وذكره الألباني في صحيح الترغيب «2421»].
ثانياً: قوم شعيب الذي طففوا في المكيال والميزان وبخسوا الناس أشياءهم وغشوا في معاملاتهم، قال لهم نبيهم كما قال تعالى: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) [الشعراء: 181]
ماذا كان رد القوم الظالمين؟ (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) [الأعراف: 88]
عجيب فالإيمان بالله ومحبة المؤمنين جريمة في نظر الظالمين عقوبتها الطرد والإبعاد.
وممن انقلبت عندهم الموازين المنافقين فراحتهم، سعادتهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف والعجيب أنهم يُسمّون إفسادهم إصلاحاً وهدمهم بناءً كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة: 11]
والواقع مليء بالأمثلة على انتكاس القيم وقلب الحقائق والصدق كذب والكذب صدق والأمين خائن الخائن أمين.
(فكم من عفيفٍ طاهر داعٍ إلى الفضيلة تآمر عليه أهل الرذيلة ومنعوه حقوقه وحاربوه في رزقه، وقالوا نحن نحارب الإرهاب وكذبوا إنها نفس المدرسة القارونية والفرعونية واللوطية التاريخ يعيد نفسه.
(وكم من إنسان مُنحل تاركٌ لزوجته الحلال الطيبة مشمئزاً منها باحثاً عن الحرام الجيفة النتنة مُتهماً الناصح له بالحسد.
(وكم من مُكتسب اللقمة الملوثة الحرام تراه متلذذاً بها مُتفاخراً أمام الآخرين بمغامراته في الاحتيال والرشوة.
وما كثرت عصابات السرقة والاحتيال إلا لأننا ضيَّعنا حدود الله التي فيها الحياة والأمن والأمان.
(وكم من إنسان رجلاً كان أو امرأة وهبه الله مالاً والمال خير فبطر واغتر وافسد به قلبه وجوارحه ودينه ودنياه وأصبح ماله حطباً ووقوداً له في النار.
قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) [الهمزة: 6].
وهؤلاء الذين جمعوا المال والثروة ومنعوا حق الله فيه فحولوه بذلك من نعمة إلى نقمة قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة: 34]
ومثل ذلك من وهبه صوتاً جميلاً فأفتتن به وسخّره للشر فأنسى به الناس عن ذكر الله، قال تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء: 64]
فهذا أحد المشهورين في الغناء يدخل على مسرح امتلأ بالمعجبين وبدأ يغني وهم يستمعون ويرقصون وبينما هو يغني ترنح قليلاً وسقط فحرّكوه فإذا هو قد مات. الله المستعان يبعث المرء على ما مات عليه.
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة» [صحيح الجامع]
الله الله عباد الله: في أعماركم وأوقاتكم اغتنموها بالطاعة والذكر والقران تفوزا في ذلك اليوم: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 89]
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين لنعمه وآلائه، وأُصلي وأسلم على خير خلق الله الرحمة المهداة محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
وبعد عباد الله::
كم من أُناسٍ وهبهم الله قوة وشجاعة فاستخدموها في الظلم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل أو ضحّوا بها في سبيل شهواتهم ونزواتهم.
يا الله طهِّرنا وطهِّر قلوبنا ونفوسنا من كل سوء وفحشاء يارب العالمين.
كم من إنسانٍ وهبه الله فطنة وذكاءً وفصاحة وقلماً فاستعمل كل ذلك في النفاق والتلبيس على الناس وقلب الباطل حق والحق باطل.
كم من إنسان وهبه الله وجاهة ومنصباً فطغى وتجبر وتكبر وظلم ولم يحمد الله ولم يتواضع له بل نسي أو تناسى أن المسؤولية أمانة وأنها حرة وندامة يوم القيامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها.
فهؤلاء جميعاً شوهوا نعمة الله ودنّسوها واستخدموها في الحرام فصدق فيهم قول الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28]
عباد الله: هذه المعادن الخبيثة وصفهم الله بأقبح الصفات ومثلهم بأسوأ الأمثال.
وصفهم الله بأنهم كالدواب والأنعام همهم المأكل والمشرب والمتاع فهم كذلك بل أضل منها أما الدواب والأنعام فهي لا تعصي الله ولا تنسلخ من فطرتها كما يفعل الإنسان الظلوم الجهول قال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44]
وقال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الجمعة: 5]
ومنهم من يسمع الموعظة والذكرى فيفر منها، وشبههم الله في ذلك كالحمير الفارَّة من الأسود.
قال تعالى: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ) [المدثر: 53]، وشبّههم الله جل جلاله بالكلاب في دناءتها وقذارتها وضيق صدرها وذلك مثَل من انسلخ من آيات الله بعد أن اهتدى بها ولم ينتفع بعلمه بل اتبع هواه واخلد إلى الدنيا فهو يلهث كالكلب وراء شهواته وأطماعه.
قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 175]
(ومثَّلهم بالخُشُب المسنّدة.
قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) [المنافقون: 4]
ومثَّلهم بالأحجار في قسوتها وانعدامها إلى الإحساس والشعور.
قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 74]
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «أربعٌ من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا».
اللهم أصلح القلوب والأعمال وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين. اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى واجعلنا من عبادك المهتدين.
هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

المرفقات

2-معادن الناس.doc

2-معادن الناس.doc

المشاهدات 1221 | التعليقات 0