مظاهر حب الشيخين لآل البيت

[align=justify]مظاهر حب الشيخين لآل البيت
حب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتوقيرهم، وتقديرهم من صميم عقيدة المسلم، فلا يتصور ممن رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا أن يَسبَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يطعنَ فيهم، أو يُكَفِّرَ أحدًا منهم والعياذ بالله؛ وما ذاك إلا لإيمانه بحقهم ومكانتهم عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بقدرهم وشأنهم، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:100]، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ) متفق عليه .
فأي فضيلة بلغوها؟! وأي مكانة وصلوا إليها؟! وأي فوز وشرف يفوق ثناء رب العالمين، وصحبة سيد المرسلين؟!
إن الصحابة الكرام قوم رضي الله تعالى عنهم، وأكرمهم بجنته؛ لتعلم الأمة شأنهم وحالهم، وكيف لا يرضى عنهم وقد اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فما فارق الدنيا إلا وهو عنهم راض، ومن حُبِّهِ لهم: إخباره بعظيم مكانتهم، ونهيه عن سبهم؛ لنعرف كبير حقهم عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، غير أن الطائفة المخذولة من الروافض لا يعرفون لكتاب الله حقًا، ولا يقيمون لسنة نبي الله صلى الله عليه وسلم وزنًا، فأخذوا يطعنون في الصحابة العظام بسبهم وتكفيرهم وعلى رأسهم الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فهل هؤلاء يسيرون على هدى القرآن، وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم؟ كلا والله! فنصوص الشريعة تذم فعلهم، وتهدم فكرهم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...) الآية، قال: "أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهُمُ وأفضلُهُم، أعني الصديقَ الأكبرَ والخليفةَ الأعظمَ أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضلَ الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أنَّ عقولَهم معكوسةٌ، وقلوبَهم منكوسةٌ، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم؟! وأما أهلُ السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبَّهُ اللهُ ورسولُهُ، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يَبْتَدُون؛ ولهذا هم حزبُ الله المفلحون، وعبادُهُ المؤمنون" .
إنه كلام نفيس جدًا من الحافظ ابن كثير رحمه الله، فقد بيَّن أن الرافضة يجعلون خليفة رسول الله الصديق أبا بكر رضي الله عنه في الدرجة الأولى في قائمة سبهم وشتمهم قبحهم الله، ثم يأتي بعده عندهم أمير المؤمنين عمر، ولا شك أن من سار على طريق السنة رفض فعلهم، ومقت عملهم، فهذه العقيدة الفاسدة التي انطوت عليها قلوب الروافض ترفضها شريعة الإسلام، وتنبذها سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فعقيدة الشيخين وبقية الصحابة الكرام رضي الله عنهم كلها تقدير واحترام وإجلال لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا آل البيت يعرفون حق الشيخين، وفي هذه الخطبة والتي تليها بإذن الله عرض لمظاهر حب الشيخين لآل البيت وحب آل البيت للشيخين؛ لنعلم عظيم الحب والمودة التي كانت بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا، وبين ما يفعله الرافضة في كل عصر.
أيها المؤمنون، أولى مظاهر حب الشيخين لآل البيت: ما جاء عن أبي الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي" متفق عليه . وقال رضي الله عنه: "ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ" . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يخاطب بذلك الناس، ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم" . إنها محبة الصديق التي يشك فيها مؤمن، إنها الأخلاق الكريمة، والخصال الجميلة، هكذا يقول، وهكذا يوصي ويحرص رضي الله عنه.
ومن المظاهر الجميلة حفظتها لنا السنة الغراء: ما كان من ملاطفة أبي بكر الصديق للحسن بن علي حين رآه يلعب ألعاب أطفال ذلك العصر المبارك، وكانت هذه الملاطفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال ، إنه موقف جميل يكشف عن مكنون حب الصديق تجاه آل البيت، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ العَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: "بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ"، وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ .
أرأيتم جمال المحبة بين الصحابة كيف كانت، وكيف بلغت؟! فكيف يطعن إنسان بعد هذا في محبة أبي بكر لآل البيت؟! أيعقل أن الصديق يبغضهم؟! حاشاه رضي الله عنه، فهذا الموقف يثبت عميق حبه لهم، قال الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث فضل أبي بكر، ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم" ، وفي المقابل: يدل سرور الإمام علي رضي الله عنه على قبوله لكلام الصديق، وتصديقه، ورضاه بذلك .
إخوة الإيمان، لقد كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه عارفًا بحق آل البيت، حريصًا عليهم، موصيًا بهم، لطيفًا معهم، وهكذا ينبغي علينا عباد الله أن نعرف حق آل البيت اقتداء بصديق هذه الأمة أبي بكر رضي الله عنه، فهذه النصوص تثبت محبته، ومعرفته، وترد على الروافض الذين ينتقصون من قدره العلي، وشأنه السَّنِي.
يا آلَ بَيْتِ رسولِ الله حبكمُ .. فرضٌ من اللهِ في القرآن أنزلَهُ
كفاكم من عظيمِ الفَخْرِ أنكمُ .. من لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ لَهُ
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة ...
الخطبة الثانية:
أما بعد: إذا كان صديق هذه الأمة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفًا بحق آل بيت، فخليفته من بعده لا يحيد عن خطاه، فها هو أمير المؤمنين عمر يضرب مثالًا رائعًا في حُبِّهِ لآل البيت: كان رضي الله عنه وأرضاه إذا اجدبت الأرض، وقلَّ الطعام، واشتد الحال بالمسلمين، طلب الدعاء من عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس رضي الله عنه، وما طلبه إلا دلالة على حبه لآل البيت الكرام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا"، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ . فتأملوا تواضع أمير المؤمنين عمر، ومعرفته بمكانة آل البيت .
ومن تواضعه وتقديره لآل البيت: تقديمه لإسلام العباس رضي الله عنه على إسلامه رغم سبقه ومكانته في الدين. قال رضي الله عنه: "فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما ذاك إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم" .
ومن لطيف المواقف التي تظهر حب أمير المؤمنين عمر لآل البيت: ترتيبه لديوان العطاء على قدر الناس، حيث جعل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في المقدمة، ثم من دونهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء، كتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بأقربهم فأقربهم نسبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انقضت العرب ذكر العجم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك" . رضي الله تعالى عن الشيخين، فهذه سيرتهما عند أهل السنة الذين يعرفون قدرهما، ومكانتهما، وإن المؤمن لسائر على طريقهم ليزداد حبًا لهما، وتصديقًا بمكانتهما، ومخالفة لعقيدة الرافضة في التبرؤ من الشيخين رضي الله عنهما. عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
[/align]
المرفقات

مظاهر حب الشيخين لآل البيت.docx

مظاهر حب الشيخين لآل البيت.docx

مظاهر حب الشيخين لآل البيت.pdf

مظاهر حب الشيخين لآل البيت.pdf

المشاهدات 1716 | التعليقات 0