مظاهر الترف عند الشباب

د. ماجد بلال
1442/02/29 - 2020/10/16 08:19AM

خطبة مظاهر الترف عند الشباب

ماجد بلال شربه / جامع الرحمن بتبوك/ 22/2/1442هـ

يُغرق كثير من الإباء والامهات على أولادهم في مظاهر الترف بدافع الرحمة والشفقة والدلال، وأحيانا مظاهاة لأولاد فلان أو فلان حتى لا يكون اقل منهم،

جوال ذكي واحيانا جوال جديد في كل سنة على شكل هدية في عيد ميلاده، ودموعه تنهمر من شدة الفرح، انترنت مفتوح ومكالمات مفتوحة وفاتورة مسددة، ولا اشكال على الراشد، لكن المشكلة انه قد يكون طفلا لا يدرك خطورة الأجهزة التي يستخدمها،

 

مصروف مرتفع قد يصل الى راتب موظف، ومع هذا الراتب طبعاً تراه لا يأكل في البيت أبداً، ولا يعجبه أصلاً، قصة شعره هي اقصى اهتماماته، متابعته لموضة الملابس والازياء تفوق بها على اخواته.

 

سيارة رياضية فارهة، ليست من وظيفته وعرق جبينه، بل اشتراها له ابوه او امه أحيانا ، حتى لا يصاب الابن بأزمة نفسية أو ينكسر قلبه لأن سيارته الصغيرة لا ترقى الى مستوى سيارات زملائه الفارهة، ولا يمكن أن تكون السيارة فارغة من الوقود، بل لها راتب مستقل، والنتيجة دوران في الشوراع، معاكسة للفتيات، تجميع للمنحرفين، سهر الى الصبح.

من الحلول المقترحة لإشغال الشباب إشراكهم في النوادي الرياضية التي تسحب طاقتهم وتفرغها، لأن الشباب لديهم طاقات رهيبة، فأقرانهم من الشباب غير المترفين يعملون لكسب عيشهم في مهن تحتاج الى مجهود عضلي ليس لتفريغ الطاقة بل لتحصيل لقمة العيش، لدفع ايجار البيت، لشراء دواء السكر والضغط لوالديه،  لشراء لحم يشتهونه منذ أشهر، وتراه يستيقض من صلاة الفجر ذاهبا الى عمله سواء كان في البناء وحمل الطوب وخلط الاسمنت ورفعه، أو كان في النجارة وقص الاخشاب وتركيبها، أو الحدادة وحمل الجسور الحديدية وتلحيمها، أو اصلاح السيارات، أو الزراعة تحت أشعة الشمس، وهو بهذا العمل في غاية السعادة، وتراه في صحة وعافية قوي البنية شديد العزم، تهابه من قوته وطوله وعرضه، لا يعرف الجوال ولا المراسلات وليس لها وقت في حياته، لا يشكو من أرق لأنه يشتري وقت الراحة لقلته، لا يشكو من أمراض نفسية ولا كسر لخاطره، همه الأول والأخير هو تأمين لقمة العيش من كسب شريف.

 

إن الترف والاغراق في الملذات من أعظم أسباب الخسارة والهلاك

روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[والله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم].

:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) ما قال فاسقيها أو كفارها أو عصاتها بل قال (مُتْرَفِيهَا) فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا لْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}[الإسراء:16]

وسمى الله هذا الترف والملهيات بالحياة الدنيا إشارة الى دناءتها ونزولها ووضاعتها وأناه ليست شيئا بالنسبة إلى الحياة الآخرة

و((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء[1]  رواه سهل بن سعد الساعدي t قال: قال رسول الله رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

قال الله تعالى عن هذا الترف الذي سماه الحياة الدنيا  : " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [ هود/15-16]

{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [آل عمران: 185]

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأنعام: 32]

وذكر الله ان مكذبي الرسل كانوا من المترفين {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [المؤمنون: 33]

 

{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64]

 

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]

 

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [فاطر: 5]

 

 

 

الخطبة الثانية:

آخر بَعْث أرسله النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما وكان شابًا في السابعة عشر من عمره وقيل: "ثمانية عشر عامًا".

أرسله النبي صلى الله عليه وسلم على رأس جيش فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعندما تكلَّم الناس في إمرته قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن تكلموا في إمرته، لقد تكلَّموا في إمرة أبيه من قبل، وأشهدهم على حُبِّه له".

  • وأول عمل ابتدأ به أبو بكر رضي الله عنه خلافته هو إنفاذ جيش أسامة، فسيَّره إلى البلقاء ومؤتة وقاتل الروم وانتصر عليهم، وقتل وأسر منهم الكثير، ولم يصب أحدٌ من جيشه بأذى، وكانوا يقولون: "ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة"

ما هو مستوى تفكير أسامة بن زيد وما هي اهتماماته، وبماذا يقضي يومه، وبماذا كان والداه يربيانه عليه؟

من الحلول:

صحبة الأولاد واكثار الحديث معهم بتودد واقتراب، صنع برنامج اسبوعي للالتقاء بالاولاد بشكل مستمر، الخروج معهم في سفر او نزهة، مناداتهم بالقاب عظيمة، تتحدث احدى الطبيبات السعوديات في مقابلة شخصية معها وتقول منذ أن خرجت الى الدنيا ووالداي ينادياني بـ الدكتورة تعالي يا دكتورة كلي يا دكتوره اصعدي يا دكتورة ،

حتى دخلت كلية الطب وأصبحت طبيبة.

عدم الاغداق عليهم، الزامهم بواجبات يوميه يحصل بها على مكافأة تناسب عمله، إما بأعمال منزليه أو وظيفة يشغل بها وقته، أو مشروع تجاري يؤسس به نفسه، وأما بالنسبة للصغار فتعليق المكافأة على قيامهم بفروضهم الدراسية وحفظ القرآن وقراءة الكتب النافعة.

أخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2668) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياك و التنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " .والمراد به التنعم المؤدي الى بطر نعمة الله.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع (2879) عن أبي أمامة الحارثي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البذاذة من الإيمان "
و‏ هي ترك الترفه وإدامة التزين والتنعم في البدن والملبس.
وكان عمر بن الخطاب يقول : " اخشوشنوا ، وتمعددوا ، وانزوا على الخيل نزوا ، واقطعوا الركب وامشوا حفاة " .
معنى تمعددوا أي اقتدوا بمعد بن عدنان وتشبهوا به في عيشه بالتقشف، وامشوا حفاة ، وقد ثبت في الطب الحديث أن المشي حافيا على الرمل يفرغ الشحنات الزائدة
وإنَّما كان يأمرهم بالتخشن في عيشهم لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا عن ملاقاة الأعداء .
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

المشاهدات 869 | التعليقات 0