مطاردون ...! هشام خالد

احمد ابوبكر
1435/07/02 - 2014/05/01 03:30AM
الشمس تشرق .. تغرب , الأيام تفرض مرورها فوق الساعات , تنساب بسرعة , يتناسى الناس حساباتها , متشابهة , لا تقف لأي سبب كان , لا تخضع للظروف ... هكذا حتى نهاية العمر .

تظل الأيام تتسارع .. يوما بعد يوم , لا تتناقش مع البشر , بل من يريد مواكبتها , عليه ان يركض بجوارها كي ينال ما يريد , فهي لا تنتظر أحدا .

غير ذلك , فالانسان الخامل هو من يعلق في آخر المضمار , وتبقى الأيام تمضى دون عائق يعوقها , او مانع يبطئ سريانها الدائم , وتبقى عزيمة المرء الساكن تضمحل وتنكمش حتى النهاية .

يمضى العمر , يولد كل يوم آلاف البشر, يطئون الحياة , ويغادرها الآلاف ممن فارقوها إما راضيين أو ساخطين , مباغتين أو مستعدين .

إلا ان الناس جميعا مشتركون في السعي في العمر القصير , إما سعيا كسولا , او سعيا متحمسا , آملا بلا عمل , او عاملا بلا أمل , لكنه سعي على كل حال وراء الحلم , ووراء الكمال الذي لا يُبلغ .

في اي طريق سفر , هناك قاطع طريق , و في أي مشوار نجاح هناك محبطون , وبأي مضمار سباق هناك منحنيات وعقبات , فليس غريبا أن يكون طريق الجنة مليئا بالمصاعب , او أنها قد " حفت بالمكاره " , والساعي إليها صيد ثمين للأشرار والشياطين وقاطعي طرق النجاه .

مطاردون هم عباد الله في أرض الله في ذلك الزمان , غرباء , متخطفون بين لحظات الاطمئنان , لا يثبتهم سوى نور قلوبهم , وبوصلة دعائهم في الثلث الأخير , يذوبون في لحظات الأقدار المؤلمة , ويتوحدون على الصبر من جديد , يناوشون المعاصي بذكر الله , ويمتطون جياد الصراع مع هوى النفس والشيطان .


الصالحون لطالما اثبتوا وجودهم في حياتهم , ونقشوا عليها حروف أعمالهم , وسخّروا الصعاب أنعاما يمتطوها نحو ما يراه البعض مستحيلا .

وبالرغم من عزيمتهم الجبارة , هم أول من تكلموا عن صعوبة مجاهدة النفس , ومنزلته السامية , وهم أول من وصفوا أنفسهم بالغرباء وسط الزمان .

كل امرئ مؤمن تتبلور حياته في كلمتين , ( بعد وقرب , طاعة ومعصية , ذنب وتوبة , حيدة وإنابة ), يتكرران , يتناوبان باستمرار , يسيران بمحاذاة العمر القصير , قد يطول إحدهما وينقص الآخر , ويطول الآخر وينقص الأول , ويبقى التناوب مستمرا ما حيا المرء , ويبقى المؤمن ساعيا نحو القرب والطاعة والتوبة والإنابة , حتى يلقى الله , فعلام تكون ساعة نهايته , وعلام يتوقف نبض قلبه ! .

وفي الطريق إلى النجاة , تكمن المطاردة من شياطين الجن الخفيين , وشياطين الإنس المرئيين , لا يسلم إلا من أعد العدة , وتزود بزاد القوة والتقوى , ومضي في طريقه تتناغم خطواته مع إيقاع نبض قلبه , لا تتوقف إحداهما قبل الأخرى , ولا يعثر في الطريق ولا يضل , مهما كثر المطاردون , ومهما أعدت له المكائد والمصائد والمهالك .

جرائم شياطين الإنس والجن كلها تسجل ضد مجهول , كل منها يفتك بالناس فتكا عظيما , وجميعها تعد مطاردة للمؤمنين في سبيل الجنة , جرائم شنيعة , والسكوت عادة هو الجواب , والخنوع هو حال سائر الناس , والقليلون من الصالحين هم من يتمسكون بالخيط الأخير , والعروة والوثقي .

العمر لا يتوقف للبحث عن المجرمين , ولكن يمكن ان يغيب المرء بحثا عن حياته , بدلا من أن يحضر تائها مطاردا في غياهب الظلام القاتم .

اتحدث عن المؤمنين المطاردين في طريقهم نحو الطاعة , فأمام كل باب ألف قفل , وخلف كل طريق توبة وحوش ضارية .

فكم من شاب عزم التوبة ولم تستطع عزيمته هزيمة المطاردة الكبيرة , ولم يتحمل قلبه المتقلب الفتن الغزيرة , وتلجلجت عزيمته ارتخاء وخمولا , وعاد كما كان قبل التوبة بل أشد قبحا ؟! .

وكم من فتاة ايقنت سر وجودها في الحياة وهدف عيشها , ورسالتها العظيمة , ولكنها أمام الأبواب المغلقة والوحوش المطاردة لم تكتسب القوة الكافية لتجتازها إلى النعيم الأبدي , بل ظلت في حيرة المجهول خلف الأبواب .. ويمضي العمر .. والموتى بعد ذلك لا يطرقون الأبواب ..

مطاردون هم إذن , من الجهل المخيم في نسيج الحياة , ومائها الراكد , الذي يشن حربا أبدية بسلاح بارد على المجتمع والأجيال والعقول والأحلام , الجهل العائق في سبيل كل ما هو نافع , والقاطع لما أمر الله به أن يوصل , والمفشل لكل نجاح , فكيف لسالك طريق الهداية أن يسير دون نبراس العلم الذي يضيء مسالك الطريق الموحش الذي قل سالكوه ! .

مطاردون هم من القلوب العفنه , المحيطة بكل ما هو جميل في الحياة لتمحوه أو تشوهه , تلكم القلوب الحاسدة , وكفى بوجودها يمتص الهواء الرطب من الصدر , ويعرقل إحاطتها بالنجاح كل ما له علاقه بالنجاح .. إنها القلوب السيئة التي تفتك بالسائرين في أول طريق الهداية , قد تبعدهم عنه أو تنفرهم منه , أو تخلق لهم طرقا أكثر زينة للسير بها , فتبيع لهم الوهم ملونا ! .

مطاردون من راغبي إزهاق القيم , وتقزيم المبادىء , وتحجيم الدين , وإعاقة التذكرة , وإيقاف الموعظة , وخفوت النصيحة , واستنكار الأمر بالمعروف , حتى يذوب فتيل التقوى , وتخبو شظية الإحسان في الصدور ويقل التعلق بالنجاة , وتذوب القلوب في صراعات الفتن , ويختفي الكثير وسط مشاغل الحياة , ويتمخض الجيل عن مستقبل مفتت ! .

مطاردون هم من أعداء الصلاح وكارهي الطاعات , يقطعون الطريق , يستنزفون الهواء , يجاهرون بالقبائح و يتبارزون بالفشل , لا ينفذ المصلحون منهم إلى عبر مسام جدرهم السميكة , فقلما ينفذ صالحا !.

مطاردون من مثيري الفتن وناشري الفحشاء وباعثيها , إذ مع كل شمس تشرق او تغرب يرسلون فتنة تنتشر مع شعاع الصيف أو مطر الشتاء , تغمر وجه الأرض بمن عليها , يتفننون في صناعة الفتنة , وترويجها , وجعلها واقعا , ثم يحصدون ناتج عملهم مجتمعا مهلهلا مفتونا !.

سلاح المؤمنين في تلك المطاردة هو حب الخير للناس جميعا , والرغبة في نشر السلام بينهم , والأمل في مجتمعات فاضلة طاهرة , ينبذون العنف ويطردون الضرر, ويحاربون الفرقة , ويسعون لخير الاوطان .

يهدون الزهور لمن طعنهم بالأشواك , ويقدمون الندى لمن منعهم قطرة الماء , ويحملون الابتسامة لمن حمل إليهم الدمع والصرخات , ويصرون على ذلك مادام فيهم رمق الحياة .

سلاحهم هو الإيمان الراسخ بموعود الله سبحانه , وسبيلهم الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن , وعدتهم أكف ضارعة للسماء في جوف الليل الآخر .

إنه الصراع الأبدي بين الشيطان والمؤمن , والمطاردة المقدسة , بين الخير والشر , بين الخبيث والطيب , بين العبودية والانحراف , التي من أجلها نشأت الدنيا , وأشرقت الشمس , وتفتحت الزهور , وفاضت الدموع .

لاشك إنها مطاردة محسومة النهاية مهما صعبت ابتلاءاتها , وثقلت تبعاتها , وطال ليلها , ليظل المؤمن سائرا , يواكب الأيام , شروقا بعد شروق , وربيعا تلو ربيع , يصارع الفتن , فبسمة بعد دمعة , وطمأنينة بعد خوف , والعاقبة للتقوى ..
المشاهدات 939 | التعليقات 0