مَضَى مِنَ العَشْرِ كَثِيرٌ وَبَقِيَ مِنْ خَيْرَاتِهَا الكَثِيرُ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ...أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: اُشْكُرُوا اللهَ أَنْ أَمَدَّ فِي آجَالِكُمْ حَتَّى أَدْرَكْتُمْ هَذِهِ العَشْرَ المُبَارَكَةَ؛ فَمَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ عَظِّمُوهَا؛ اُعْمُرُوهَا بِالطَّاعَاتِ فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا؛ نَقُّوهَا مِنَ المَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا.
كُلَّ عِبَادِةٍ أَمْكَنَكُمْ فِعْلُهَا؛ فَسَابِقُوا، وَسَارِعُوا وَلَا تَتَأَخَّرُوا؛ وَكُلَّ مَعْصِيَةٍ؛ فَاجْتَنِبُوهَا وَلَا تَقْتَرِبُوا.
عَلَيكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالحَجِّ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالذَّبْحِ، وَالذِّكْرِ، وَبِرِّ الوَالِدَينِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَحُسْنِ الخُلُقِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الجَارِ، وَإِكْرَامِ الضَّيفِ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَغَيْرِهَا.
اِحْفَظُوا أَسْمَاعَكُمْ، وَأبْصَارَكُمْ، وَأَلْسِنَتَكُمْ، وَجَوَارِحَكُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكُمْ: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }الإسراء 36
أَدُّوا حُقُوقَ اللهِ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ، وَأَدُّوا حُقُوقَ عِبَادِهِ وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ؛ { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } البقرة 195
اِعْتَنُوا أَشَدَّ العِنَايَةِ بِصَلَاحِ قُلُوبِكُمْ؛ فَصَلَاحُها تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ؛ وَفَسَادُهَا خَسَارَةٌ فَادِحَةٌ؛ صَلَاحُ القَلْبِ هُوَ الصَّلَاحُ، وَفَسَادُهُ هُوَ الفَسَادُ، وَالجَوَارِحُ لَهُ تَبَعٌ: ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَعُبُودِيَّةُ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الجَوَارِحِ وَأَكْبَرُ وَأَدْوَمُ... الخ.
تَعَاهَدُوا قُلُوبَكُمْ، واِحْرِصُوا عَلَى نَقَائِهَا وَصَفَائِهَا وَسَلَامَتِهَا؛ تَنْفَعْكُمْ: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم } الشعراء88-89 .
عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ فِي أَوَاخِرِ عَشْرِنَا فَإِنَّ أَمَامَنَا مِنْ خَيْرَاتِهَا الكَثِيرَ؛ فَغدًا يَومُ عَرَفَةَ؛ يَومُ إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَ: ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَيَومُ عَرَفَةَ هُوَ يَومُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ؛ فَيُعْتِقُ اللهُ مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ اليَومُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ؛ مَنْ شَهِدَ المَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي العِتْقِ وَالمَغْفِرَةِ يَومَ عَرَفَةَ. ا هـ
اِعْرِفُوا لِهَذَا اليَومِ قَدْرَهُ؛ اُبْذُلُوا فِيهِ وُسْعَكُمْ؛ أَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ صَالِحِ العَمَلِ؛ فَهُوَ يَومٌ فِي العَامِ؛ وَالعَاقِلُ لَا يُضَيِّعُهُ.
جَاءَ فِي صِيَامِهِ قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
صُومُوا هَذَا اليَومَ، وَتَوَاصَوا بِصِيَامِهِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ: ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا،... ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ؛ تَسْبِيحًا، وَتَحْمِيدًا، وَتَكْبِيرًا، وَتَهْلِيلاً وَاسْتِغْفَارًا، وَقِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ فَالذِّكْرُ مِنْ أَيْسَرِ الأَعْمَالِ، وَأَفْضَلِهَا، وَأَزْكَاهَا؛ وَإِذَا كَانَ فِي المَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ؛ كَانَ خَيرًا عَلَى خَيرٍ.
أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ؛ اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً، أَقْبِلُوا بِقُلُوبِكُمْ، وَأَلِحُّوا فِي دُعَائِكُمْ، وَأَيْقِنُوا بِالإِجَابَةِ؛ وَلَا تَعْجَلُوا. مَنْ أَسَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالذُّنُوبِ فَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ، وَلْيَسْأَلْهُ المَغْفِرَةَ: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر 53
مَنِ ابْتُلِيَ بِالضُّرِّ فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللهِ: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } النمل 62 { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } الأنعام 17
مَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ؛ مَنْ أَرْهَقَتُهُ الدُّيُونُ؛ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ السُّبُلُ؛ الْجَأْ إِلَى اللهِ؛ فَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَهُوَ: { الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } الذاريات 58
سَلُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ كُلَّ حَوَائِجِكُمْ، فَإِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَرِيبٌ؛ يجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَاهُ؛ وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ...) وَفِي آخِرِ الحَدِيثِ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ... ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَسْأَلَهُ العِبَادُ جَمِيعَ مَصَالِحِ دِيْنِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالكِسْوَةِ وَغَيرِ ذَلِكَ؛ كَمَا يَسْأَلُونَهُ الهِدَايَةَ وَالمَغْفِرَةَ.... وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَسْأَلُ اللهَ فِي صَلَاتِهِ كُلَّ حَوَائِجِهِ حَتَّى مِلْحَ عَجِينِةِ وَعَلَفَ شَاتِهِ. الخ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ؛ يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ لِغَيرِ الحَاجِّ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَةِ؛ فَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ:
اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْد.
وَإِنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا فَحَسَنٌ.
يَفْعَلُ هَذَا سَوَاءً كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَسْبُوقًا بِبَعْضِ الصَّلَاةِ إِذَا قَضَى مَا عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
بَارَكَ اللهُ... وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ ... الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلَّهِ...أَمَّا بَعْدُ: فَأَمَامَنَا مِنَ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ: يَومُ العِيْدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ.
فَلْتَحْرِصُوا وَفَّقَكُمُ اللهُ عَلَى إِقَامَةِ صَلَاةِ العِيدِ مَعَ الجَمَاعَةِ، خُذُوا لَهَا زِينَتَكُمْ؛ بِالاغْتِسَالِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ.
إِيَّاكُمْ وَالتَّخَلُّفَ عَنْهَا وَالزُّهْدَ فِيْهَا، أَوْ أَنْ يَغْلِبَكُمْ نَومٌ أَوْ كَسَلٌ.
عَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج 32
عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ).
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَةَ. ا هـ
فَلَا تَدَعُوهَا وَفَّقَكُمُ اللهُ؛ وَخَلَفَ عَلَيْكُمْ خَيراً.
يَقُولُ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا حَرَجَ أنْ يَسْتَدِينَ الْمُسْلِمُ لِيُضَحِّيَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الوَفَاءِ.أ هـ
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا....اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ... اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ...
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ...