مَضَتِ الْأَعْوَامُ وَكَأَنَّهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ - الجمعة 26 ذو الحجة 1444هـ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205)ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ(206)مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾. قَالَ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ السَّعْدِيِّ-رَحِمَهُ اللهُ:وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة"ا.هـ وَقَالَﷺ:«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ:شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِﷺبِمَنْكِبِي،فَقَالَ:«كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.إِنَّكُمْ تُوَدِّعُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَامًا مَاضِيًا شَهِيدًا، وَتَسْتَقْبِلُونَ عَامًا مُقْبِلًا جَدِيدًا ،لَقَدْ مَضَتِ الْأَعْوَامُ وَكَأَنَّهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ،مَضَتْ بِمَا فِيهَا مِنْ خَيْرَاتٍ وَشُرُورٍ، وَأَحْزَانٍ وَسُرُورٍ، وَعَمَلٍ وَكَسَلٍ، وَعِلْمٍ وَجَهْلٍ، وَفَقْرٍ وَغِنًى، مَضَتْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَكَأَنَّ شَيْئًا مَا مَضَى، وَلَكِنْ مَنْ هُوَ الْكَاسِبُ فِي هَذِهِ الْغَمَرَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ:تمر الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمر ونحن في سُبات وفي غفلة، هذا يوم تشرق شمسه، وذاك يوم تغرب شمسه، هذا شهرٌ يدخل، وذاك شهر يخرج، هذا عام يدخل، وذاك عام يخرج،بالأمس بدأ هذا العام محمَّلاً بالليالي والأيام، مُثقلاً بالساعات والدقائق والثواني، فمرت أيامه تباعاً، وتصرمت ساعاته سراعاً، آخذاً بعضُها برقاب بعض، ومؤذناً رحيل أولها بفناء آخرها.
ولنتذكر يا عِبَادَ اللَّهِ بسرعة انقضاء هذا العام سرعة انقضاء العمر، وبتغير الأحوال وزوال الدنيا، فكم ولد في هذا العام من مولود، وكم مات فيه من حيّ، وكم استغنى فيه من فقير، وكم افتقر من غنيٍّ، وكم عزَّ من ذليل، وكم ذلَّ من عزيز قَالَ تَعَالَى:﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ بْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ:اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَقِيلَ:سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ عَلَى جَعْلِ ابْتِدَاءِ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُفِعَ إِلَيْهِ صَكٌّ، أَيْ حُجَّةٌ، لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ شَعْبَانَ أَشَعْبَانُ هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، أَوِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ،أَوِ الْآتِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي وَضْعِ تَأَرِيخٍ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ حُلُولَ الدُّيُونِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ قَائِلٌ:أَرِّخُوا كَتَارِيخِ الْفُرْسِ. فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ يُؤَرِّخُونَ بِمُلُوكِهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ،وَقَالَ قَائِلٌ:أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ،وَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِمُلْكِ إِسْكَنْدَرَ بْنِ فِيلِيبُّسَ الْمَقْدُونِيِّ، فَكَرِهَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ:أَرِّخُوا بِمَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِﷺوَقَالَ آخَرُونَ:بَلْ بِمَبْعَثِهِ،وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ بِهِجْرَتِهِ،وَقَالَ آخَرُونَ:بَلْ بِوَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَمَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى التَّأْرِيخِ بِالْهِجْرَةِ لِظُهُورِهِ وَاشْتِهَارِهِ وَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ،قَالَ الحَافِظِ بْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ:وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَجَعَلُوا أَوَّلَهَا مِنَ الْمُحَرَّمِ، فِيمَا اشْتُهِرَ عَنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ.انتهى.
عِبَادَ اللَّهِ:احذروا من التشبه بالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى في الاحتفال بنهاية العام وبدايته وتبادل التهاني والتبريكات ،عبر وسائل التواصل المختلفة فهذا ليس من السنة ولا من هدي الصحابة ولا هدي السلف الصالح.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1688691035_مَضَتِ الْأَعْوَامُ وَكَأَنَّهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق