مصيدة القلوب

"مصيدة القلوب" 25/11/1443هــ الحمد للهِ الكريمِ الحليمِ، هو الأوَّلُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على فضلِهِ وخيْرِه العَميمِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ربُّ السموات وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ العظيمِ، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، هدانا بأمرِ الله إلى صراطٍ مستقيمٍ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا وبعد: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ أيها المسلمون: قربة تعبدية، وسنة مرضية، كم من ضغينة أذهبتها، وقلوب متنافرة قرّبتها، إنها برهان صدق، ودليل صفاء، بها توصل للمودة حبال وتشد أوتاد وتنصب خيام، الهدية _يا عباد الله_ يُلين القلوب القاسية بذلها، عظيمة وإن صغر حجمها غالية وإن بخس ثمنها، ولقد حث ﷺ على الهدية وأبان جميل أثرها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (تَهَادوا تَحَابُّوا) وكان رسول الله ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها. وكان نبينا ﷺ يقبل حتى قليلها قال ﷺ :(لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت) وقد أهدت أم الفضل له ﷺ شربة لبن فقبلها، وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله، ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي ﷺ فيها هدايا الناس ولو صغرت. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) وفرسن الشاة: حافرها. بل جاء عن النبي ﷺ النهي عن رد الهدية: فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ) ويخرج من هذا قبول الإهداء للموظفين والعاملين ومن في معناهم فعن أبى حُمَيْد الساعدي رضي الله عنه قال:  (استعمل رسول الله ﷺ رجلا على صدقات بنى سليم، فلما جاء حاسبه, قال: هذا مالُكم, وهذا هدية, فقال رسول الله ﷺ: فهلَّا جلستَ في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كُنْتَ صادقا؟! ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله, فيأتي فيقول: هذا مالكم, وهذا هدية أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقِيَ الله يحمله يوم القيامة، فلَأعرِفَنَّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء (صوت)، أو بقرة لها خُوار, أو شاة تيعر (تصيح), ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت) رواه البخاري أيها المسلمون: من أهدى إلى مسلم هدية، يبتغي بها وجها من وجوه الخير، كالتقرب إليه لمحبته في الله، أو لكونه من ذوي رحمه ، فهو يحب أن يصله ، أو لكونه فقيرا ، فهو يحب أن يعينه ، أو غير ذلك من وجوه البر المشروعة : فهي نفقة في سبيل الله ، وتدخل في معنى البر المذكور في قوله تعالى : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يثاب الإنسان على الهدية؛ لأنها إحسان، والله تعالى يحب المحسنين، ولأنها سبب للألفة والمودة، وكل ما كان سبباً للألفة والمودة بين المسلمين، فإنه مطلوب، وقد تكون أحياناً أفضل من الصدقة، وقد تكون الصدقة أفضل منها " ا.هــ فالهدية التي يرجى ثوابها لا تكون مما حرم الله أو يجاوز بها حدود الله، ولا يطلب عليها جزاء ولا دعاء ولا توهب تزلفا ولا تصحب بما يشعر الامتنان، إنما يراد بها وجه الله تقربا.  ذلك أنالهدية قربة يطلب بالإخلاص لله أجرها إن كانت على وجه يرضي الله، وفي زمننا هذا تجاوز كثير من الناس بالهدية مقصودها وغرضها حتى أصبحت الهدية بابا للمباهاة والتعالي وتنوعت مشاربهم وتكاثر تنافسهم وتجاوزت حد الشكر إلى البطر وكثرت مناسباتها وأسبابها  وتكلف الناس فيها ولها وبذلت لها أموال طائلة ترفا وتبذيرا وبالغ أقوام في حفلاتها وسلكوا بها مسالك لا ترضي الله فما شكروا نعمة الله، وتساهل آخرون فكانت فتنة بين الشاب والفتاه، فكتبت عليهم في السيئات، وبذلت الهدايا لتصور وتنشر لا ليتقرب بها إلى الله، فكانت وزرا بعد أن كانت أجرا، وأنبتت في القلوب وغرا، وعادت على آخذها وبالا وشرا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِیرًا ۝٢٦ إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِینَ كَانُوۤا۟ إِخۡوَ ا⁠نَ ٱلشَّیَـٰطِینِۖ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورࣰا ۝٢﴾     الخطبة الثانية:   الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد: عباد الله: لقد توسع الناس في إهداء الثواب للميت، وجاوز بعضهم حد السنة، وسلكوا له وسائل وسبل لم تكن معهودة من قبل، وقد مات عم النبي ﷺ حمزة رضي الله عنه، وزوجته خديجة ، وثلاث من بناته، ولم يرد أنه ﷺ فعل كثيرا مما يفعله الناس اليوم، ولم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وقد تتابع موتهم وهم في الأمة افقهها وأزكاها،  فالواجب عباد الله الاكتفاء بما جاء النص بأن الميت ينتفع بثوابه من القربات كالدعاء والاستغفار والصدقة والحج المفروض وغيرها وألا نتخذ طرقا غير مشروعة تفتح للبدعة بابا. وقد قرر بعض أهل العلم ن أفضل ما ينفع الميت هو الدعاء فأكثروا الدعاء لموتاكم وموتى المسلمين وقولوا: ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَ ا⁠نِنَا ٱلَّذِینَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِیمَـٰنِ ﴾ عباد الله: لقي كعب بن عجرة رضي الله عنه عبدَ الرحمن بن أبي ليلى فقال له: "أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ ﷺ فَقُلْتُ: بَلَى؛ فَأَهْدِهَا لِي فَقَالَ: "سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا:  "يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" ألا فصلوا وسلموا رحمكم الله على رسول الله استجابة لأمر الله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته الطاهرين.  
المرفقات

1656052335_الــهديــة (مصيدة القلوب).docx

المشاهدات 606 | التعليقات 0