مصيبة الأمة في الخوارج وأحداث غزة والوديعة للشيخ عبدالله بن محمد آل يحيى الغامدي
الفريق العلمي
1435/09/16 - 2014/07/13 09:02AM
مصيبة الأمة في الخوارج وأحداث غزة والوديعة
للشيخ عبدالله بن محمد آل يحيى الغامدي
إمام وخطيب جامع خديجة بغلف بحدة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
أيها المسلمون: رمضان والخير قرينان؛ فرمضان هو شهر الخير وزمانه، والخير هو عمل رمضان ووظيفته، وطالبو الخير هم أهل رمضان، ورمضان هو سوق أهل الخير وموسمهم، ومن وفق لفعل الخير في رمضان وخفت إليه نفسه فهو الموفق، ومن خذل عن الخير فيه وثقل عنه وأعرض عن موائده فقد لا يوفق له في غيره ولا يهدى لسبيله، وما ذاك إلا لأن فرص الخير في رمضان مهيئة بما لا تتهيأ في غيره؛ فصاحب الخير منادى بالإقبال مرحب به، وصاحب الشر مطرود مقصورة خطاه، والشياطين مصفدة ومجاريها مضيقة، وأبواب النار مغلقة وأبواب الجنة مفتحة، والقرآن يتلى والملائكة متنزلة، والجموع متعبدة والأجور مضاعفة. ومن هيئ له كل هذا ولم تشتق نفسه للخير ولم يكن له فيه سهم فليتفقد قلبه.
أيها المسلمون : أما وقد انتصف رمضان أو كاد، أما وقد مضى منه شطره أو قارب، فهل سأل سائل منا نفسه: أين أنا من الخير في شهر الخير؟ هل كنت من طلابه العاملين بأسبابه الداخلين مع أبوابه؟ فإن كان كذلك فطوبى له، وإن كان بخلاف ذلك فماذا ينتظر؟! أينتظر أن يقال غدا العيد وهو لم يقدم من الخير شيئا؟! أينتظر أن يخرج الشهر وقد رغم أنفه ولم يغفر له؟!
ألا فرحم الله امرأ حاسب نفسه وقد انتصف شهره، فنظر فيما مضى وعمل لما يأتي؛ فإن كان محسنا ازداد، وإن كان غير ذلك رجع ولم يتماد.
معشر الصائمين : أبواب الخير: صلاة وصوم وقيام ليل، وصدقة وإحسان وحب للمساكين، ورفق بالناس وتجاوز عن المعسرين، وصلة للرحم ورحمة، وكف للسان عن الشر وإشغال له بالتلاوة والذكر، وقول للحق وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
فمن منا الموفق الذي جمعها كلها؟
من الذي حافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام منذ دخل الشهر؟
من الذي صبر وصابر ورابط، وقام مع الإمام في التراويح ولم يفته القيام ليلة؟
هل تصدقنا وفطرنا الصائمين وقدمنا ما نستطيع لدعم مشروعات الخير؟
هل حفظنا الألسنة من قول الزور والغيبة والنميمة والكذب؟
هل رطبناها بذكر الله وقراءة القرآن؟
هل أكثرنا من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وحفظنا صيامنا من اللغو والرفث؟
هل تواضعنا ورفقنا بمن نعاملهم من أهل وأبناء وجيران وزملاء وعمال وأجراء؟
هل تجاوزنا عمن أساء إلينا وصفحنا وعفونا؟
هل عدنا إلى الأرحام المقطوعة فوصلناها طاعة لله وتخلصا من الذنب واللعنة؟
المنكرات التي في بيوتنا ومن أعظمها القنوات الفضائية، هل تخلصنا منها وأخرجناها؟
إن كنا قد أخذنا بهذه الأبواب فهنيئا لنا كل هذه المكاسب من الخير، وإن تكن الأخرى فما أتعس حظ البعيد عن ربه القاسي قلبه!
ومع هذا فما زال الباب مفتوحا والفرصة مواتية، والله يتوب على من تاب ويقبل من أناب؛ فلنتق الله ولننظم أنفسنا في سلك الخيرية، ولنلحق بركب أهل الخير، ولنكن من مفاتيحه ومعلميه والدالين عليه، ولنتعاون على الخير ولتكن منا أمة تدعو إليه؛ فإنه لا نجاة إلا لأهل الخير،
أيها المسلمون،إن بلاد الإسلام بلاد محسودة وبالأذى مقصودة،لا تسلم من معاد وحاقد وحاسد.
الأمة تمر في هذا الزمان العصيب بأحرج مواقفها وأصعب ظروفها وأشد خطوبها، تتلقى الطعنات الغادرة والهجمات الماكرة من حاسديها ومعاديها.
المجازر المفزعة والفظائع المفجعة والجرائم المروعة تصب على إخواننا في فلسطين المباركة وفي العراق الجريح، وفي الشام المكلوم ، واليمن المغدور , تدمير وحصار، وقتل للنساء والصغار، هدمت المساجد على المصلين والبيوت على الآمنين، مجازر بربرية ومذابح جماعية وإبادة وحشية وتشريد واستئصال، صيحات ولوعات وآهات وصرخات، ظلم صارخ وعدوان سافر، تتفطر الأكباد عن وصفه، وتذوب النفوس عن تصويره، يمارس أمام نظر العالم وسمعه ومؤسساته وهيئاته، أنظمة صماء بكماء عمياء، ماذا جنى المقهور من ندائها؟! وماذا أدرك المظلوم من رجائها؟! والمجرم يصول في ظلها ويحمى بأسنة حرابها ويبارك بغيه وعدوانه في ساحتها.
إنها أنظمة وضعت لتحمي حقوق الإنسان، ولكن ليس كل إنسان، وتدافع عن سيادة البلدان، ولكن ليس كل البلدان.
هذا شعب فلسطين المجاهد عن حقه المدافع عن أرضه تتواصى قوى الظلم والطغيان على منعه من السلاح، حتى لا يجدوا إلا الحجارة يدافع بها عن نفسه، بينما يمد الشعب الصهيوني بأفتك الأسلحة وأخطرها وأعنفها وأضرها، إنها إرادة وقحة ليكون هناك شعب قاتل وشعب مقتول، ليس من حقوقه حق الحياة والبقاء.
إن تلك الممارسات لن تحقق للعالم سكونا وسلاما، ولن تجلب للعالم أمنا وأمانا، فالعنف يتفجر والأمن يتلاشى، وطغاة البشر وجبابرته اليوم يقاتلون تشفيا وانتقاما لإرواء غليل حقدهم وإطفاء نار غضبهم، يفنون آلاف البشر، يسحقون القرى، ويمحون المدن، لا ضمير يؤنبهم، ولا قانون يردعهم، ولا عقوبة تمنعهم.
أيها المسلمون، ومع هذا كله فابشروا وأملوا فإن الإسلام سيعود إلى قوته ويفيء من غربته وغيبته، والأيام دول، وربما صحت الأبدان بالعلل، وإن دماء القتلى وأشلاء الجرحى وآهات الثكلى ستكون الطوفان الذي يغرق الطغيان، وشعلة الجهاد الذي سيحطم الظلم والاستبداد والإذلال والاستعباد، وإن دوي المدافع وضجيج القصف وعنوان الحقد والعنف سيوقظ أمة طالما دب الوهن في أعماقها وسرى الخوف في عروقها؛ لتكون حمما تحرق البغاة الغاصبين، وإعصارا فيه نار يدمر الطغاة المعتدين، وستحوط بالباغي يد المهلكة، يقوده إلى مصرعه جنونه بقوته، ويعجله إلى حتفه ويدفعه إلى مهلكه غروره وكبره، وسيكون مثلة وعظة وسيجر الظالم أذيال الخيبة مهانا، ويندحر بالهزيمة إلى داره مقهورا مدانا، ولن يظل الظالم قويا إلى الأبد، ولن يظل المظلوم ضعيفا إلى الأبد، (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) [إبراهيم:42]. (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) [الأنفال:59]، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" أخرجه مسلم.
إن الأمة ستبذل المهج والدماء والأشلاء والشهداء للدفاع عن دينها وعقيدتها والذود عن أرضها وعرضها والذب عن حرماتها ومقدساتها، مستحضرة قول قائدها وإمامها نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف:21].
أيها المسلمون، الدعاء غاية كل مكلوم وسلاح كل مظلوم وراحة كل مهموم، فاجأروا إلى الله بالشكاية في الأسحار، وألحوا على الله بالدعاء ، وارفعوا أكف الضراعة لله الواحد القهار، ادعوا دعاء الغريق في الدجى، ادعوا لإخوانكم المستضعفين والمشردين وأنتم صادقون في الرجا.بأن يرفع عنهم ما حل بهم وأن يعينكم على نصرتهم ولو بالقليل فالقليل عند الله كثير .
بارك الله ليولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله من كل ذنب وخطئيه فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فإن تقواه أقوى عدة عند البلاء، وأمضى مكيدة عند البأساء والضراء .
أخوة الإسلام: لا يقوم سوق للجهاد ويفتح الله له من الخير إلا ويتسلط عليه عصبة غاوية، وحفنة شاذة وسلالة ضالة، لتشويه سمعته وصرف أنظار الناس عن دعمه والوقوف معه , ولخلط الجهاد الحق بأفعالهم السيئة في محاولة يائسة وإرادة بائسة لنشر الفوضى وشق العصا وإثارة الدهماء والغوغاء، ضد صفوف المجاهدين الصادقين المدافعين عن دينهم وأنفسهم وأهليهم .
أرعبوا وقتلوا وفجروا وخانوا وغدروا، فلا عن المعاهدين كفوا، ولا عن المسلمين عفوا، رموا أنفسهم في أتون الانتحار .
همج رعاع يتبعون كل ناعق ويسيرون خلف كل ناهق، يقابلون الحجج باللجج والقواعد بالأغاليط والمحكمات بشبه ساقطة، لا تزيدهم إلا شكا وحيرة واضطرابا، قوم باغون، من جادل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدم الإسلام، فراش نار وحدثاء أغرار وسفهاء أشرار،
جاء في الحديث الصحيح، عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطعة من ذهب، فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وزيد الطائي، وعلقمة بن علاثة العامري، فأقبل رجل يقال له: ذا الخويصرة فقال: اتق الله يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم- متعجبا من هذه الجرأة والوقاحة: "من يطع الله إذا عصيت، أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟!". فلما ولى وأدبر نظر إليه فقال: إن من ضئضئ هذا -أي من نسله وعقبه- قوما أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية -أي يخرجون منه كخروج السهم، إذا دخل في الصيد وخرج من الجهة الأخرى-، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". متفق عليه.
لقد جاء وصف الخوارج في هذا الحديث وصفا دقيقا، في أخلاقهم وأوصافهم وأفعالهم، لنتعرف عليها لنحذرها، ونحذر منها
أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة!! ولكل قوم وارث، لقد سلك مسلك الخوارج في وقتنا الحاضر، أناس من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، غلو في التكفير، واستباحوا دماء المعصومين، وزعزعوا الأمن وروعوا الآمنين، وشوهوا صورة الإسلام لدى العالمين. فسبحان الله!! أي مصيبة أصيب المسلمون بهؤلاء، الذين طعنوا في العلماء والمصلحين، وعقوا الآباء والأمهات، ويتموا البنين والبنات، وأزهقوا الأرواح البريئة، وأتلفوا الأموال المعصومة، باعوا أنفسهم للشيطان وأعوانه، فأظهر لهم أن سفك الدماء جهاد، والإفساد إصلاح. يقتلون المخالفين لهم بأدنى شبهة ويبررون لأنفسهم ذلك باسم الدين والجهاد .
أن ما قام به أولئك الضالين من اعتداء على رجال الأمن في منفذ الوديعة لهو جرم مستنكر لا يقره دين ولا عقل قتل للأبرياء وترويع للآمنين وتعريض لأنفسهم للقتل والانتحار عياذا بالله .
أيها الإخوة في الله : إن هذه البلاد المباركة هي موئل العقيدة ومأرز الإيمان وجزيرة الإسلام ومحط أنظار المسلمين في جميع الأمصار والأقطار ومهوى أفئدة الحجاج والعمار والزوار، حفظ أمنها واجب ، وحماية أرضها فرض ، وستظل بحول الله بلدا آمنا مطمئنا ساكنا مستقرا متلاحما متراحما.
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .....
للشيخ عبدالله بن محمد آل يحيى الغامدي
إمام وخطيب جامع خديجة بغلف بحدة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
أيها المسلمون: رمضان والخير قرينان؛ فرمضان هو شهر الخير وزمانه، والخير هو عمل رمضان ووظيفته، وطالبو الخير هم أهل رمضان، ورمضان هو سوق أهل الخير وموسمهم، ومن وفق لفعل الخير في رمضان وخفت إليه نفسه فهو الموفق، ومن خذل عن الخير فيه وثقل عنه وأعرض عن موائده فقد لا يوفق له في غيره ولا يهدى لسبيله، وما ذاك إلا لأن فرص الخير في رمضان مهيئة بما لا تتهيأ في غيره؛ فصاحب الخير منادى بالإقبال مرحب به، وصاحب الشر مطرود مقصورة خطاه، والشياطين مصفدة ومجاريها مضيقة، وأبواب النار مغلقة وأبواب الجنة مفتحة، والقرآن يتلى والملائكة متنزلة، والجموع متعبدة والأجور مضاعفة. ومن هيئ له كل هذا ولم تشتق نفسه للخير ولم يكن له فيه سهم فليتفقد قلبه.
أيها المسلمون : أما وقد انتصف رمضان أو كاد، أما وقد مضى منه شطره أو قارب، فهل سأل سائل منا نفسه: أين أنا من الخير في شهر الخير؟ هل كنت من طلابه العاملين بأسبابه الداخلين مع أبوابه؟ فإن كان كذلك فطوبى له، وإن كان بخلاف ذلك فماذا ينتظر؟! أينتظر أن يقال غدا العيد وهو لم يقدم من الخير شيئا؟! أينتظر أن يخرج الشهر وقد رغم أنفه ولم يغفر له؟!
ألا فرحم الله امرأ حاسب نفسه وقد انتصف شهره، فنظر فيما مضى وعمل لما يأتي؛ فإن كان محسنا ازداد، وإن كان غير ذلك رجع ولم يتماد.
معشر الصائمين : أبواب الخير: صلاة وصوم وقيام ليل، وصدقة وإحسان وحب للمساكين، ورفق بالناس وتجاوز عن المعسرين، وصلة للرحم ورحمة، وكف للسان عن الشر وإشغال له بالتلاوة والذكر، وقول للحق وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
فمن منا الموفق الذي جمعها كلها؟
من الذي حافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام منذ دخل الشهر؟
من الذي صبر وصابر ورابط، وقام مع الإمام في التراويح ولم يفته القيام ليلة؟
هل تصدقنا وفطرنا الصائمين وقدمنا ما نستطيع لدعم مشروعات الخير؟
هل حفظنا الألسنة من قول الزور والغيبة والنميمة والكذب؟
هل رطبناها بذكر الله وقراءة القرآن؟
هل أكثرنا من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وحفظنا صيامنا من اللغو والرفث؟
هل تواضعنا ورفقنا بمن نعاملهم من أهل وأبناء وجيران وزملاء وعمال وأجراء؟
هل تجاوزنا عمن أساء إلينا وصفحنا وعفونا؟
هل عدنا إلى الأرحام المقطوعة فوصلناها طاعة لله وتخلصا من الذنب واللعنة؟
المنكرات التي في بيوتنا ومن أعظمها القنوات الفضائية، هل تخلصنا منها وأخرجناها؟
إن كنا قد أخذنا بهذه الأبواب فهنيئا لنا كل هذه المكاسب من الخير، وإن تكن الأخرى فما أتعس حظ البعيد عن ربه القاسي قلبه!
ومع هذا فما زال الباب مفتوحا والفرصة مواتية، والله يتوب على من تاب ويقبل من أناب؛ فلنتق الله ولننظم أنفسنا في سلك الخيرية، ولنلحق بركب أهل الخير، ولنكن من مفاتيحه ومعلميه والدالين عليه، ولنتعاون على الخير ولتكن منا أمة تدعو إليه؛ فإنه لا نجاة إلا لأهل الخير،
أيها المسلمون،إن بلاد الإسلام بلاد محسودة وبالأذى مقصودة،لا تسلم من معاد وحاقد وحاسد.
الأمة تمر في هذا الزمان العصيب بأحرج مواقفها وأصعب ظروفها وأشد خطوبها، تتلقى الطعنات الغادرة والهجمات الماكرة من حاسديها ومعاديها.
المجازر المفزعة والفظائع المفجعة والجرائم المروعة تصب على إخواننا في فلسطين المباركة وفي العراق الجريح، وفي الشام المكلوم ، واليمن المغدور , تدمير وحصار، وقتل للنساء والصغار، هدمت المساجد على المصلين والبيوت على الآمنين، مجازر بربرية ومذابح جماعية وإبادة وحشية وتشريد واستئصال، صيحات ولوعات وآهات وصرخات، ظلم صارخ وعدوان سافر، تتفطر الأكباد عن وصفه، وتذوب النفوس عن تصويره، يمارس أمام نظر العالم وسمعه ومؤسساته وهيئاته، أنظمة صماء بكماء عمياء، ماذا جنى المقهور من ندائها؟! وماذا أدرك المظلوم من رجائها؟! والمجرم يصول في ظلها ويحمى بأسنة حرابها ويبارك بغيه وعدوانه في ساحتها.
إنها أنظمة وضعت لتحمي حقوق الإنسان، ولكن ليس كل إنسان، وتدافع عن سيادة البلدان، ولكن ليس كل البلدان.
هذا شعب فلسطين المجاهد عن حقه المدافع عن أرضه تتواصى قوى الظلم والطغيان على منعه من السلاح، حتى لا يجدوا إلا الحجارة يدافع بها عن نفسه، بينما يمد الشعب الصهيوني بأفتك الأسلحة وأخطرها وأعنفها وأضرها، إنها إرادة وقحة ليكون هناك شعب قاتل وشعب مقتول، ليس من حقوقه حق الحياة والبقاء.
إن تلك الممارسات لن تحقق للعالم سكونا وسلاما، ولن تجلب للعالم أمنا وأمانا، فالعنف يتفجر والأمن يتلاشى، وطغاة البشر وجبابرته اليوم يقاتلون تشفيا وانتقاما لإرواء غليل حقدهم وإطفاء نار غضبهم، يفنون آلاف البشر، يسحقون القرى، ويمحون المدن، لا ضمير يؤنبهم، ولا قانون يردعهم، ولا عقوبة تمنعهم.
أيها المسلمون، ومع هذا كله فابشروا وأملوا فإن الإسلام سيعود إلى قوته ويفيء من غربته وغيبته، والأيام دول، وربما صحت الأبدان بالعلل، وإن دماء القتلى وأشلاء الجرحى وآهات الثكلى ستكون الطوفان الذي يغرق الطغيان، وشعلة الجهاد الذي سيحطم الظلم والاستبداد والإذلال والاستعباد، وإن دوي المدافع وضجيج القصف وعنوان الحقد والعنف سيوقظ أمة طالما دب الوهن في أعماقها وسرى الخوف في عروقها؛ لتكون حمما تحرق البغاة الغاصبين، وإعصارا فيه نار يدمر الطغاة المعتدين، وستحوط بالباغي يد المهلكة، يقوده إلى مصرعه جنونه بقوته، ويعجله إلى حتفه ويدفعه إلى مهلكه غروره وكبره، وسيكون مثلة وعظة وسيجر الظالم أذيال الخيبة مهانا، ويندحر بالهزيمة إلى داره مقهورا مدانا، ولن يظل الظالم قويا إلى الأبد، ولن يظل المظلوم ضعيفا إلى الأبد، (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) [إبراهيم:42]. (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) [الأنفال:59]، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" أخرجه مسلم.
إن الأمة ستبذل المهج والدماء والأشلاء والشهداء للدفاع عن دينها وعقيدتها والذود عن أرضها وعرضها والذب عن حرماتها ومقدساتها، مستحضرة قول قائدها وإمامها نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف:21].
أيها المسلمون، الدعاء غاية كل مكلوم وسلاح كل مظلوم وراحة كل مهموم، فاجأروا إلى الله بالشكاية في الأسحار، وألحوا على الله بالدعاء ، وارفعوا أكف الضراعة لله الواحد القهار، ادعوا دعاء الغريق في الدجى، ادعوا لإخوانكم المستضعفين والمشردين وأنتم صادقون في الرجا.بأن يرفع عنهم ما حل بهم وأن يعينكم على نصرتهم ولو بالقليل فالقليل عند الله كثير .
بارك الله ليولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله من كل ذنب وخطئيه فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، فإن تقواه أقوى عدة عند البلاء، وأمضى مكيدة عند البأساء والضراء .
أخوة الإسلام: لا يقوم سوق للجهاد ويفتح الله له من الخير إلا ويتسلط عليه عصبة غاوية، وحفنة شاذة وسلالة ضالة، لتشويه سمعته وصرف أنظار الناس عن دعمه والوقوف معه , ولخلط الجهاد الحق بأفعالهم السيئة في محاولة يائسة وإرادة بائسة لنشر الفوضى وشق العصا وإثارة الدهماء والغوغاء، ضد صفوف المجاهدين الصادقين المدافعين عن دينهم وأنفسهم وأهليهم .
أرعبوا وقتلوا وفجروا وخانوا وغدروا، فلا عن المعاهدين كفوا، ولا عن المسلمين عفوا، رموا أنفسهم في أتون الانتحار .
همج رعاع يتبعون كل ناعق ويسيرون خلف كل ناهق، يقابلون الحجج باللجج والقواعد بالأغاليط والمحكمات بشبه ساقطة، لا تزيدهم إلا شكا وحيرة واضطرابا، قوم باغون، من جادل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدم الإسلام، فراش نار وحدثاء أغرار وسفهاء أشرار،
جاء في الحديث الصحيح، عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطعة من ذهب، فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وزيد الطائي، وعلقمة بن علاثة العامري، فأقبل رجل يقال له: ذا الخويصرة فقال: اتق الله يا رسول الله، فقال -صلى الله عليه وسلم- متعجبا من هذه الجرأة والوقاحة: "من يطع الله إذا عصيت، أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟!". فلما ولى وأدبر نظر إليه فقال: إن من ضئضئ هذا -أي من نسله وعقبه- قوما أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية -أي يخرجون منه كخروج السهم، إذا دخل في الصيد وخرج من الجهة الأخرى-، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". متفق عليه.
لقد جاء وصف الخوارج في هذا الحديث وصفا دقيقا، في أخلاقهم وأوصافهم وأفعالهم، لنتعرف عليها لنحذرها، ونحذر منها
أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة!! ولكل قوم وارث، لقد سلك مسلك الخوارج في وقتنا الحاضر، أناس من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، غلو في التكفير، واستباحوا دماء المعصومين، وزعزعوا الأمن وروعوا الآمنين، وشوهوا صورة الإسلام لدى العالمين. فسبحان الله!! أي مصيبة أصيب المسلمون بهؤلاء، الذين طعنوا في العلماء والمصلحين، وعقوا الآباء والأمهات، ويتموا البنين والبنات، وأزهقوا الأرواح البريئة، وأتلفوا الأموال المعصومة، باعوا أنفسهم للشيطان وأعوانه، فأظهر لهم أن سفك الدماء جهاد، والإفساد إصلاح. يقتلون المخالفين لهم بأدنى شبهة ويبررون لأنفسهم ذلك باسم الدين والجهاد .
أن ما قام به أولئك الضالين من اعتداء على رجال الأمن في منفذ الوديعة لهو جرم مستنكر لا يقره دين ولا عقل قتل للأبرياء وترويع للآمنين وتعريض لأنفسهم للقتل والانتحار عياذا بالله .
أيها الإخوة في الله : إن هذه البلاد المباركة هي موئل العقيدة ومأرز الإيمان وجزيرة الإسلام ومحط أنظار المسلمين في جميع الأمصار والأقطار ومهوى أفئدة الحجاج والعمار والزوار، حفظ أمنها واجب ، وحماية أرضها فرض ، وستظل بحول الله بلدا آمنا مطمئنا ساكنا مستقرا متلاحما متراحما.
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .....
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق