مصارع الظلمة ..

الخطيب المفوه
1432/11/23 - 2011/10/21 07:47AM
مصارع الظلمة

د. سعد الدريهم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبةُ في الله ، سبحان من تفرد بالبقاء ، سبحان من لا يزول ملكه، سبحان الأول الذي ليس قبله شيء ، وسبحان الآخر الذي ليس بعده شيء ، سبحانك ربنا ما أعدلك ! سبحانك ربنا ما أحكمك ! سبحان ربنا الذي خلق الخلق وتولى تصريفه وتدبيره ، وجعل له سناً لا تتغير ولا تتبدل، وكلها ناطق بعظمة الرب سبحانه ، وكلها ناطق بعدله سبحانه ..
ربنا سبحانه في السماء ملكه ، وفي الأرض سلطانه ، ربنا سبحانه خلق الخلق ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، فمن أحسن فله الجنة ، ومن أساء فله النار ، ولا يظلم ربك أحداً ، وقد يجعل سبحانه الجزاء لبعض عباده في الدنيا قصاصاً عما اجترحوه ؛ ليكون عبرة لغيرة ورادعاً ، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه ، وما أكثر السعداء ! وما أكثر الأشقياء في زمننا هذا ،! نسأل الله أن نكون ممن كُتِبَتْ لهم السعادة في الدنيا والآخرة..
أيها الأحبة في الله ، ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله له العقوبة في الدنيا من البغي والظلم . فالبغاة والظلمة يصليهم الله العذاب في الدنيا قبل الآخرة ، والظلم كما تعلمون مرتعه وخيم ، وسنة الله في الظلمة معلومة ، وهو الإمهال ثم الأخذ ، وإذا أخذ الله الظالم لم يفلته ، ومن مكر الله بالظلمة أن يزين لهم الظلم ؛ حتى إنه ليكون في أنفسهم خيراً وأشهى من كل ملذات الدنيا ومتعها بل ومن أعظمها ؛ حتى إن الرقص على آلام المظلومين وجراحاتهم لها لذة في دواخل الظلمة لا تعدلها أي لذة مهما كانت؛ وذلك لانتكاس الفطر عندهم وفرط التجبر وانطماس البصيرة ، كما أن الغفلة عن سوء المصير وعدمَ الإيمان بما بعد الموت لهو أكبر حافز للتمادي في الظلم ، وما ظَلَم ظالم وكل بقدر مظلمته إلا لنقص في إيمانه بربه وعدله المطلق سبحانه ، وأن العباد مجزيون بما عملوا من خير أو شر ..
لا أحد أحقُّ بالرحمة أيها الأحبة في الله ، من الظلمة ؛ لأنهم عندما يوقعون الظلم بالعباد إنما يوقعونه على أنفسهم ! وأنى لنفس أن تتحمل تراكمات الظلم وتنوعَها ؟! وكل بحسبه ؛ فلا تغتر أيها الظالم بإمهال الله ، فإن ربك لا يغفل ولا ينسى ولا ينبغي له سبحانه أن يغفل أو ينسى إنما هي أيام وساعات وترى مغبة ما أوبقت من المظالم ، ولا مصير أبأس من مصائر الظلمة لو علموا .. نسأل الله لطفه .
في هذا العام أيها الأحبة في الله ، حقت كلمة ربك على بعض الظلمة ؛ فمنهم من شُرِّد طريداً ، ومنهم من سجن ، ومنهم من قتل ، وبعض الظلمة في الأثر إن شاء الله ممن قتلوا شعوبهم وساموهم سوء العذاب ، فبعد العلو والرفعة والكبرياء ، كانت الذلة والصغار ، فبعد القصور الفارهة والمراكب الفخمة ، أضحت الحفر والجحور مأوى لهم وملاذاً ، وبعد الأمن أضحى الخوف يتلقفهم ذات اليمين وذات الشمال ، عندما كان الظالم في ملكه والكل يأتمر بأمره وينتهي بزجره ، كان ذا منظر مهيب ، ولكن بعد زوال ذلك الزيف واضمحلاله ، رأينا كيف أن أولئك الظلمة ما هم إلا كتل من الجبن والخور ، يخافون من سوء المصير ، وعندي أن أظلم من أولئك الظلمة من كان عوناً لأولئك الظلمة مطبلاً لهم نافخاً في الأبواق التي تبجلهم ؛ لأنه لا يصنع الظلمة إلا تلك البطانة التي تمجد فعل الظالم وتريه حسناً ما ليس بالحسن ، ولو أرته غير ذلك لربما ارعوى عن غيه وظلمه، وكم نتقن نحن الشعوبَ العربية صناعة الظلمة، ونحسن إنتاجها، ولا يمضي الزمان ، حتى نصطلي بنارهم ؛ لأنه من أعان ظالماً سلط عليه ، )وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالَمِيْنَ بَعْضَاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( ، ولو وقفت الشعوب ضد من رام الظلم من حكامها ؛ فإنها بذلك تحمي الحاكم من سوء المصير ، كما أنها تحقن دماءها ، وما أقبح حال تلك البطانة أما أدركت من المثلات أنه عندما يزول ذلك الحاكم فإنها في الأثر ، وأنها ستلقى المصير نفسه عاجلاً أم آجلاً .. لكنها الغفلة وبئس والله الرفيق ..
ومن عجيب الأمر أيها الجمع الكريم ، أن أولئك الظلمة مكثوا ردحاً من الزمن يتخوضون في خيرات البلاد ، ويتفننون في الاستحواذ عليها ، وبعد ذلك يجعلون منها ودائع في بلاد غير بلادهم ، على أمل الاستفادة منها بعد عزلهم أو الانقلاب عليهم ، وما دروا أن تلك الأموال وتلك الودائع ومن قبلها الأرواح قد عادت ؛ فالأرواح للحرق ، والأموال للشعوب ؛ لتبني حاضرها ومستقبلها الذي دمره ذلك الحاكم أو ذاك ، وهنا أوجه نداء لكل ظالم وسارق باع الناس وباع الوطن من أجل حفنة من المال ، أليس لك في القذافي ومن سبقه من الحكام معتبر ؛ إن كان فيك عقل فلا ريب أن عقلك سيجعلك تقلع عن غيك ، وإن كان غير ذلك فانتظر ، ووالله ستجد مغبة ما فعلت ، ولن تخرج من دنياك حتى ترى ظلمك حسرات عليك ، لقد وعى الناس واستوعبوا وغلت من ذلك مراجلهم فلا تكن وقود غضبتهم ، فتفسد عليهم دنياهم فيفسدوا عليك آخرتك ، فبالعدل تدوم الدول وبالظلم تتلاشى ، ويا سبحان الملك العظيم ! كل العروش التي اهتزت وقوضت أركانها ، كلها لحكام كانوا ذوي تدبير وحس أمني مرتفع، لكن قوة الله فوق كل شيء ..
إنه عندما يهلك الظالم وعندما يزول لا تجد من الناس من يرحمه ، أو يتلو عليه دعوات تنفعه ، بل إنهم يتبعون في الدنيا لعنة ويوم القيامة ، ولا يذكرون إلا في معرض العبرة والعظة للتحذير من سوء المصير ، وأما أنتم يا معاوني الظلمة ويا من تزينون لهم ظلمهم فلن تكونوا أحسن حالاً منهم ، وبئس والله رجلاً أفسد آخرته بدنيا غيره ، فكم لكم من أثر سيئ على الناس ؛ أتدرون لماذا ؟لأن الظلمة والمستبدين في غفلة ، ولولا خبثكم وسعيكم لما كانوا على شيء من الظلم ، ولما تسلطوا على رقاب الناس وأموالهم وأراضيهم ، لقد ظلمتم الناس قبل أن يظلموا من قبل الظلمة ، وشققتم عليهم ، فعليكم من الله ما تستحقون ، ستذهب الأموال التي جمعتموها والهبات التي حصلتم عليها ، ولكن الأوزار كاملة غير منقوصة تنتظركم عند ملك عدل سبحانه ، وعندها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الحمد ُلله على آلائه، وصلـواتُه على محمَّدٍ خاتمِ أنبيائه، وعلى آله وأصحابه وأصفيائه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعدُ :
فيا أيها الأحبة في الله ، إنه لا فكاك ولا سلامة يا من وليت أمراً من أمور المسلمين إلا بأن تجعل الله نصب عينيك في كل أمر تعمله ، فقبل أن تنظر إلى من هو فوقك من المسئولين ، توجه إلى ربك ؛ فإن كان عملاً يرضاه فافعله وإن غضب من غضب ، وإن كان ليس من مراضيه ، فاضرب به عُرض الحائط ولو أغضب ذلك من أمرك بيده ، وسترى إن خلصت النية منك أن الغضب منك يتحول إلى رضا عنك ؛ فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ، فالمصير منك بيد الله ، فهو سبحانه أحق من أرضي ، ولقد آن للناس وآن للشعوب أن تقول للظالم كف عنا ظلمك ، فإلى متى تباع الشعوب وتستهلك أموالها وتسرق من أجل أن يزاد في متع هؤلاء الظلمة ..
إن أمة هابت أن تقول للحاكم إنك ظالم وأن من حولك ما هم إلا ظلمة لأمة جديرة ألا تذوق السعادة والمجد ، وكل مسئول جل أو تواضع قدره لا بد أن يواجه وأن يساءل : لم أذللت الناس ؟ ولم حملتهم من أمرهم شططاً ؟ لم فرقت فذاك يكرم وذا يهان ؟ ولم هذه البقعة لها من العناية مالها وهذه دونها في الاهتمام ؟ لقد طفحت الشعوب بهذه المتناقضات ومللناها وغدونا نشك هل في إنسانيتنا نظر حتى نسام من مسئولينا سيم الخسف ، فإلى المشتكى وهو المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
أيها الأحبة في الله ، عندما نتفكر في الأحداث أن الحاكم كلما طالت مقاومته لشعبه كلما كان المصير منه سيئاً ، فالأول كان أقل مقاومة ففر بجلده ، والثاني قاوم وكان أكثر شراسة ، فهاهو يحاكم ، والثالث قتل وأجرم فمكن الله منه وقتل ، وسيكون مصير بشار عليه من الله ما يستحق أكثر عبرة إن شاء الله ، والأيام حبالى بالجديد ..
وهنا أمر مهم أيها الجمع الكريم ، وهو يخص القذافي ، فالكل يعلم أن لهيئة كبار العلماء فتوى بكفره على معتقدات باطلة وكفرية ، والرجل عاش بعد ذلك ولم ينكر شيئاً منها أو يتبرأ منها ، وعلى هذا فالرجل على هذه الفتوى لا يجوز الترحم عليه ، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو أعلم به.
المشاهدات 2222 | التعليقات 0