مَشهورٌ مَدَحَهُ الرّسولُ ﷺ الجمعة الرابعة شهر ذي القعدة 1441/11/26هـ
يوسف العوض
1441/11/20 - 2020/07/11 15:13PM
الخطبة الاولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَحَدِ الصّمَدِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أَحْمَدُهُ حَمْدَ مَنْ أَقَرَّ بِرُبُوبِيَّتِه وَأَذْعَنَ لِعَظَمَتِه أَحَاطَ بِالْأَشْيَاءِ عِلْمًا وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ، خَالِقُ الْخَلْقِ وَمُدَبَّرُ الْأَمْرَ ، مُنْزِلُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمدٍ صَلى اللَّهُ عَليهِ وسَلَّم ، اصْطَفَاه وَارْتَضَاه ، وَخَتَمَ بِهِ الرُّسُلَ وَقَرَنَ طَاعَتَه بِطَاعَتِه فاتقوه فَهُوَ الْقَائِلُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ..
أيُّها المُسلِمُون : تَضِّجُ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِماعيةِ بمشاهيرِ الْفَلَسِ !! نَعَمْ فَلَا هَمَّ لَهُمْ إلَّا الْحَدِيثُ عَنْ المَارْكَاتِ العَالَمِيَّةِ مِنْ الْمَلَابِسِ وَالزِّينَةِ وَاَلَّتِي تُفَلِسُ الجُيوبَ أَو التَسَكُّعُ فِي الْمَقَاهِي وَالْمَطَاعِمِ يُفَاخِرُون بمَشاربِهم ومَطاعمِهم فَتُفْلِسُ الصِّحَةَ أَو يجاهرون بِكَشْفِ عَوْرَاتِهِم وَهَتْكِ أستارهِم فَتُفْلِسُ الأَخْلاقَ وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فأَثَرُهم السَّيِّءُ عَلَى شَبَابِ الْأُمَّةِ ذُكوراً وإِناثاً وَاضِحٌ وشؤمُهم عَلَى أَوْقَاتِهِم وهِمَمِهم جَائِحٌ فَلَا حَرَّروا أَرْضًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسَّسُوا مَجْدًا لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ رَفَعُوا مَنَاراً لَلْمُحْسِنِينَ !! فاللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا .
أيُّها المُسلِمون : إِنَّ في أُمَةِ الإسْلامِ رجالاً فُضَلَاءَ وَأَئِمَّةَ عُظَمَاءَ ، حَرَصُوا عَلَى عِبَادِةِ الرَّبِّ ، ثُمّ نَفعِ الْخَلْقِ ، وَلَمْ يَرْغَبُوا فِي أَنْ يُعْرَفُوا ، بَل حَسْبُهُم أنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْرِفُهُم ، هم مَجْهُولون فِي أَهْلِ الْأَرْضِ مَعْرُوفون فِي أَهْلِ السَّمَاءِ ، ومِنْ مَشَاهِيرِ الآخرةِ الذين أَثْنَى عَلَيْهِم الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَخَصَّهُم بِالذِّكْرِ وَالْمَدْحِ والثَّناءِ ، مَن لَوْ أَقْسَمَ أحَدُهم عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، مِنهم سَيِّدُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ الْقُدْوَة ، الزَّاهِدُ الْعَابِدُ ،خَرَّج الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ شَرِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ أُوَيْسًا القَرَني)). .
وَلَعَلَّ مَنْ أَعْظَمِ مَا رُوِيَ فِي مَنَاقِبِهِ حَديثَ شَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمِّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُنَاسٍ كَثِيرِين ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَدْعَاء مَرْفُوعًا : ( ليدخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَصَحَّحَه الْأَلْبَانِيّ ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ إنْ هَذَا الشَّافِع هُو أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ .
أيُّها المُسْلِمُون : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحُجّ بِالنَّاسِ فِي كُلِّ سَنَةٍ طِوَالَ فَتْرَةِ خِلَافَتِه وَكَانَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَسْأَلُ عَنْ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيُّ ، الَّذِي وَصَفَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ التَّابِعِينَ وَقَدْ حَدَّثَ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسٌ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادِ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأ مِنْهُ إلَّا مَوْضِعُ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدةٌ هُوَ بَرٌّ بِهَا لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَك فَافعلْ ) وَفِي حَجِّ عام( ٢٣هـ ) صَعَد الْخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَهْلَ الْحَجِيجِ مَنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، أَفِيكُم أُوَيْسٌ مِنْ مُرَادٍ ؟ فَقَام شَيْخٌ كَبِيرٌ طَوِيلُ اللِّحْيَةِ مِنْ قَرَنٍ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّك قَدْ أَكْثَرْتَ السُّؤَالَ عَنْ أُوَيْسٍ هَذَا ، ومافينا أَحَدٌ اسْمُه أُوَيْسٌ إلَّا ابْنُ أَخٍ لِي يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ فَأَنَا عَمّهُ وَهُوَ حَقِيرٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، خَامِلُ الذِّكْرِ ، وَأَقَلُّ مالاً ، وأوهنُ أمراً مِنْ أَنْ يُرْفَعَ إلَيْك ذَكرُه ، فَقَالَ عُمَرُ : وَأَيْن ابْنُ أَخِيكَ هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ ؟ أَهُو مَعَنَا بِالْحَرَم ؟ قَالَ الشَّيْخُ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مَعَنَا فِي الْحَرَمِ ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي أَراكِ عَرَفَةَ يَرْعَى إبلاً لَنَا ، فَرَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى حِمَارَيْن لَهُمَا ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وأسرعا السَّيْرَ إلَى أَرَاكِ عَرَفَةَ يبحثان عَنْه ، فوجداه بَيْنَ الشَّجَرِ فِي طِمْرَيْن مِنْ صُوفٍ أَبْيَض وَقَدْ صَفَّ قَدَمَه يُصَلِّي إلَى شَجَرَةٍ مُتَّخِذهَا سُتْرَةً لَهُ وَقَدْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ وَأَلْقَى بناظريه إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَالْإِبِلُ حَوْلَه تَرْعَى ثُمّ أَقْبَلَا نَحْوَه ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمَا أَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَا لَهُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَال أُوَيْسٌ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، وَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ اسْمِهِ فَقَالَ إنَّهُ عَبْدُاللَّه وَابْنُ أَمَتِهِ فَمَا زَالَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى أَخْبَرَهُ باسْمِهِ ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنَّ يُرِيَهُ شِقِّهُ الْأَيْسَرَ ، قَال : وَمَا حَاجَتُكُمَا إلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَصَفَك لَنَا ، وَقَدْ وَجَدْنَا الصِّفَةَ كَمَا أَخْبَرَنَا غَيْرَ أَنَّهُ أَعْلَمَنَا أَن بشقِّك لُمْعَةً بَيْضَاءَ كمقدارِ الدينار أَو الدِّرْهَم ، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ نَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ فَكَشَف لَهُمَا عَنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ ، فَلَمَّا شَاهِدًا اللُّمْعَةَ ابتداره يُقبلانه وَقَالَا : نَشْهَدُ أَنَّك أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ ، ثُمّ بَكَيَا طويلاً وَقَالَا : يَا أُوَيْسٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنَا أَنْ نُقرئك السَّلَامَ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْأَلَك أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَنَا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَنَا يَرْحَمُك اللَّهُ فَافْعَلْ . . وَلَكِن أُوَيْسًا طَلَبَ أَنْ يُعْرِّفَاه بنفسِيهما ، فَقَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا هَذَا فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِين ، وَأَمَّا أَنَا فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَثَبَ أُوَيْسٌ مُستبشراً فعانقهَما وَرَحَّبَ بِهِمَا ، وَقَال جزاكما اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَيْرًا ، قَالا : و أَنْت جَزَاك اللَّهُ عَنْ نَفْسِك خَيْرًا ثُمَّ قَالَ أُوَيْسٌ : وَمِثْلِي يَسْتَغْفِرُ لأمثالِكما ؟ فَقَالَا : نَعَم ، إنَّا قَد احْتَجْنَا إلَى ذَلِكَ مِنْك ، وَطَلَبا مِنْهُ أَنَّ يَدْعُوَ لَهُمَا حَتَّى يُؤمِّنَا عَلَى دُعَائِهِ فَقَالَ اللّهُمّ إنْ هَذَيْنِ يَذْكُرَان أَنَّهُمَا يُحباني فِيك فَاغْفِر لَهُمَا وَأَدْخَلَهُمَا فِي شَفَاعَةِ نبيِهما مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَكَانَك رَحِمَك اللَّهُ حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَآتِيك بِنَفَقَةٍ مِنْ عَطَائِي وَفَضْلِ كِسْوَةٍ مِنْ ثِيَابِي ، فَإِنِّي أَرَاك رَثَّ الْحَالِ ، هَذَا الْمَكَانُ الْمِيعَادُ بَيْنِي وَبَيْنَك غداً ، فَقَال : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا مِيعَادَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا أَعْرِفُك بَعْدَ الْيَوْمِ وَلَا تَعْرِفُنِي ، مَا أَصْنَعُ بِالنَّفَقَةِ ؟ وَمَا أَصْنَعُ بِالْكِسْوَةِ ؟ أَمَا تَرَى عَلِيّ إزَارًا مِنْ صُوفٍ وَرِدَاءً مِنْ صُوفٍ مَتَى أَرَانِي أُخْلِقُهما ؟ أَمَا تَرَى نَعْلِي مَخْصُوفَتَيْن ، مَتَى تَرَانِي أُبلِيهما؟؟وَمَعِي أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَخَذْتُهَا مِنْ رعايتي ، مَتَى تَرَانِي أَكْلُهُمَا ! يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ بَيْنَ يَدَيْ عَقِبَهً لَا يَقْطَعُهَا إلَّا كُلُّ مُخِفٍّ مَهْزولٍ فَأَخِفَّ يَرْحَمُك اللَّهُ ، يَا أَبَا حَفْصٍ إنَّ الدُّنْيَا غَرَارَةٌ ، زَائِلَةٌ ، فَانِيَةٌ ، فَمَن أَمْسَى وَهِمَّتُه فِيهَا الْيَوْمَ مَدَّ عُنُقَهُ إلَى غَدٍ ، وَمَن مَدَّ عُنُقَهُ إلَى غَدٍ أَعْلَق قَلْبَه بِالْجُمُعَة ، وَمَن أَعْلَق قَلْبَه بِالْجُمُعَة لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الشَّهْرِ ، وَيُوشِكُ أَنْ يَطْلُبَ السَّنَةَ، وَآجَلُه أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَمَلِه ، وَمَن رَفَض هَذِهِ الدُّنْيَا أَدْرَك مايريدُ غداً مِنْ مُجَاوِرِةِ الْجَبَّار ، وَجَرَت تَحْت مَنَازِلِه الثِّمَارُ ، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَب بِدِرّتِه الْأَرْضَ ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَلَا لَيْتَ عُمَرَ لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ ، لَيْتَهَا عاقراً لَم تُعَالَج حَمْلَهَا . وَمَضَى أُوَيْسٌ يَسُوقُ الْإِبِلَ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَنْظُرَانِ إلَيْهِ حَتَّى غَابَ فَلَمْ يَرَوْهُ ، وَعَادَ عُمَرُ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَحْوَ مَكَّةَ ..
الخطبة الثانية:
الحمَّدُلله رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَبَعْد
أيُّها المُسلِمون : لَمْ يَكُنْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ كَعَامَّةِ النَّاس يَحْيَا وَلَا يُفَكِّرُ إلاَّ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ ؛ لَكِنَّه فَهِمَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الدُّنْيَا ، وأدان نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ انْعَكَسَت عُبَادَةُ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيّ عَلَى سُلُوكِه ، مِمَّا أَثَر إيجابًا فِي الْآخِرِينَ ، فَقَدْ كَانَ التَّأْثِيرُ بِسُلُوكِه أَكْثَرَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ ، فَهُو الْمُتَوَاضِعُ لِرَبِّه ، الْبَارُّ بِأُمِّه ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ دَائِمَ النُّصْحِ وَالتَّوْجِيه لِلْآخَرِين ، قائمًا بِالْحَقِّ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ مُعَادَاةِ الْآخَرِين لَه وَرَمْيِه بعظائمِ الْأُمُورِ إلَّا أَنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَأَخْبَارُ أُوَيْسٍ هُنَا تُسَطِّرُ لنَا بِجَلاءٍ أنَّه إذَا نافسَكَ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا فاتْركْهَا لَهُم ، وَإِن نافسوك عَلَى الْآخِرَةِ ، فَكُنْ أَنْتَ أَسْبَقَهُم ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا لِمَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ ، وَلَا يُعْطِي الْآخِرَةَ إلَّا لِمَنْ يُحِبُّ ..
((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا )). .
هَذَا ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَن يُلحقنا وَإِيَّاكُم بركابِهم ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا وَلَكُمْ وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَإِن يُعِينَنَا وَإِيَّاكُم عَلَى ذِكرِهِ وَشُكْرِه وَحُسْنِ عِبَادَتِه ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ . .