(مشكولة وموافقة للتعميم) تطبيق الحدود ومحاربة الفكر الضال
راشد بن عبد الرحمن البداح
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنّ عَلَيْنَا بِخَيْر الشَّرَائِع وَأَوْفَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، عزَّ ربًا وجلّ إلهًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ بِأَكْمَلِ الْمِلَل وَأَزْكَاهَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَعْلَمِ الْأُمَّةِ وَأَهْدَاهَا، أَمَّا بَعْدُ: فأوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، فاتّقوهُ حقَّ التقوَى، فهيَ الذُّخرُ الأبقَى والطّريقُ الأنقَى.
يَقُولُ النَّاسُ: فِي سَنَتِنَا هَذِهِ لَمْ يَأْتِ مَطَرٌ كَثِيرٌ!
فَيُقَالُ: بَلَى وَاَللّهِ هِيَ الرَّبِيعُ، فَقَدْ نَزَلَ بِبِلَادِنَا هَذَا الْأُسْبُوعَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَطَرِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ. وَلَا زَالَ النَّاسُ عَنْ رَبِيعِ عَامِ أَرْبَعِينَ يَتَحَدَّثُونَ، فَمَا بَالُهُمْ عَنْ الْوَاحِدِ وَالثَّمَانِين لَا يَتَحَدَّثُونَ؟! أبِالربيعِ يَفْرَحُونَ، وبالحدودِ لَا يَفْرَحُونَ؟!
فالْحُدُودُ فِي الْأَقْطَارِ أَنْفَعُ مِنْ نُزُولِ الْأَمْطَارِ. أَلَمْ يَقُلِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدٌّ يُعْمَلُ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلاَثِينَ صَبَاحًا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ والألَبَانيُّ.
إلَّا وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ نَنْعَمُ بِنِعْمَةٍ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي بِلَادِنَا، إلَّا وَهِيَ نِعْمَةٌ تَطْبِيقِ حُدُودَ اللَّهِ؛ وَمِنْ آخِرِهَا إقَامَةُ حَدِّ الْقَتْلِ وَالْحِرَابَةِ عَلَى وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ مُجْرِمًا أَخَافُوا النَّاسَ قَبْلَ سَنَواتٍ وَهُمْ آمِنُونَ. فَمَا جَرَائِمُهُمْ يا تُرَى؟
أَنَّهُم أحْدَاثُ أَسْنَانٍ سُفَهَاءُ أَحْلَامٍ اعتَنَقُوا الْفِكْرَ الضَّالَّ ومناهجَ مُنْحَرِفَةً ذاتَ ولاءاتٍ خَارِجِيَّةٍ مُعاديةٍ، فاستباحُوا الدِّمَاءَ الْمَعْصُومَةَ منْ مسؤولينَ ووافِدينَ ورِجَالِ أَمْنٍ بل وَالتَّمْثِيلَ بِبَعْضِهِم، ومنهمْ مَنْ قَتلَ أباهُ وأمَهُ، ولقدْ طَالَ إجرامُهمُ استهدافَ دُورِ الْعِبَادَةِ وَالمقارِ الحُكُومِيَّةِ، بزَرَعِ أَلْغَامٍ وخطفٍ وَتعْذِيبٍ واغتصابٍ وسطوٍ مُسَلَّحٍ، وتهريبِ أَسْلِحَةٍ للمملكةِ، فللْأَمْنْ زَعْزَعُوا، وللْفِتَنِ زَرَعُوا. ولـ"داعشَ" وَالْقَاعِدَةِ والحُوثيِ بايعُوا {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[الشعراء227].
وبكلِّ مرارةٍ وأسَىً أنهمْ أبناؤُنا ومِن بَني جِلْدَتِنَا بَغَوا عَلَيْنَا، وَخَرَقُوا سِيَاجَ أُمّتِنا وأَمنِنا، وكَفَى لؤْمًا أنْ يَنْشَؤُوا عَلى تُرَابِها وَيَأكُلُوا مِنْ خَيْرَاتِها ثُم يَقْلِبُوا لها ظَهْرَ المِجَنّ تَخْرِيْبًا وتَفْجِيرًا.
وَلَقَد تَوَلَّد لَدَى النَّاسِ -وللهِ الحمدُ- قَنَاعَةٌ تامةٌ بسَوْءاتِ الفِكْرِ التكفيريِ والتفجِيريِ، حَتَّى غَدا فِكرًا مَذؤومًا مَدحورًا، أُجاجًا مَمْجُوجًا مَجَّهُ الصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ.
فاللهم أَنَا نَبْرَأ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، وَنَسْأَلُك أَن تُديمَ عَلَيْنَا أمنَنا واجتماعَنا، وَإِن تَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْهُم، وَشَكَرَ اللهُ لِأُولَئِكَ الْقُضَاةِ حُكْمَهُم، وَرَفَع اللَّهُ قَدْرَ رِجَالَ أمننا تَتَبُّعَهُم، حَتَّى قَطَعُوا دَابِرَهُم، وجزى اللَّه إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ عَلَى حَسْمِهِما وحَزْمِهِما {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ بَازٍ -رحمَهُ اللهُ-: مِنْ الْوَاجِبِ عَلَى الرَّعِيَّةِ الشُّكْرُ لِلدَّوْلَةِ عَلَى مَا تَفْعَلُ مِنْ خَيْرٍ، والثَّناءُ عَلَيْها بذلكَ([1]).
إلَّا فلتَسلمِي دِيَارَ التَّوْحِيدِ شامخةً فِي قُوَّةٍ وَأَيْدٍ، سالمةً مِنْ كُلِّ مكرٍ وَكَيَدٍ، حائزةً لِكُلّ برٍّ وَخَيْرٍ، منيعةً عَنْ كُلِّ سُوءٍ وضَيرٍ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَكْلَؤُنَا ما حَيِيْنَا أوْ مُتْنَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْعَزِيزِ عَلَيْهِ مَا عَنِتْنَا، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِ النُّفُوسِ الْمَعْصُومَةِ جزَاؤُهُ أَرْبَعُ عُقُوبَاتٍ شديداتٍ. قَالَ رَبُّنَا متوِّعَدًا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء93] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ الشِّدَّةِ مَا تَقْشَعِرُّ لَه جُلُودُ الْعُتَاةِ إنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. أَنَّهَا أَرْبَعُ عُقُوبَاتٍ مُخِيفاتٍ: خُلُودٌ بِالنَّارِ، وَغَضَبُ الْجَبَّارِ، وَالطَّرْدُ وَالْبَوَارُ، وَعَذَاب عَظِيمٌ.
وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جوعاً وعَطَشاً، فَكَيْف بعُقُوبَةِ مَنْ قَتَلَ وَأَخَافَ النَّاسَ وَهُمْ آمِنُونَ؟! أمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ([2]).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الْحُدُودُ فِي الشَّرْعِ لَمْ تُشرَعْ عَبَثاً، وَإِنَّمَا لَهَا حِكَمٌ وَمَنَافِعُ مِنْهَا:
1-أَنَّ فِي إقَامَتِهَا استتبابًا لِلْأَمْنِ فِيِ الْبِلَادِ، وقطعًا لدابرِ أَهْلِ الْفَسَادِ. وَهَذَا بَعْضُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ).
2-أَنَّ فِيهَا إرضاءً لِلَّه -عزَّ وجلَّ- يَوْمَ يَرَى شريعتَه تُطْبَقُ، وَحُدُودَه تُنفَّذُ.
3-أَنَّ فِي إقَامَتِهَا عزةً وَقُوَّة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون8]
4-أَنَّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ حفظًا للضروراتِ الْخَمْسِ: النَّفْسِ وَالدِّينِ وَالْعَرْضِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ.
o فاللهم اهدِ شبابَ المسلمينَ. اللهم اهدِ مَن ضلَ فاغترَ من شبابِنا بفكرٍ تكفيرٍي أو تحرريٍ. اللهم قِهمْ فتنَ الشبهاتِ والشهواتِ. اللهم آمِنَّا في أوطانِنا واحفظ مُجاهِدِيْنَا ومُرَابِطِيْنَا.
o اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المَخذولينَ وعِصاباتِهِم المتخوِنينَ.
o اللهم أمكن ولاتَنا من كل عابثٍ بالأمنِ، وحاقدٍ على الوطنِ، وكل خائنٍ للهِ ورسولِهِ.
o اللهم يا ذا المُلكِ والمَلَكوتِ، يا مجيبَ الدعواتِ احفظ لنا ملكَنا وأمدَّه بالصحةِ في طاعتِك، ومصلحةِ الإسلامِ والمسلمينَ. اللهم أعنه على إدارةِ مملكتهِ بوليِ عهدهِ وسددهُ في قراراتهِ ومؤتمراتهِ.
o اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ، أَلاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحنُ مُسْلِمونَ.
o اللهم ابْسُطْ عَلَيْنا ووَالِدَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ. وارْحَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا.
o اللهم وفقنا للصالحاتِ قبلَ المماتِ، وأرشدنا إلى استدراكِ الهفواتِ، من قبلِ الفواتِ.
o وَصلِّ اللهمَّ وسلِّمْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
([1]) مجموع فتاوى ابن باز (7 / 126)
([2])سنن الترمذي (1395) وسنن النسائي (3987)
المرفقات
1647526435_تطبيق الحدود ومحاربة الفكر الضال.docx
1647526443_تطبيق الحدود ومحاربة الفكر الضال.pdf
سهيل بن أمين القاضي
جزاكم الله خير الجزاء وأوفاه، خطبة ممتازة مميزة مختصرة مفيدة
تعديل التعليق