مشكلة الديون

خطبة : عن مشكلة الديون       كتبها : خالد بن خضران الدلبحي العتيبي  الجمش – الدوادمي

 
الخطبة الأولى :

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

عباد الله إنَّ مشكلةَ الديونِ تُعتبر من المشاكل الكبيرة في المجتمع ولها آثارها على حياة الناس فالدين همٌ بالليل وذُلٌ بالنهار  ومن تأمل في واقع كثيرٍ من الناس وجد أنهم يتحملون في ذممهم ديوناً كثيرة وهذا له أسبابٌ سأذكرُ شيئاً منها ولكن قبل أن نذكر هذه الأسباب أحب أن أبين أن كونَ الإنسان يستدين ليس هذا محرماً إذا كان في أمر يحتاج إليه مع نيته في سداد هذا الدين فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقترض في شعير ورهن درعه عند يهودي كما في البخاري  .

ولكن أكثر ديون الناس ليست من هذا القبيل بل من أجل كماليات ومن أجل أمور ليست ضرورية ، فتجد أن بعض الناس يتحمل ديوناً كثيرة من أجل السفر للنزهة فينزل في أفخم الفنادق ويدخل أفضل المتنزهات ثم يأتي بعد ذلك محملا ًبالديون وآخر يتدين من أجل يجدد أثاث بيته وهذه عادته كل سنة  .

ولعلنا نتكلم عن بعض الأسباب التي أدت إلى تراكم الديون على كثير من الناس :

أولاً : التهاونُ بالدين حتى قال بعض من يتساهلون بالديون وهو عليه دين كثير قال للآخر كم عليك من الدين قال كذا وكذا فقال هذا المتساهل ( هذا دينُ عجوز ) !

سبحان الله إلى هذه الدرجة يكون التساهل في الدين ، ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة   عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ  ...ثم قال :  إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ)

وورد في الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نفسُ المؤمنِ معلقةٌ بدينه حتى يُقضى عنه .

قال بعض العلماء :  أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا  .

ثانياً : من أسباب الديون الإسرافُ والتبذير الإسراف في اللباس الإسراف في الأكل والشرب الإسراف في استخدام وسائل  في الكهرباء وغير ذلك وهذه كله من الشيطان قال تعالى  ( وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف : 31 ) فأباح الله عز وجل لعباده الأكل والشرب ونهاهم عن الإسراف بقوله ( ولا تسرفوا ) وهذا عام يشمل الإسراف في الأكل والشرب في اللباس وفي المراكب وفي المساكن ، ثم أخبر سبحانه أنه لا يحب المسرفين  .

 

ثالثاً : من أسباب الديون الفخرُ وحبُ أن يُشار إليه بالبنان ، فتجد أن الرجل يركب سيارة فاخرة ويشتري أثاثاً من أغلى الأنواع كل ذلك بالدين ثم يدخل في مشكلة الديون .

رابعاً : من أسباب الديون مجاراة الأغنياء في طعامهم ولباسهم ومراكبهم ومنازلهم فالله عز وجل من حكمته أن جعل هناك أغنياء وهناك فقراء أبتلى بعض عباده بالغنى وابتلى بعض عباده بالفقر( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف : 32 )

والمسلم ينظر في أمور دنياه إلى من هو دونه حتى يشكر الله ولا يكفر نعمةَ الله يقول عليه الصلاة والسلام : انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ

خامساً : من أسباب الديون الدخولُ في التجارات المحرمة كالمساهمات الربوية قال تعالى ((يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة : 276 ) فالمال الحرام وبال على صاحبه وهو منزوع البركة  .

سادساً : من أسباب الديون استعجال الظهور بسرعة من بعض من يريدون التجارة فتجده يتحمل ديونا ًكثيرة وليس عنده ما يغطي هذه الديون ويقول في نفسه إما أن أصعد بهذا المشروع أو أنزل وهذا خطأ والفقهاء يقولونه ( من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ) ومعلوم أن من سنن الله التدرج والارتقاء إلى الكمال أما القفز إلى الكمال بدون تدرج فهذا له عواقبه وخيمة  .

سابعاً : من أسباب الديون : معالجةُ الدين بالدين فإذا جاء وقت السداد وليس عنده شيء أخذ ديناً آخر ثم سدد الدين الأول وهكذا وهذا ليس حل للمشكلة بل هو تفخيم لها  .

وبعض من يدنون الناس يمارسون ربا الجاهلية الذي حرمه الله في كتابه فتجد أن المدين إذا جاء وقت السداد وليس عنده مال يطالبه بشراء سيارة منه كمثال ثم يسدد الدين الأول ويبدأ في دين جديد أكثر وهكذا فيتحمل المدين ديوناً كثيرة .

ثامناً : من أسباب الديونِ مطالبةُ الزوجةِ والأولاد الزوج بنفقة أكثر مما يستطيعه فيتحمل ديوناً من أجل ذلك مع أن نفقة الزوجة والأولاد تكون بحسب الطاقة والمعروف قال تعالى ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق : 7 )

تاسعاً : من أسباب الديونِ بعضُ عادات المجتمع وقد تكون هذه العادات عادات يرغب فيها الإسلام فتجد أن الإنسان يتحمل ديناً من أجل أن يذبح للضيوف وهو لا يستطيع السداد ثم بعد ذلك يماطل صاحب الدين ويتهرب منه فالضيف يكرم بقدر الطاقة ، وتجد أنه في مناسبات الزواج من العادة عندنا مساعدة الزوج وهذا أمر جيد ويشجع عليه ولكن الخطأ أن المجتمع لا يفرقون بين من يستطيع المساعدة ومن لا يستطيع فإذا لم يساعد قريبه لفقره ذمه بعضهم فيتحمل ديناً من أجل أن لا يذم وهو كاره للمساعدة لهم  .

نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه ويغنينا من فضله عمن سواه .

 

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

فهذه وصايا للمدين والداين

الوصية الأول : عليك أيها المدين أن تنوي في قلبك السداد أثناء الدين حتى تعان على السداد من الله ففي صحيح البخاري  عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )

الوصية الثانية : حاول أن تسدد الدين شيئا ًفشيئاً ولا تترك السداد بحجة أنك لا تستطيع أن تسدده كاملاً  .

الوصية الثالثة : عليك بكثرة دعاء الله ومن ذلك ما جاء في الترمذي وهو حديث صحيح من حديث علي بن أبي طالب أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ) وألح على الله كثيراً بهذا الدعاء فترى من الله الفرج  .

وأوصي الدائن بالرحمة والشفقة بمن عليه الدين وذلك بإنظاره وإسقاط الدين عنه إذا كان معسراً  أو بعض الدين قال تعالى ((وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة :  

وفي ذلك الأجر العظيم من الله ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر أن النبي عليه الصلاة والسلام :  قال  مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ )

ومن الفضل في ذلك ما جاء في البخاري  عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ ) إلا من عُرف بالتلاعب بأموال الناس فهذا يرفع أمره إلى القضاء حتى يعاقب وفي هذا مصلحة حتى يرتدع عن التلاعب بأموال الناس وعلينا يا عباد الله مساعدة إخواننا الذين عليه دينٌ خاصة من استدان من أجل الحاجة ولذلك كان من مصارف الزكاة الثمانية ما يصرف لمن عليهم ديون قال تعالى ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) والغارمون هم من عليهم ديون   .

نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه ويغنينا من فضله عمن سواه .

......  

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1725536737_خطبة عن مشكلة الديون.docx

المشاهدات 557 | التعليقات 0