مشروعك الرمضاني
عبدالله اليابس
1438/08/29 - 2017/05/25 20:44PM
المشروع الرمضاني الجمعة 29/8/1438هـ
الحمد لله رب العالمين، يسمع دعاء الخلائق ويجيب, يؤنس الوحيد، ويَهدي الشريد، ويُذهب الوحشة عن الغريب, يغفر لمن استغفره، ويرحَم مَن استرحمه، ويصلح المعيب, يستر العصاة، ويمهل البغاة، ومن تاب منهم قُبِل وأُثيب, من أطاعه تولاه، ومن غفل عنه لا ينساه، وله من الرزق نصيب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المهيمن والرقيب, من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه فالفرج قريب.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المقرَّبُ والحبيب, خَلقُه نعمة، ومبعثه رحمة، وشمس سنته لا تغيب, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه كلما أثنى عليه شاعر أو أديب، وطالما عرف حقه عالم أو نجيب, وعلى الصحب والآل وكل من انتسب إليه من بعيد أو قريب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. هاهي أنسام الخير تتسلل لتملأ أجواءنا عطرًا وعبيرًا, وهاهي أيام رمضان تقترب لتعلن دخول شهر من أفضل شهور السنة على الإطلاق.
نعم .. هو شهر الخير, شهر البركة, شهر العتق من النار.
نعم .. شهر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه إذا دخل, أخرج النسائي وغيره وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاكم شهر رمضان, شهر مبارك, فرض الله عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم".
أيها الأخ المبارك.. كل عمل ناجح لابد أن يسبقه تخطيط, وإذا أردت أن يكون رمضانك لهذا العام ناجحًا, فهل خططت لذلك؟
اسمح لي أن أسألك: هل فكرت في مشروعك الرمضاني؟ أم لا زلت تنتظر أن يدخل الشهر وينتهي دون أن يكون لك أي مشروع؟!
هاهو شهر رمضان هلَّ من جديد، وبدأت الخطوات الأولى فيه، وها أنت ما زلت حياً وغيرك في بطون القبور! ومعافاً وغيرك يئن من أمراضه، وحراً طليقاً وغيرك في غياهب السجون فماذا تنتظر؟
إن لديك طاقةً هائلة، وإرادة قوية، ورمضان الوقت المناسب لتفجير هذه الطاقات، وإطلاق هذه القدرات.
إن رمضان فرصة لا تتكرر في تاريخ إنسان كثيرًا, كونه في العام مرة واحدة، وزمنه محدود، وروح الإنسان ومشاعره في أيامه قابلة للتحليق إلى أوسع طاقات الإنسان وقدراته، وهو كذلك أكبر من أن يستهلك في أعمالٍ بسيطة، وجهود غير مرتبة، وأولويات غير منتظمة.
إنك بحاجة إلى مشروع تقفُ فيه أولاً مع نفسك, وترتبُ أولوياتك, وتستعرض فيه عدداً من المشاريع الممكنة, وتمايز بينها على قدر حجمها وأثرها على نفسك وواقعك, ثم تختار مشروعك الرمضاني المناسب .
إن تحديدك لمشروعك الرمضاني يجعلك ترتّب أولوياتك في شهر رمضان وتستنفر كل طاقاتك لتحقيق هذا المشروع، ويجعل لك هدفاً عريضاً تسعى لتحقيقه وتشعر بعد ذلك بأهميته ..
وكم هي الأعوام التي عانقنا فيها رمضان وبكينا فيها أسفاً لفوات حظنا منه ليلة العيد.
إن مشروعك يمكن أن يكون توبة خالصة لله تعالى، تُقبل في هذا الشهر على إعلان عزك بالهداية، وتميزك بالاستقامة، وتعلن فيها رجوعك إلى ربك ومولاك, وسلوكك الطريق الصحيح الذي أوله سعادة في الدنيا, وآخره جنة عرضها السماوات والأرض, مشروع تتخلص فيه من ضغط الأصدقاء, ورغبات الأخلاء, وتتجرد من كل شهواتك العارضة, لتكون في هذا الشهر وما بعده إنساناً كبيراً بهمه وهدفه ورسالته، وتعود أنت بذاتك مشروعاً كبيراً من مشروعات الأمة.
وكم من إنسان كان رمضان بداية صفحات حياته السعيدة, لبس فيه أعظم حلل التوفيق، وخرج يوم العيد في أبهى مباهج الأفراح؟ ولو لم يكن من ذلك إلا أفراح قلبك وسمو روحك لكان كافياً فكيف إذا علمت حديث رسولك صلى الله عليه وسلم وهو يصف أثر توبتك على ربك: " للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه، حين يتوبُ إليه، من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ, فانفلتت منه, وعليها طعامُه وشرابُه, فأيس منها ,فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها, قد أيس من راحلتِه. فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده, فأخذ بخطامِها, ثم قال من شدةِ الفرحِ: (اللهم! أنت عبدي وأنا ربُّك). أخطأ من شدةِ الفرحِ" متفق عليه.
ويمكن أن يكون مشروعك " تجديد الصلة بالله تعالى"، فكثير من الناس يعيش شعثاً في وقته وعبادته وصلته بالله تعالى فليس له ورد محدد من صلاة أو صدقة أو قراءة قرآن أو بر وصلة ومعروف، أو له ورد ثابت لكنه ورد ضعيف؛ لا يرتقي لمعالم الكبار.
رتّب قبل دخول الشهر ورداً ثابتاً في هذا المشروع .. من قراءة قرآن .. أو أذكار وتسبيحات وأوراد .. أو عمل صالحة أخرى.. ورد ثابت لا تتنازل عنه في أيام وليالي شهر رمضان كله، وستجد من صفاء قلبك ورقة مشاعرك وحياة روحك ما لا تسعه مشاعر إنسان.
أيها الأخوة.. ويمكن أن يكون مشروع الإنسان: " تدبر كتاب الله تعالى" والوقوف على معاني آيات هذا القرآن العظيم، والشرب من معينه الصافي، بحيث يجعل له أوقاتاً محددة لهذا المشروع بعد أن يحدد له كتباً من كتب التفسير تعينه على تحقيق مشروعه .
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان " تجديد الصلة بالكتاب", فيحدد عدداً من الكتب في فنه الذي يريد أن يتخصص فيه أو مشروعه الذي يريد أن يبنيه ويبدأ رحلة العلاقة بالكتاب من جديد، ويمكنه أن يحدد الوقت المناسب والساعات التي يود أن يقضيها في مشروعه حتى يقف على نهايته كما أراد .
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان "إغاثة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين" والقيام على رعايتهم في هذا الشهر، وإيصال كل صاحب فضل إليهم وترتيب أوضاعهم والقيام على خدمتهم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله تعالى لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على النبي الأمين, أما بعد:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ما زال الحديث في المشروع الرمضاني .. نعم ينبغي لكل إنسان أن يكون رمضانه لهذا العام مختلفًا .. يسعى لأن لا يسبقه إلى الله تعالى أحد ..
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان تبني مشروعات دعوية وتربوية واجتماعية توصل رسالتها للناس في حلة مؤثرة وتكتب بآثارها أروع أحداث ترقبها الأمة في حياة أجيالها.
إن المجتمع اليوم بحاجة لأن ينزل إلى ميدان العمل الأفراد الذين يجلسون على دكة الاحتياط, فالهجمة شرسة على ديننا وأخلاقنا, ولا بد أن ينزل لميدان العمل كل من تكاسل أو استراح في فترة ماضية, فالنار إن كنت تراها اليوم ولم تطفئها فستصل إلى طرف ثيابك غدًا لا قدر الله, وتذكر قولا لنبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " فواللَّهِ لَإِنْ يَهدي اللَّهُ بكَ رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ".
ويمكن للإنسان أكثر من مشروع في رمضان فيكون الأصل: "تجديد الصلة بالله تعالى وتحقيق التقوى التي أشار الله تعالى لها في شرعية رمضان بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}, ثم يمضي بعد ذلك في تحقيق أهداف أخرى تساند الهدف العام وتصنع مشاريع أخرى كبرى في حياة إنسان.
إن رمضان فرصة لإحداث نقلة مشاعرية وجسدية في حياتنا، ونقلة لتجريب رحلة المشروع وأثره في أوقاتنا، وفرصة أن نقف على الفرق الكبير بين العمل العشوائي غير المرتب، وبين المشروع في حياة إنسان.
تذكّر أن القنـــاعة بالدون دنـــــــاءة:
وتعظم في عين الصغير صغارها .. وتصغر في عين الكبير العظائم
لقد آن الوقت أن نخطو خطوات أكبر من الواقع الذي نعيشه حتى نحدث الأثر الذي ننشده، وأجزم أن الوقت غير مناسب لتكرير مشاريع ميّتة أو مستهلكة, أو مشاريع تجاوزها الواقع ولم يعد لها رصيد من التأثير، أو حتى من غير المناسب أن نخوض مشاريع أقل من طاقاتنا بكثير.
أيها الأخ الحبيب .. ستأتي إن شاء الله تعالى تلك اللحظة التي تقف فيها على تكبيرات المسلمين بنهاية رمضان ودخول العيد وقد كتبت في تاريخ حياتك أروع الأمثلة على قدرتك في إدارة مشروع حياتك . . ومددت في خطو الأمة خطوات واسعة إلى الأمام, وعند الصباح يحمد القوم السرى.
اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
* ملاحظة: أصل الخطبة مقال للدكتور المبارك/ مشعل الفلاحي بعنوان: "المشروع الرمضاني".
الحمد لله رب العالمين، يسمع دعاء الخلائق ويجيب, يؤنس الوحيد، ويَهدي الشريد، ويُذهب الوحشة عن الغريب, يغفر لمن استغفره، ويرحَم مَن استرحمه، ويصلح المعيب, يستر العصاة، ويمهل البغاة، ومن تاب منهم قُبِل وأُثيب, من أطاعه تولاه، ومن غفل عنه لا ينساه، وله من الرزق نصيب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المهيمن والرقيب, من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه فالفرج قريب.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المقرَّبُ والحبيب, خَلقُه نعمة، ومبعثه رحمة، وشمس سنته لا تغيب, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه كلما أثنى عليه شاعر أو أديب، وطالما عرف حقه عالم أو نجيب, وعلى الصحب والآل وكل من انتسب إليه من بعيد أو قريب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. هاهي أنسام الخير تتسلل لتملأ أجواءنا عطرًا وعبيرًا, وهاهي أيام رمضان تقترب لتعلن دخول شهر من أفضل شهور السنة على الإطلاق.
نعم .. هو شهر الخير, شهر البركة, شهر العتق من النار.
نعم .. شهر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه إذا دخل, أخرج النسائي وغيره وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاكم شهر رمضان, شهر مبارك, فرض الله عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم".
أيها الأخ المبارك.. كل عمل ناجح لابد أن يسبقه تخطيط, وإذا أردت أن يكون رمضانك لهذا العام ناجحًا, فهل خططت لذلك؟
اسمح لي أن أسألك: هل فكرت في مشروعك الرمضاني؟ أم لا زلت تنتظر أن يدخل الشهر وينتهي دون أن يكون لك أي مشروع؟!
هاهو شهر رمضان هلَّ من جديد، وبدأت الخطوات الأولى فيه، وها أنت ما زلت حياً وغيرك في بطون القبور! ومعافاً وغيرك يئن من أمراضه، وحراً طليقاً وغيرك في غياهب السجون فماذا تنتظر؟
إن لديك طاقةً هائلة، وإرادة قوية، ورمضان الوقت المناسب لتفجير هذه الطاقات، وإطلاق هذه القدرات.
إن رمضان فرصة لا تتكرر في تاريخ إنسان كثيرًا, كونه في العام مرة واحدة، وزمنه محدود، وروح الإنسان ومشاعره في أيامه قابلة للتحليق إلى أوسع طاقات الإنسان وقدراته، وهو كذلك أكبر من أن يستهلك في أعمالٍ بسيطة، وجهود غير مرتبة، وأولويات غير منتظمة.
إنك بحاجة إلى مشروع تقفُ فيه أولاً مع نفسك, وترتبُ أولوياتك, وتستعرض فيه عدداً من المشاريع الممكنة, وتمايز بينها على قدر حجمها وأثرها على نفسك وواقعك, ثم تختار مشروعك الرمضاني المناسب .
إن تحديدك لمشروعك الرمضاني يجعلك ترتّب أولوياتك في شهر رمضان وتستنفر كل طاقاتك لتحقيق هذا المشروع، ويجعل لك هدفاً عريضاً تسعى لتحقيقه وتشعر بعد ذلك بأهميته ..
وكم هي الأعوام التي عانقنا فيها رمضان وبكينا فيها أسفاً لفوات حظنا منه ليلة العيد.
إن مشروعك يمكن أن يكون توبة خالصة لله تعالى، تُقبل في هذا الشهر على إعلان عزك بالهداية، وتميزك بالاستقامة، وتعلن فيها رجوعك إلى ربك ومولاك, وسلوكك الطريق الصحيح الذي أوله سعادة في الدنيا, وآخره جنة عرضها السماوات والأرض, مشروع تتخلص فيه من ضغط الأصدقاء, ورغبات الأخلاء, وتتجرد من كل شهواتك العارضة, لتكون في هذا الشهر وما بعده إنساناً كبيراً بهمه وهدفه ورسالته، وتعود أنت بذاتك مشروعاً كبيراً من مشروعات الأمة.
وكم من إنسان كان رمضان بداية صفحات حياته السعيدة, لبس فيه أعظم حلل التوفيق، وخرج يوم العيد في أبهى مباهج الأفراح؟ ولو لم يكن من ذلك إلا أفراح قلبك وسمو روحك لكان كافياً فكيف إذا علمت حديث رسولك صلى الله عليه وسلم وهو يصف أثر توبتك على ربك: " للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه، حين يتوبُ إليه، من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ, فانفلتت منه, وعليها طعامُه وشرابُه, فأيس منها ,فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها, قد أيس من راحلتِه. فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده, فأخذ بخطامِها, ثم قال من شدةِ الفرحِ: (اللهم! أنت عبدي وأنا ربُّك). أخطأ من شدةِ الفرحِ" متفق عليه.
ويمكن أن يكون مشروعك " تجديد الصلة بالله تعالى"، فكثير من الناس يعيش شعثاً في وقته وعبادته وصلته بالله تعالى فليس له ورد محدد من صلاة أو صدقة أو قراءة قرآن أو بر وصلة ومعروف، أو له ورد ثابت لكنه ورد ضعيف؛ لا يرتقي لمعالم الكبار.
رتّب قبل دخول الشهر ورداً ثابتاً في هذا المشروع .. من قراءة قرآن .. أو أذكار وتسبيحات وأوراد .. أو عمل صالحة أخرى.. ورد ثابت لا تتنازل عنه في أيام وليالي شهر رمضان كله، وستجد من صفاء قلبك ورقة مشاعرك وحياة روحك ما لا تسعه مشاعر إنسان.
أيها الأخوة.. ويمكن أن يكون مشروع الإنسان: " تدبر كتاب الله تعالى" والوقوف على معاني آيات هذا القرآن العظيم، والشرب من معينه الصافي، بحيث يجعل له أوقاتاً محددة لهذا المشروع بعد أن يحدد له كتباً من كتب التفسير تعينه على تحقيق مشروعه .
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان " تجديد الصلة بالكتاب", فيحدد عدداً من الكتب في فنه الذي يريد أن يتخصص فيه أو مشروعه الذي يريد أن يبنيه ويبدأ رحلة العلاقة بالكتاب من جديد، ويمكنه أن يحدد الوقت المناسب والساعات التي يود أن يقضيها في مشروعه حتى يقف على نهايته كما أراد .
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان "إغاثة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين" والقيام على رعايتهم في هذا الشهر، وإيصال كل صاحب فضل إليهم وترتيب أوضاعهم والقيام على خدمتهم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله تعالى لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على النبي الأمين, أما بعد:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ما زال الحديث في المشروع الرمضاني .. نعم ينبغي لكل إنسان أن يكون رمضانه لهذا العام مختلفًا .. يسعى لأن لا يسبقه إلى الله تعالى أحد ..
ويمكن أن يكون مشروع الإنسان تبني مشروعات دعوية وتربوية واجتماعية توصل رسالتها للناس في حلة مؤثرة وتكتب بآثارها أروع أحداث ترقبها الأمة في حياة أجيالها.
إن المجتمع اليوم بحاجة لأن ينزل إلى ميدان العمل الأفراد الذين يجلسون على دكة الاحتياط, فالهجمة شرسة على ديننا وأخلاقنا, ولا بد أن ينزل لميدان العمل كل من تكاسل أو استراح في فترة ماضية, فالنار إن كنت تراها اليوم ولم تطفئها فستصل إلى طرف ثيابك غدًا لا قدر الله, وتذكر قولا لنبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " فواللَّهِ لَإِنْ يَهدي اللَّهُ بكَ رجلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ".
ويمكن للإنسان أكثر من مشروع في رمضان فيكون الأصل: "تجديد الصلة بالله تعالى وتحقيق التقوى التي أشار الله تعالى لها في شرعية رمضان بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}, ثم يمضي بعد ذلك في تحقيق أهداف أخرى تساند الهدف العام وتصنع مشاريع أخرى كبرى في حياة إنسان.
إن رمضان فرصة لإحداث نقلة مشاعرية وجسدية في حياتنا، ونقلة لتجريب رحلة المشروع وأثره في أوقاتنا، وفرصة أن نقف على الفرق الكبير بين العمل العشوائي غير المرتب، وبين المشروع في حياة إنسان.
تذكّر أن القنـــاعة بالدون دنـــــــاءة:
وتعظم في عين الصغير صغارها .. وتصغر في عين الكبير العظائم
لقد آن الوقت أن نخطو خطوات أكبر من الواقع الذي نعيشه حتى نحدث الأثر الذي ننشده، وأجزم أن الوقت غير مناسب لتكرير مشاريع ميّتة أو مستهلكة, أو مشاريع تجاوزها الواقع ولم يعد لها رصيد من التأثير، أو حتى من غير المناسب أن نخوض مشاريع أقل من طاقاتنا بكثير.
أيها الأخ الحبيب .. ستأتي إن شاء الله تعالى تلك اللحظة التي تقف فيها على تكبيرات المسلمين بنهاية رمضان ودخول العيد وقد كتبت في تاريخ حياتك أروع الأمثلة على قدرتك في إدارة مشروع حياتك . . ومددت في خطو الأمة خطوات واسعة إلى الأمام, وعند الصباح يحمد القوم السرى.
اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
* ملاحظة: أصل الخطبة مقال للدكتور المبارك/ مشعل الفلاحي بعنوان: "المشروع الرمضاني".
المرفقات
المشروع الرمضاني 29-8-1438هـ.docx
المشروع الرمضاني 29-8-1438هـ.docx