مشاهد الحج ..الشيخ/ محمد الحسن الددو
الفريق العلمي
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد فإن الأعمال الصالحة تُكَمّل الإيمان وتزيده ولا يمكن أن يتم ولا أن يرسخ ولا أن يثبت في النفوس إلا بها؛ إذ بها تذاق حلاوة الإيمان، وبها ترتفع درجاته في قلب الإنسان، والحج من أكثر هذه الأعمال تأثيراً في الإيمان فإن كثيراً من أعماله تعبدية لا تَعَلُّليةٌ، ولا يدرك الشخص حِكَمَها ولكنها تنبهه على الموت وما بعده فيزداد إيمانه بذلك ويتأكد فما كان تَعلُّلياً من الأعمال قد يفعله الشخص بدافع المصلحة المترتبة عليه، أما ما كان تعَبِدُّياً محضاً فإنما يفعله الشخص من منطلق التسليم والاستسلام لأمر الله، ولا يخفى ما بين التسليم والإيمان من قوة الصلة: قال الله تعالى: "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" [الأحزاب:22].
بداية الحج:
فبداية الحج هي الخروج من الأوطان والبلدان وسلوك هذه الفجاج العميقة، ثم بعد ذلك يغتسل الشخص كما تُغْسلُ الجنازة، ثم يلبس إحرامه كما يدرج في أكفانه، ثم يصلي كما يصلي المقرب للقتل، ثم يتهيأ بالتلبية لإجابة بارئه ومولاه، ويتذكر بذلك إجابته إذا دعاه حين الموت فإن الله سبحانه وتعالى يرسل ملك الموت ليقبض الأرواح، فتستجيب الأرواح دون تقدم ولا تأخر كما قال الله: "وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام:61-62]. فيتذكر الإنسان هنا إجابة هذه النفس لبارئها إذا دعاها بتلبيتها دعاء الله الذي أمر به خليله في قوله "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" [الحج:27]. ويتجرد الشخص من مهامه كلها، ومن أمور الدنيا كلها حتى من ملابسه؛ ابتغاء مرضاة مولاه سبحانه وتعالى. وبذلك يتم الإقبال عليه، وأول ما ينادي بالتلبية يتذكر أن الناس في جواب الله تعالى لهم بهذه التلبية ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: الذين كتب الله لهم الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة(1)، وأراد أن يباهي بهم ملائكته واختارهم ليكونوا من وفده الذي