مسلمو الأُويْغُور وكورونا-13-6-1441هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلالِ الهاجري
محمد بن سامر
1441/06/13 - 2020/02/07 06:33AM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
نداءٌ عاجلٌ من دولةِ الصِّينِ العظمى إلى العالمِ أجمعَ: ارفعوا حالةَ التَّأهبِ العَالميِّ، وأعلنوا حالةَ الاستنفارِ الدَّوليِّ، تصريحاتٌ على أعلى المُستوياتِ، بدأتْ خِطَطُ الطَّوارئ وإدارةُ الأزماتِ، القلقُ يسودُ العالمُ، إجلاءُ الرَّعايا في أسرعِ وقتٍ، إجراءاتٌ مُشدَّدةٌ في المطاراتِ، الخطوطُ العالميةُ تُعلِّقُ الرِّحلاتِ، الشَّوارعُ خاليةٌ، والأسواقُ مُغلقةٌ، كماماتٌ، فحوصاتٌ، اشتباهاتٌ، استغاثاتٌ، ها هي الصِّينُ اليومَ تُعزلُ صِحيًّا، وتُقاطعُ دوليًّا، وتُحاصرُ اقتصاديًا، فيا اللهُ ما هذا الذي دكَّ سورَ الصِّينِ؟ ما الذي أمرضَ التِّنينَ؟ أليستْ هي أكثرُ الدُّولِ شَعبًا؟ أليستْ هي أقوى البلادِ جَيشًا؟ أليسَ اقتصادُها هو ثاني أقوى اقتصادٍ في العالمِ؟.
إنَّ ذلكَ كلَّه يحدثُ بسببِ فَيروسٍ صغيرٍ جِدًا لا يُرى بالعينِ، فَعلَ كلَّ ذلكَ بدولةٍ من أكبرِ دولِ العالمِ، في أيامٍ معدوداتٍ، فلا إلهَ إلا اللهُ.
والآن دعوني أُحدِّثُكم عن أحداثٍ قد يكونُ لها علاقةٌ بهذا البلاءِ، في عامِ 1949م-لما احتلَ اليهودُ فلسطينَ-احتلَّتْ الصينُ تركستانَ الشَّرقيةَ، التي دخلَها الإسلامُ في عامِ 96 للهجرةِ على يدِ القائدِ المُسلمِ قُتيبةَ بنِ مسلمٍ الباهليِّ، والتي يَبلغُ عددُ سُكَّانِها 25 مليون مُسلمٍ، وفيها كمياتٌ من ثَرواتٍ ضخمةٍ من بترولٍ وغازٍ طَبيعيٍّ ومعادنَ، وتحوي أرضًا زراعيةً خصبةً وغنيةً تُقدَّرُ بحوالي 50 ألف كيلومتر مربع، فكيفَ عاملَ الصِّينيونَ هذا الشَّعبَ المُسلمَ الغنيَّ؟.
على الرَّغمِ من أنَّ المادةَ رقم (36) من دستورِ جمهوريةِ الصينِ الشعبيةِ تَنصُّ على أن: "كلَّ مواطنٍ صِينيٍّ له حُريةُ العقيدةِ والدِّينِ، والدولةُ تَحمي الشَّعائرَ الدِّينيةَ للمُواطنينَ العَاديِّينَ"، إلا أنَّ الصَّينَ كانَ لها طريقةٌ أخرى في التَّعاملِ مع مُسلمي الأُويْغُورِ، فتمَّ الإعلانُ رَسميًا بأنَّ الإسلامَ خَارجٌ على القَانونِ، وسوفَ يُعاقبُ كلُّ من يَعملُ بهِ، فمُنعَ تعليمُ الدِّينِ وإقامةُ العباداتِ الإسلاميةِ، وفُرضتْ عقوباتٌ صارمةٌ ضِدَّ الصَّلاةِ والصِّيامِ والحجابِ تَصلُ إلى الإعدامِ.
ثُمَّ تحوَّلتْ تركستانُ إلى سِجنٍ مفتوحٍ للمسلمينَ، وشَوارعُها مَليئةٌ بكاميراتِ المُراقبةِ، والجنودُ الصينيونَ يَجوبونها وفي أيديهم السِّلاحُ، ومعهم الأمرُ بإطلاقِ النَّارِ على كلِّ من يُظهرُ شَعيرةً من شعائرِ الإسلامِ، وأصبحَ فيها أكثرُ من 500 مُعتقلٍ وسجنٍ، تُديرُها حكومةُ الصِّينِ لاحتجازِ المسلمينَ، والذي فاقَ عددُهم أكثرَ من مليونِ شخصٍ بحُجَّةِ إعادةِ تَّأهيلِ وإصلاحِهم، وحقيقتُها مجازرُ لمحوِ العقيدةِ الإسلاميةِ، واستبدالُها بعقيدةِ الكفرِ والإلحادِ.
وهُدمَ الآلافُ من المساجدِ، وأُغلقتْ المدارسُ الإسلاميةُ، وأُحرقتْ المصاحفُ والكُتبُ الدِّينيةُ، ومُنعتْ الأعيادُ والأسماءُ الإسلاميةِ، وأُجبرَ المسلمونَ على السُّجودِ للأصنامِ، وأكلِ لحمِ الخنزيرِ، وشُربِ الخَمرِ، وأُرسلَ الأطفالُ إلى مَدارسَ مُحصَّنةٍ ومُحاطةٍ بأسلاكٍ كَهربائيةٍ، تَحتَ الرَّقابةِ الدَّائمةِ لتربيةِ جيلٍ جديدٍ من أطفالِ المسلمينَ، ليصبحوا كفارًا، لا يعرفونَ الإسلامَ، ولا اللغةَ العربيةَ لغةَ الإسلامِ.
وشجَّعَ الاحتلالُ الصِّينيُّ العاطلينَ من أبناءِ الصينِ على الهجرةِ، والعملِ في تركستانَ مع تَقديمِ الحَوافزِ المغريةِ لهم، وتهيئةِ المسكنِ، وأرسلَ أعدادًا هائلةً من العَسكريينَ وعائلاتِهم إلى المنطقةِ، واستولى الصينيونَ على ثَرواتِ المسلمينَ، وتَولوا المناصبَ العُليا القِياديةَ المدنيةَ والعَسكريةَ، وأصبحَ السُّكانُ الأصليونَ يعيشونَ تحتَ خطِّ الفَقرِ، بل تَعدى الأمرُ إلى إرسالِ الآلافِ من الكفارِ المجرمينِ، المحكومِ عليهم في قَضايا سياسيةٍ أو جنائيةٍ إلى تركستان؛ وإجبارِ المسلمينَ على استضافتهم في بيوتِهم ليسكنوا معهم، حتى بلغتْ نسبةُ الصِّينيينَ في بَعضِ المُدنِ الكُبرى إلى 90 %.
وأما المرأةُ المُسلمةُ فلكم أن تتخيلوا هذا الضَّعيفةَ بينَ الملاحدةِ يفعلونَ بها ما شاؤوا، فحسبُها وحسبُنا والمسلمينَ اللهُ ونعمُ الوكيلُ.
كَمْ يَستغيثُ بنا المُستضعفونَ وَهُم*قَتلى وأَسرى فما يَهتزُّ إنسانُ!
ماذا التقاُطعُ في الإسلامِ بَينكمُ*وأنتمْ يا عبادَ اللهِ إخوانُ
ألا نُفوسٌ أبيَّاتٌ لها هِممٌ*أَمَا على الخَيرِ أنصارٌ وأَعوانُ
يا رُبَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بِينَهما* كَما تُفَرَّقُ أرواحٌ وأبدانُ
وطِفلةٍ مُثلُ حُسنِ الشَّمسِ إذ طَلعتْ*كَأنَّما هيَ يَاقوتٌ ومَرجانُ
يَقودُها العِلجُ للمَكروهِ مُكرَهةً*والعينُ بَاكيةٌ والقَلبُ حَيرانُ
لمثلِ هَذا يَذوبُ القَلبُ من كَمَدٍ*إنْ كَانَ في القَلبِ إسلامٌ وإيمانُ
قد يكونُ ما أصابَ الصِّينَ من وباءٍ، هو بسببِ دعوةٍ مُسلمٍ مظلومٍ بالخَفاءِ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلومِ، فإنَّها تُحْمَلُ على الغَمامِ، يقولُ اللهُ-عزَّ وجلَّ-: وعزَّتي وجَلالِي لَأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حِينٍ"، فأراهم اللهُ-تعالى-بعضَ العذابِ بسببِ ظُلمِهم وطُغيانِهم وغرورِهم بِقوَّتِهم لعلَّهم يرجعونَ، "وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ".
وقد يكونُ ما أصابَ الصينَ دِفاعًا عن المؤمنينَ، الذينَ لم يَجدوا من يُدافعُ عنهم، "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا"، فأرسلَ جُنديًّا من جُنودِه لا يُرى بالعينِ، نُصرةً للمستضعفينَ من أهلِ الإيمانِ، "وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ"، ففعلَ في أيامٍ معدودةٍ، ما لا تفعلُه الجيوشُ العظيمةُ، "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ".
وقد يكونُ هذا الرُّعبُ بسببِ الالحادِ والكُفرِ باللهِ-تعالى-وعبادةِ الأصنامِ، قالَ-تعالى-: "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا".
وقد يكونُ بسببِ أكلِهم الخبائثَ، قالَ-سُبحانَه-: "كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى".
كلُّ ذلكَ أو بعضُه قد يكونُ سببًا في هذا البلاءِ-والله أعلمُ-، ولكن من أهمِ الدروسِ المستفادةِ معرفةُ مُعاناةِ إخوانِنا المُسلمينَ هُناكَ، لنصرتهمِ بما نستطيعُ، وبأعظمِ سلاحٍ: الدعاءِ، قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمَه اللهُ-: "والمسلمونَ في مَشارقِ الأرضِ ومغاربِها، قلوبُهم واحدةٌ، مُواليةٌ للهِ ولرسولِه ولعبادِه المؤمنينَ، معاديةٌ لأعداءِ اللهِ ورسولِه وأعداءِ عبادِه المؤمنينَ، وقُلوبُهم الصَّادقةُ وأدعيتُهم الصَّالحةُ، هي العَسكرُ الذي لا يُغلبُ، والجُندُ الذي لا يُخذلُ".
أَستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّه درسٌ عظيمٌ، وتذكرةٌ وعِبرةٌ لمن له كانَ له قلبٌ، فها هي الصِّينُ تقفُ عاجزةً أمامَ فيروسٍ، مع الإمكانياتِ الكبيرةِ، والأموالِ الكثيرةِ، فقد بنوا مُستشفىً ضخمًا مُجهزًّا في 8 أيامٍ فقط، ولديهم من التَّقنياتِ والكوادرِ الطِّبيَّةِ، وما تَتَمتعُ به مِن خِبراتٍ وقُدراتٍ هائلةٍ في مَجالِ مُواجهةِ الطَّوارئِ الصَّحيةِ، لكن: "مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ"، إلا أن يشاءُ اللهُ-تعالى-: "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ"، فكيفَ بغيرِها من البلدانِ الأقلِّ خبرةً وقُدرةً ومالًا ورجالًا.
إنَّها مُصيبةٌ كُبرى، وما أحسنَ أن نتأملَ قولَه-تعالى-: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ"، فاللهُ خالقُنا ورازقُنا يخبرُنا أنَّ المَصائبَ بسببِ أعمالِ البشرِ، فماذا ننتظرُ؟.
في سَنَةُ 478ه كَثرتْ الأمراضُ: من الحُمَّى والطَّاعونِ بالعِراقِ والحِجازِ والشَّامِ، وأَعقبَ ذلك مَوتُ الفَجأةِ، ثُمَّ مَاتتْ الوحوشُ في البَراري، ثم تَلاها مَوتُ البَهائمِ، حَتى ندر اللبنُ واللحمُ وهاجتْ ريحٌ سَوداءُ، وتَساقطتْ أَشجارٌ كثيرةٌ من النَّخلِ وغَيرِها، ووَقعتْ صَواعقُ في البلادِ، حَتى ظَّنَّ بَعضُ النَّاسِ أن القيامةَ قَد قَامتْ، فكيفَ تعاملَ الخليفةُ المسلمُ مع هذه الأزمةِ العظيمةِ؟.
لقد أمرَ الخَليفةِ المُقتدي بَأمرِ اللهِ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عن المنكرِ في كُلِّ مكانٍ، وكَسرِ آلاتِ المَلاهي، وإراقةِ الخُمورِ، وإخراجِ أهلِ الفَسادِ من البلادِ، ثُمَّ انَجلى ذلكَ كلُّه، وللهِ الحَمدُ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات
مسلمو-الأُيْغور-وفيروس-الصين-13-6-1441هـ-مستف
مسلمو-الأُيْغور-وفيروس-الصين-13-6-1441هـ-مستف