مسك الختام خطبة الجمعة 28 رمضان 1438هـ (نص + بي دي إف)

عاصم بن محمد الغامدي
1438/09/28 - 2017/06/23 04:42AM
[align=justify]الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار، حكم بالفناء على هذه الدار، والبقاء في دار القرار، يقلب الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فهي وصيته للأولين والآخرين، وبها تكون النجاة في يوم الدين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}.
عباد الله:
شمس رمضان تزيلت للغروب، وأيامه شارفت على الرحيل، فما بقي إلا يوم أو يومان ويغادرنا الضيف الكريم، ومرور الكرام سريع على الدوام.
وإن من المظاهر التي أثلجت صدور المؤمنين، كثرة الإقبال على المساجد، من جميع فئات المجتمع، ذكورًا وإناثًا، وصغارًا وكبارًا، فهذا دالٌ على تأصل الخير في النفوس، وقرب القلوب من ربها.
وفي ختام هذا الشهر ينبغي للمرء أن يحذر من الإعجاب بعمله، أو الثقة بقبوله، فإن المؤمن يبقي قلبَه بين الرجاء والخوف، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}". [رواه الترمذي وصححه الألباني]. وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ رضي الله عنه: صِاحِبِ النِّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّ عَبْدًا خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ، إِلَى أَنْ يَمُوتَ هَرَمًا فِي طَاعَةِ اللهِ، لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلَوَدَّ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ". [رواه أحمد بإسناد صحيح].
عباد الله:
يشرع للصائمين في ختام شهرهم الإكثار من الاستغفار؛ لأن عمل العبد لابد فيه من نقص، فكيف به وقد جمع مع النقص بعض السيئات؟
وطلبُ المغفرة بعد الأعمال الصالحة مشروعٌ في أغلب أركان الإسلام، فإذا انتهى العبد من صلاته، أو أفاض من عرفاتٍ أو مزدلفة شرع له الاستغفار، واستغفار الله تعالى قرنه الله بتوحيده، فقال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}.
أيها الصائمون:
مما يشرع للمسلم في ختام رمضان، زكاةُ الفطر، فهي فريضة على الصائم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
وزكاة الفطر واجبة على كل من ملك قوتًا يزيد على حاجته وحاجة أهله، فتلزمه عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم حتى غروب شمس آخر يوم من رمضان، فإذا ولد له مولود بعدها، أو توفي أحد من ينفق عليهم قبلها لم تجب عليه زكاة الفطر، لكنها تستحب، وكذلك الحمل.
وإذا كان طعام الخادمة والسائق يلزم ربَّ المنزل بالعقد الذي بينهما، فعليه إخراج زكاة الفطر عنهما، وإلا وجبت عليهما ويجوز لرب المنزل إخراجها عنهما.
ومقدار زكاة الفطر صاعٌ من بُرٍ، أو شعيرٍ، أو تمرٍ، أو زبيبٍ، ويجوز إخراجها من قوتِ بلده، كالأرز وغيره، والأولى حسابها بالصاع لمن تمكن، ومن لم يتمكن منه فقد أفتت اللجنة الدائمة في هذه البلاد المباركة أن الصاع يساوي ثلاثة كيلو جرامات تقريبًا.
ولا تسلَّم زكاة الفطر إلا إلى الفقير أو المسكين، ويجوز أن يعطي الفقير الواحد زكاة عدد من الأفراد، وأن يعطي زكاة فرد واحدٍ عددًا من الفقراء أو المساكين، وتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين أو ثلاثة، أي من اليوم الثامن والعشرين، والمستحب إخراجها يوم العيد قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها حتى انتهاء الصلاة، فإن فعل بلا عذرٍ أثم، ولزمه قضاؤها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ». [رواه البخاري ومسلم].
وفي صحيح مسلم عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ».
ولهذا يشرع تأخير صلاةِ عيدِ الفطرِ قليلًا، ليتمكن الناس من توزيع الزكاة، بخلاف عيد الأضحى.
ويجوز التوكيل في إخراج الزكاة، ونقلها من بلد المزكي إلى بلد غيره لحاجة كأن لا يجد في بلده من يقبلها، أو أن يكون في البلد الآخر أقارب له يستحقونها، أو تكون حاجة البلد الآخر أشد، ولا يجوز إخراج قيمتها وتسليمها للفقير؛ لأن المقصود إغناؤه عن الحاجة للسؤال في ذلك اليوم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها طعامًا.
عباد الله:
مما يشرع للصائمين في نهاية الشهر، الإكثار من التكبير المطلق، غير المقيد بالصلوات، قال الله سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ويبدأ وقت التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وينتهي بنهاية خطبة العيد، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فكبروا الله أيها المسلمون على ما هداكم، واشكروه على ما أولاكم، جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن نبينا محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فإن من رحمة الله بعباده أن جعل لهم بعد صيامهم يوم عيد، شرع لهم فيه الفرح والسرور، من غير مقارفة إثم أو حرام، ومما يؤجر عليه المسلم في هذا اليوم أخذ زوجه وأولاده معه إلى صلاة العيد، والتوسعة عليهم في النفقة، وإكرامهم والتنزه بهم، وإظهار نعمة الله عليهم.
ووقت صلاة العيد هو وقت صلاة الضحى، ويبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح، حتى زوالها، ويسن للمرء قبل الخروج إليها أكل تمرات وتر، وأن يذهب لها من طريق ويعود من طريق آخر، والسنة أن يقول دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام، ويجوز له أن يذكر الله بين كل تكبيرة والتي تليها، وليس لصلاة العيد نافلة قبلية أو بعدية، لكن إن صلاها في المسجد فلا يجلس حتى يؤدي تحية المسجد.
ومن فاتته صلاة العيد استحب له قضاؤها على هيئتها جماعة أو بمفرده، فيكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة الرفع خمس تكبيرات، لكن لا يصليها والإمام يخطب، ومن فاتته بعض التكبيرات مع الإمام في الصلاة، لم يقضها؛ لأنها سنة فات محلها، ويدخل مع الإمام في الركعة التي هو فيها، وإن فاتته الركعة الأولى وأدرك مع الإمام الركعة الثانية، فإنها الأولى له، ويقضي الثانية بخمس تكبيرات.
ولفضل صلاة العيد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وأمر النساء وذوات الخدور والحُيَّضِ أن يخرجن إليها، وواظب عليها الصحابة رضي الله عنهم، وفي حضورها شكر لله تعالى، وإظهار لشعائره، وتعظيم لها، وبيان لقوة المسلمين واجتماعهم على الخير.
فكونوا يا عباد الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلوا وسلموا على خير الورى طرًا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.
[/align]
المرفقات

مسك الختام.pdf

مسك الختام.pdf

المشاهدات 1421 | التعليقات 0