مسائل في الولاء والبراء
ناصر محمد الأحمد
1435/11/21 - 2014/09/16 02:12AM
مسائل في الولاء والبراء
24/11/1435ه
د. ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: إن الولاء والبراء من الإيمان، بل هو شرط من الإيمان، كما قال سبحانه: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُون). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه الآية: "فدل ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه". انتهى ..
والولاء والبراء أيضاً أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" رواه أحمد والحاكم. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان". انتهى ..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين" رواه النسائي وأحمد.
وتأمل معي هذه العبارة الرائعة التي سطرها أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله حيث يقول: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة".
أيها المسلمون: الولاء معناه المحبة والمودة والقُرْب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله لكن يظهر على اللسان والجوارح. فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين كما قال سبحانه: (إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا) فالولاء للمؤمنين يكون: بمحبتُهم لإيمانهم، ونصرتُهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتُهم وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء. والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم ديناً وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً، وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم.
والكفار هم أعداؤنا قديماً وحديثاً سواء كانوا كفاراً أصليين كاليهود والنصارى أو مرتدين، قال الله تعالى: (لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة) يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكفار وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك فقال تعالى: (ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء) أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فهو بريء من الله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِينا)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُم). انتهى ..
فهذه حقيقة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وهي أن الكفار دائماً وأبداً هم أعداؤنا وخصومنا كما قرر ذلك القرآن في أكثر من موضع، فقد بين الله سبحانه وتعالى هذه الحقيقة فقال سبحانه عنهم: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة)، وقال تعالى: (مَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ولا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُم)، وقال سبحانه: (ودَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)، هكذا حذر الله تعالى من الكفار: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير) ولكي يطمئن قلبك فانظر إلى التاريخ في القديم والحديث وما فعله الكفار في الماضي وما يفعلونه في هذه الأيام، وما قد سيفعلونه مستقبلاً. ورحم الله ابن القيم عندما عقد فصلاً فقال: "فصل في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتُهم وخيانتهم وتمنيهم السوء لهم، ومعاداة الرب تعالى لمن أعزهم أو والاهم أو ولاّهم أمر المسلمين".
أيها المسلمون: إن الناس في ميزان الولاء والبراء على ثلاثة أصناف، فأهل الإيمان والصلاح يجب علينا أن نحبهم ونواليهم. وأهل الكفر والنفاق يجب بغضُهم والبراءةُ منهم، وأما أصحاب الشائبتين ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فالواجب أن نحبهم ونواليهم لما فيهم من إيمان وتقوى وصلاح، وفي الوقت نفسه نبغضهم ونعاديهم لما تلبسوا به من معاصٍ وفجور. وذلك لأن الولاء والبراء من الإيمان، والإيمان عند أهـل السنة ليس شيئاً واحداً لا يقبل التبعيض والتجزئة، فهو يتبعض لأنه شعب متعددة كما جاء في حديث الصحيحين في شعب الإيمان: "الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، فإذا تقرر أن الإيمان شعب متعددة ويقبل التجزئة، فإنه يمكن اجتماع إيمان وكفر غير ناقل عن الملة في الشخص الواحد ودليله قوله تعالى: (وإن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) فأثبت الله تعالى لهم وصف الإيمان مع أنهم متقاتلون، وقتال المسلم كفر كما في الحديث: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، فدل ذلك على اجتماع الإيمان والكفر الأصغر في الشخص الواحد.
أيها المسلمون: موالاة الكفار ذات شعب متعددة وصور متنوعة:
من شعب موالاة الكفار التي توجب الخروج من الملة: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كما قال سبحانه: (ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُم).
ومنها: عدم تكفير الكفار أو التوقف في كفرهم أو الشك فيه، أو تصحيح مذهبهم. فما بالك بحال من يدافع عنهم ويصفهم بأنهم إخواننا في الإنسانية إن كانوا ملاحدة أو وثنيين، أو يقول هم أشقاؤنا إن كانوا يهوداً أو نصارى، فالجميع في زعمهم على ملة إبراهيم عليه السلام!.
ويقع الخلط واللبس أحياناً بين حسن المعاملة مع الكفار غير الحربيين وبغض الكفار والبراءةُ منهم، ويتعين معرفة الفرق بينهما، فحسن التعامل معهم أمر جائز، وأما بغضهم وعداوتهم فأمر آخر. فالله جل وتعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ) فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُم) فالإحسان لأهل الذمة مطلوب، بينما التودد والموالاة منهي عنهما. فيجوز أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على موادات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبل ما نهي عنه. فيجوز الرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذاهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً معهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية ونصيحتهم في جميع أمورهم. فجميع ما نفعله معهم من ذلك لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا عز وجل.
أيها المسلمون: إن القيام بهذا الأصل له ثمرات عظيمة: من أعظمها تحقيق أوثق عرى الايمان، والفوز بمرضاة الله الغفور الرحيم، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله كما قال سبحانه: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُون).
ومن ثمرات القيام بالولاء والبراء: السلامة من الفتن: قال الله تعالى: (والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِير). يقول ابن كثير رحمه الله: "أي إن تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل".
ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا، والثناء الحسن في الدارين: تأمل قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِياً، ووَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيا)، فهذا ظاهر أن اعتزال الكفار سبب لهذه النعم كلها، ولهذا فاعتزال أعداء الله تعالى والتجنب عنهم صلاح الدنيا والآخرة، يدل على ذلك قوله تعالى: (ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُون). وهذا أمر مشاهد معلوم، فأعلام هذه الأمة ممن حققوا هذا الأصل قولاً وعملاً، لا زلنا نترحم عليهم، ونذكرهم بالخير، ولا يزال لهم لسان صدق في العالمين، فضلاً عن نصر الله تعالى لهم والعاقبة لهم. فانظر مثلاً إلى موقف الصديق رضي الله عنه من المرتدين ومانعي الزكاة، عندما حقق هذا الأصل فيهم فنصره الله عليهم وأظهر الله تعالى بسببه الدين. وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله يقف موقفاً شجاعاً أمام المبتدعة في فتنة القول بخلق القرآن، فلا يداهن ولا يتنازل، فنصر الله به مذهب أهل السنة وأخزى المخالفين. وهذا صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يجاهد الصليبيين تحقيقاً لهذا الأصل فينصره الله تعالى عليهم ويكبت القوم الكافرين، والأمثلة كثيرة.
فيجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يحققوا هذا الأصل في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تقدم البرامج الجادة للمدعوين من أجل تحقيق عقيدة الولاء والبراء ولوازمهما، وذلك من خلال ربط الأمة بكتاب الله تعالى، والسيرة النبوية، وقراءة كتب التاريخ، واستعراض تاريخ الصراع بين أهل الإيمان والكفر القديم والحديث، والكشف عن مكائد الأعداء ومكرهم المنظم في سبيل القضاء على هذه الأمة ودينها، والقيام بأنشطة عملية في سبيل تحقيق الولاء والبراء كالإنفاق في سبيل الله، والتواصل واللقاء مع الدعاة من أهل السنة في مختلف الأماكن، ومتابعة أخبارهم ونحو ذلك.
بارك الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: إن الغاية التي خُلق الخلق من أجلها، واتفقت عليها الشرائع السماوية من عند رب البرية على الأمر بها والدعوة إليها، هو الدعوة إلى توحيد رب العالمين وإفراده بكل أنواع العبادة، والبعد والبراءة من الشرك والكفر، والبراءة من المشركين والكافرين على اختلاف أنواعهم وأصنافهم، وإذا كان كذلك، وجب العناية بهذا الأصل العظيم. ومن الأمور المتعلقة بتوحيد رب العالمين وبشهادة الحق المبين قضية الولاء والبراء، أي موالاة المؤمنين ومحبتُهم ونصرتُهم، وبغض الكافرين وعداوتُهم، وإن من أسباب طرق مثل هذا الموضوع الخطير، ما أثير حوله من شبهات وتشويش اغتر بها بعض الجهلة بالدين، وفتن بها قليل البضاعة في العلم، وهذه الشبهات التي أثيرت كان الذي تولى كبرها وأوقد أوارها، ونفخ كيرها، هم أهل الكفر، فتهجموا على العالم الإسلامي بعامة وعلى جزيرة العرب بخاصة وأن من الإرهاب تدريس موضوع الولاء والبراء وأنه يذكي العداوات ولا يؤدي إلى السلام المنشود، وقد تلقف هذا الباطل أقوام منهم حَسَن النية الجاهل بدينة، أو سيء النية عدو الله ورسوله، وكلاهما لا بد أن يوجه له الخطاب وتقام عليه الحجة حتى يحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وهناك ولله الحمد وهم الغالبية العظمى من المسلمين من ظهرت عنده الحقائق، وعرف الصالحات من البوائق، فلم تؤثر فيه هذه الترهات، ولم تدخل قلبه مثل هذه الشبهات، وهذا يحتاج إلى تذكير وتنبيه وتثبيت ثبتنا الله وإياكم على الإيمان والتوحيد وجنبنا وإياك مسالك الزائغين.
أيها المسلمون: إن عدم تحقيق الولاء والبراء منكر عظيم وجرم خطير قد يخرج الإنسان من دين الإسلام بالكلية، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذو اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) يقول القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "أي من يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين فحكمه حكمهم، في الكفر والجزاء وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة، وهو قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين "أ.هـ.
ويقول سبحانه: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يعني فقد بريء من الله، وبريء الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر" أ.هـ.
ثم اعلم أن الأصل في معاداة الكفار وبغضهم أن تكون ظاهرة لا مخفية مستترة، حفظاً لدين المسلمين، وإشعاراً لهم بالفرق بينهم وبين الكافرين حتى يقوى ويتماسك المسلمون ويضعف أعداء الملة والدين: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).
أيها المسلمون: إن هذه القضية أعني وجوب معاداة الكافرين وبغضهم أمر لا خيار لنا فيه بل هو من العبادات التي افترضها على المؤمنين كالصلاة وغيرها من فرائض الإسلام، فلا تغتر بمن يزعم أن هذا دين الوهابية أو دين فلان أو فلان بل هذا دين رب العالمين، وهدي سيد المرسلين، بل إنه من الشرائع التي فرضت على كل الأنبياء والرسل أعني معاداة أعداء الله والبراءةُ منهم، فهذا نوح يقول الله له عن ابنه الكافر: (إنه ليس من أهلك)، وهذا إبراهيم يتبرأ هو ومن معه من المؤمنين من أقوامهم وأقربُ الناس إليهم بل تبرأ من أبيه فقال: (واعتزلكم وما تدعون من دن الله) وأصحاب الكهف اعتزلوا قومهم الذين كفروا حفاظاً على دينهم وتوحيدهم قال جل وعلا عنهم: (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقاً).
أيها المسلمون: إن قضية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين مرتبطة بلا إله إلا الله إرتباطاً وثيقاً، فإن لا إله إلا الله تتضمن ركنين: الأول: النفي وهو نفي العبودية عما سوى الله والكفر بكل ما يعبد من دون الله وهو الذي سماه الله عز وجل الكفر بالطاغوت. والثاني: الإثبات: وهو إفراد الله بالعبادة. والدليل على هذين الركنين قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) ومن الكفر بالطاغوت الكفر بأهله كما جاء في قوله تعالى: (كفرنا بكم) وقوله: (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله) إذ لا يتصور كفر من غير كافر ولا شرك من غير مشرك فوجب البراءة من الفعل والفاعل حتى تتحقق كلمة التوحيد كلمة لا إله إلا الله.
اللهم ..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق