مسائل في الصلاة يكثر السؤال عنها
عبدالرحمن سليمان المصري
مسائل في الصلاة يكثر السؤال عنها
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَ الصَّلاةَ عَمُودُ الدِّينِ ، وحَثَّ على إِقَامَتِهَا في كِتَابِهِ المُبِينِ ، وجَعَلَهَا كَبِيرةً إِلا على الخَاشِعِينَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ،صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً ، أمَّا بَعد :
أُوصِيكُمْ ونَفسِي بِتقوَى اللهِ تَعالَى فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلينَ والآخِرينَ ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131.
عباد الله : إنَّ التَّفقُّهَ في الدِّينِ منْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ وأَنْفَسِ القُرُبَاتِ ، قال ﷺ :" مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيراً يُفَقِّهُهُ في الدِّينِ" والوَاجبُ على المُسلمِ تَعلُّمُ ما لا يَسَعُهُ جَهْلُهُ منْ أُمُورِ دِيْنهِ ؛ لِيَتَمَكَّنَّ منْ عِبَادةِ رَبِّهِ على بَصِيرةٍ ، ومنَ الأَحْكَامِ الفِقْهِّيةِ التي
"يَنْبَغِي العِنَايةُ بِها : أَحْكَامُ الصَّلاةِ ، قال ﷺ :" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "
وهُنَا مَسائِلٌ وأَخْطَاءٌ في الصَّلاةِ ، تَخفَى على بَعضِ المُصَلَّينَ مِنْهَا ، ما هو وَاجبٌ ، ومِنْهَا ما هو سُنَّةٌ ، يَجْدُرُ التَّنَبُهَ لهَا :
أولاً: الواجبُ على المأْمُومِ مُتابعةُ الإِمامِ في صَلاتِهِ ، قال ﷺ: " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " رواه البخاري ، والمُتَابَعَةُ تَكُونُ : بِأَنْ يَشرَعَ المأْمُومُ في أَفْعَالِ الصَّلاةِ ، بعدَ أنْ يَنْقطعَ صَوتُ الإِمامِ مُبَاشرةً ، فإنْ كانَ المأمومُ يَرى الإِمامَ ، فَلا
يُشْرعْ لهُ الابْتِداءُ في الانْحِناءِ للسُّجُودِ ، حتى يَضعَ الإِمامُ جَبهتهُ على الأَرضِ ، أمَّا مَنْ كانَ بعيداً عنْ الإِمامِ ، فَيَكْفِيهِ المُبَادرةُ بِالسُّجودِ عندَ انْقِطاعِ صَوتِ الإمامِ بِالتكبيرِ.
عباد الله : ويَحْرمُ مُسابَقَةُ الإمَامِ عَمْداً ، سَواءً كَانتْ المُسَابَقةُ في الرُّكًوعِ ، أو السُّجودِ ، أو السَّلامِ ، ومنْ فَعَلَهُ سَهْواً فَعَلَيْهِ أنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِي بِهِ بَعدَ الإِمامِ ، فإِنْ لم يَفْعلْ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ.
ويُكرَهُ مُوَافَقَةُ الإِمَامِ في أَفْعَالِ الصَّلاةِ ، كالرُّكُوعِ أو السُّجودِ ، وهذا خَطَأٌ يُنْقِصُ منَ أَجْرِها .
أمَّا المُوَافَقَةُ في تَكْبِيرةِ الإِحْرَامِ ، بِأَنْ يَشْرَعَ المَأْمُومُ في التَّكْبِيرِ ؛ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ صَوْتُ الإِمَامِ ، فَصَلاتُهُ غَيرُ مُنْعَقِدة ، وعَلَيِهِ إِعَادَةُ التَّكْبِيرِ لِيُصَحِحَ صَلاتَهُ.
ثانياً: لابُدَّ لِلمُصَلِّي منْ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَثْنَاءَ القِرَاءةِ ، ولا يُعدُّ المُصَلِّي قَارِئاً للقُرآنِ أو الأَذْكَارِ المَشْرُوعَةِ ؛ إذَا كانَ مُطْبِقاً لِشَفَتَيهِ.
ثالثاً: إذَا فَرَغَ المُصَلِّي في الصَّلاةِ السِّريَّةِ منْ قِرَاءَةِ الفَاتِحةِ وسَوُرةٍ بَعْدَهَا ، ولمْ يَرْكَعْ الإِمَامُ فَلا يَسكُتْ المَأْمُومْ ، بَلْ يَسْتَمرُ في القِراءَةِ حتى يَرْكَعْ ، حتى ولو كانَ في الرَّكْعَةِ الثَّالِثةِ أو الرَّابِعةِ ، وانْتَهى منْ الفَاتِحةِ ولمْ يَرْكعِ الإِمَامُ فَإِنَّهُ
يَقْرأُ سُورةً أُخْرَى حتى يَرْكَعْ ؛ ويُكرَهُ لهُ تِكْرارُ الفَاتِحةِ .
رابعاً: إِذا جَاءَ المَسْبوقُ المَسْجِدَ وخَشِيَ رُكُوعَ الإِمَامِ ، بَادَرَ بِقِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ ، وتَرَكَ دُعَاءَ الاسْتِفْتاحِ لأنَّ قِرَاءَتَها رُكْنٌ في الصَّلاةِ .
خامساً: منْ َحَضَرَ المَسْجِدَ والإِمامُ رَاكِعٌ ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلإِحْرَامِ ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ ، فَإنْ خَشِي فَوَاتَ الرَّكْعةِ ؛ أَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرةُ الإِحْرَامِ وَهيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ ، وَيَجِبُ الإِتْيانِ بِها وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ انْحِنَائِهِ ، فَإِنْ أَتَى بِها في حَالِ انْحِنَائِهِ
لِلرُّكُوعِ لمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ .
عباد الله : ويُعْتَبَرُ المَأْمُومُ مُدْرِكاً لِلرَّكْعَةِ إذا أَتى بِالرُّكُوعِ المُجْزِئِ ، وهوَ الاِنْحِنَاءُ بِحيثْ تَمَسَّ يَداهُ رُكْبَتَيهِ، قَبلَ أنْ يَرفعَ الإِمَامُ عَنْ قَدرِ الِاجْزَاءِ .
سادساً: إِذا دَخَلَ الَمأْمُومُ في الصَّلاةِ عندَ قَولِ الإِمَامِ آمِين ، فَيُؤَمِّنُ معَ الإِمامِ ، ثُمَّ يَأْتِي بِالاِسْتِفْتَاحِ ، لِأنَّ
التَأْمينَ فَاصِلٌ يَسِيرٌ .
وإِذَا حَضَرَ المَأْمُومُ بَعدَ الرَّفْعِ منَ الرُّكُوعِ أو عِندَ السُّجودِ ، فَيُكَبِّر ولا يَقرَأْ دُعَاءَ الاسْتِفْتاَح ِ ، لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ ، وَيُتَابِعُ الإِمامَ .
وإِنْ حَضَرَ المَسْجِدَ والإِمَامُ في التَّشَهُدِ الأَخِيرِ وسَلَّمَ الإِمَامُ ، قَامَ المَأْمُومُ لِإكْمالِ صَلاتِهِ ولَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ .
ثامناً: منْ حَضَرَ المَسْجِدَ والإِمَامُ سَاجِدٌ ؛ فَكَبَّر المَأْمُومُ لِلسُّجُودِ ، ثُمَّ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ المَأْمُومُ جَبْهَتَهُ على الأَرضِ , فَيَرْجِعُ مَعَهُ وَلَا يَسْجُدْ .
تاسعاً: إِذَا قَامَ المَأْمُومُ لِقَضَاءِ ما فَاتَهُ بَعْدَمَا سَلَّمَ الإِمامُ التَّسْلِيمةَ الأَوْلى ، وقَبْلَ التَّسْلِيمةَ الثَّانِيةِ ، فَالمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الحَنَابِلَةِ على بُطْلانِ صَلاتِهِ وانْقِلابِ مَا صَلَّاهُ نَفَلاً ، وعَلَيهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ ، قال الشَّيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمهُ اللهُ : فَيَنْبَغِي عَلَيهِ
أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ ؛ خُرُوجاً مِنَ الخِلَافِ ، واحْتِياطاً لِدِينِهِ.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إِحسانِهِ ، والشُّكرُ لهُ على تَوفِيقهِ وامتِنانهِ ، وأَشْهدُ أنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ وحْدهُ لا شَريكَ لهُ ، وأَشْهدُ أنَّ مُحمداً عبدهُ ورَسولُهُ ، صَلّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلهِ وصَحبهِ ، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً ، أما بعد :
عباد الله : المسْأَلَةُ العَاشِرةُ: الطُّمَأْنِينَةُ رُكْنٌ في الصَّلاةِ ، وهِيَ: سُكونُ الأَعْضَاءِ عَنِ الحَرَكَةِ بِقَدْرِ الذِّكْرِ الوَاجِبِ ، فَإِذَا انْحَنَى المُصَلِّي لِلرُّكُوعِ ، واسْتَقَرَ لَحْظَةً يَسِيرةً ، حتى قالَ سُبْحانَ رَبِّي العَظِيمِ مَرَّةً وَاحِدةً ، فَقَدْ أَتَى بِالطُّمَأْنِينةِ ، وَأَمَّا
إِذَا كَانَ رُكُوعُهُ كَهَيْئَةِ المُتَأَرْجِحِ ، يَنْحَنِي ثُمَّ يَرْفَعُ بِدُونِ اسْتِقْرَارٍ ولا لَحْظَةً منْ الزَّمَنِ ، فَهَذَا لمْ يَأْتِ بِالطُّمَأْنِينَةِ ، وصَلَاتُهُ غَيرُ صَحِيحَةً .
الحَادِي عَشَر: وُجُوبُ تَمْكِينِ الأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ منَ الأَرْضِ ، الجَبْهَةُ معَ الأَنْفِ ، واليَدَيْنِ، والرُّكْبَتَيْنِ ، وأَطْرَافَ القَدَمَينِ ، والحَذَرَ مِنْ رَفْعِ شَيءٍ مِنْهَا .
الثَّانِي عَشَر: يَجِبُ على المُصَلَّي أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ أَثْنَاءَ القِيامِ ، بِأَلَّا يَكُونَ مُنْحَنِياً كَهَيئةِ الرَّاكِعِ ، فَإِنْ انْحَنَى حتى وَصَلَ إِلى حَدِّ الرُّكُوعِ أو قَارَبَهُ ، بِدُونِ عُذْرٍ ؛ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ ، وعَلَيْهِ فَمَنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيءٌ أَثْنَاءِ قِيَامِهِ فَانْحَنَى لِأَخْذِهِ مِنَ الأَرْضِ
مِنْ غَيرِ ضَرُورَةٍ ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ .
الثَّالثَ عَشَر: إِقَامَةُ الصُّلْبِ حَالَ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ ، حتى يَسْتَوِي ويَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ ؛ هُوَ مِنْ تَمامِ الرُكُوعِ والسُّجُودِ ، لِأَنَّهُ إِذَا رَكَعَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ حِينِ يَنْحَنِي، إِلى أَنْ يَعُودُ فَيَعْتَدِلَ ، وَكَذَا في السُّجُودِ ، قال صلى الله
عليه وسلم: "لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
عباد الله: أَمرَ اللهُ تَعالى بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ ، بِقولهِ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾البقرة:43 ، وإِقَامَتُهَا تَكونُ بِالإتيانِ بِها كَامِلةً ، بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِها وَوَاجِبَاتِها وسُنَنِهَا ، ولِيَحْرِصَ المُؤْمِنُ على الإِتْيَانِ بِها كَامِلَةً وقَدْ قَالَ
صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا نِصْفُهَا " رواه أحمد بسند صحيح .
عباد الله: إِنَّ مِيزَانَ الصَّلاةِ في الإِسْلَامِ عَظِيمٌ، وَمَنْزِلَتُهَا عِنْدَ اللهِ عَالِيةً ؛ فَاهْتَمُّوا بِشَأْنِهَا غَايَةَ الاِهْتِمَامِ ، وَأَدُّوهَا بِالوَفَاءِ والتَّمَامِ ؛ فَالصَّلاةُ مِكْيَالٍ مَنْ وَفَّاهُ وُفِّيَ أَجْرُهُ مِنْ رَبِّ العَالمِين ، ومَنْ طَفَّفَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾ .
هَذا وصَلُّوا وسَلِّمُوا على منْ أَمركُمْ اللهُ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عَليهِ ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب :156.
اللهم صَلِّ وسَلِّمْ على عَبدِكَ ورَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وعلى آلهِ وصَحبِهِ أَجمَعِينَ .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا ، وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، اللهم أعز بهم دينك وأعلي بهم كلمتك، اللهم وامنن على خادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل ، وألبسه ثوب العافية
اللهم وفق رجال أمننا واكفهم شر المفسدين .
اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم كن لإخواننا في فلسطين ، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم ، واكشف ضرهم ، وأذن بانكشاف الغمة
عنهم ، يا أرحم الراحمين، اللهم وادر دائرة السوء على اليهود الظالمين المعتدين ، يا قوي يا عزيز
عبادَ الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1716473358_مسائل في الصلاة يكثر السؤال عنها خطبة جمعة.pdf