مرض كورونا-4-7-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ خالد الشايع
محمد بن سامر
1441/07/03 - 2020/02/27 21:39PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
ما يزالُ الإنسانُ بطبعِهِ يفرُ من الموتِ، ويحذرُ كلَّ الطرقِ الموصلةِ إليهِ كلما استطاعَ ذلك، وما علمَ أنَّ الموتَ أمامَه وليسَ خلفَه، فهو يسيرُ إلى الموتِ ولا يهربُ منه، ويقتربُ منه ولا يبتعدُ عنه، "قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ"، وللهِ في ذلك حكمةٌ، وهي ألا تنشغلَ بالموتِ والخوفِ منه، فهو بأمرِ اللهِ وقدرِهِ، ولكنِ انشغلْ بالعملِ الصالحِ النافعِ قبل هجومِ الموتِ، "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً".
ولقدْ جعلَ اللهُ الحياةَ دُولاً يتداولُها الناسُ، جيلاً يَخْلُفُه جيلٌ، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، أرحامٌ تدفعُ، وأرضٌ تبلعُ.
ومهما تعددتْ طرقُ الموتِ، وتنوعتْ أسبابُه، إلا أنَّ الموتَ واحدٌ، ووقتَه لا يتغيرُ، "فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ"
منْ لمْ يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِه*تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ
والعالمونَ بهذا الكلامِ كثيرٌ، والعاملونَ بمقتضاهُ قليلٌ، ومِنْ أسبابِ ذلكَ ضعفُ التوكلِ على اللهِ، فمنْ علمَ يقينًا أنَّ القدرَ مكتوبٌ، وأنَّه لا يكونُ شيءٌ إلا بأمرِ اللهِ، وأنَّ ما قدّرَه الله واقعٌ لا محالةَ، اطمأنَّ قلبُه، وزالَ همُه، وذهبَ خوفُه، وسكنتْ نفسُه، فما أحسنَ أنْ نغرسَ التوكلَ في القلوبِ، ونَسقيَه بكلامِ اللهِ-تعالى-وسنةِ رسولِه الحبيبِ-عليهِ وآلِه الصلاةُ والسلامُ- لننعمَ بالحياةِ المطمئنةِ.
وبعدُ: فبعضُ الناسِ يتكلمُ عن مرضِ كورونا المنتشرِ في هذهِ الأيامِ، وهذهِ وقفاتٌ مهمةٌ:
الأُولى: الأمراضُ كلُّها بقدرِ اللهِ، فلنْ يُصابَ أحدٌ إلا بما كتبَه اللهُ عليه، فلمَ الخوفُ؟! قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "وَاعلمْ أنَّ ما أصابَك لم يكنْ لِيخطئَك، وما أخطأَك لم يكنْ ليصيبَك".
الثانية: مرضُ كورونا كبقيةِ الأمراضِ قبلَه وبعدَه، والمؤمنُ لا يلدغُ من جُحْرٍ مرتين، يستفيدُ مما مضى، ولا يكونُ ألعوبة في أيدي تجارِ الأدويةِ، فمنْ يموتُ بغيرِ المرضِ أكثرُ ممن يموتُ بالمرضِ، فَلَيْشٍ الخوفُ؟!
الثالثة: فعلُ السببِ مطلوبٌ، ولكنَّ بعضَ الناسِ يخافُ منَ المرضِ، وكأنه ينتقلُ بينَ الناسِ بنفسِه، ويظنُ أنَّ العلاجاتِ والأسبابَ هي التي تقي من المرضِ، أو تشفيَه بنفسِها، ونسيَ أنَّ المقدرَ هو اللهُ، وكلُّ شيءٍ بقدرِه وأمرِه ومشيئتِه.
أيُ يوميَّ من الموتِ أَفِرْ*يومَ لا يُقْدَرُ أو يومَ قُدِرْ؟
يومَ لا يُقْدَرُ لا أَحْذَرُهُ*ومنَ المقدورِ لا يُنْجي الحَذَرْ!
الرابعة: بعضُ الناسِ وصلَ به الخوفُ درجةً كبيرةً، فأصبحَ يلبسُ الكمَّاماتِ دائمًا، ويُسَلِّمُ بلسانِه، ولا يُصافحُ أحدًا، وإذا لَمَسَ شيئًا غسلَ يديهِ بالصابونِ والمعقماتِ، ويتوهمُ المرضَ في كلِّ مكانٍ، ولو أصابه أو أهلَه زكامٌ أو حمى أسرعَ إلى المستشفى، وهذا من ضعفِ إيمانِه باللهِ واليقينِ به والتوكلِ عليهِ.
الخامسة: بعضُ الناسِ يُخَوِّفُ الناسَ، ويبُثُ الشائعاتِ، إِما بتأليفِها، أو نقلِها، وهو آثمٌ بذلك، فالمسلمُ في مثلِ هذه الأوبئةِ والابتلاءاتِ، بل دائمًا لا ينشرُ إلا ما تيقنَ صحتَه وصوابَه، مطيعًا اللهَ-سبحانَهُ- القائلُ: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ".
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ المؤمنَ في هذه الدنيا معرّضٌ للبلاءَ، من مرضٍ وعدوٍ ونحوِ ذلك، وقدْ جعلَ اللهُ للمسلمِ من أقوى الأسبابِ الشرعيةِ ما يحفظُه ويقيهِ من ذلك، وهي أقوى من الأسبابِ الحسيةِ التي يعتمدُ عليها بعضُ الناسُ، ويَتَّكِلُون ويتوكلونَ عليها من دونِ اللهِ، عياذًا باللهِ.
ومِن هذهِ الأسبابِ الشرعيةِ:
- صلاةُ الفجرِ في وقتِها، قال الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-: "من صلى الفجرَ فهو في ذمةِ اللهِ".
- أن يقولُ المسلمُ عند خروجِه من بيته: "باسمِ اللهِ، توكلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ" فقدْ أخبرنا الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-أنَّ منْ قالَ ذلك: هداه اللهُ، وكفاه، ووقاه، ونحَّى الشياطينَ وطردَهم عنه.
- أذكارُ الصباحِ والمساءِ قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ غروبِها قالَ-تعالى-: "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"، فيرسلُ له ملائكةً يحفظونه من كلِّ شيءٍ، "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ"
- دعاءُ نزولِ أيِ مكانٍ، فقدْ أخبرنا الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-أنَّ "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ-يذهبَ- مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ".
- قراءةُ سورِ الإخلاصِ والفلقِ والناسِ-ثلاثَ مراتٍ-في الصباحِ والمساءِ، قالَ عبد اللهُ بن خبيب-رضي الله عنه-: "خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ-نبحثُ عنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فقالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَقُولُ-أَيْشٍ أقولُ-؟ قَالَ: قُلْ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ-الفلقِ والناسِ-حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ-ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ".
- ما أخبرنا به الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-أنَّه "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ-فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ، بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ-ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ"، قالَ القرطبيُ-رحمه اللهُ-عن هذا الحديثِ: هذا خبرٌ صحيحٌ، وقولٌ صادقٌ، علمناه دليلًا وتجربةً، فإني منذُ سمعتُه عملتُ به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أنْ نسيتُه مرةً، فلدغتني عقربٌ بالمدينةِ ليلًا.
- قولُ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليه وسلَّم-: "منْ تصبَّحَ سبعَ تمراتٍ عَجْوَةً-أكلَ سبعَ تمراتٍ في الصباحِ-لم يضرَه ذاكَ اليومَ سمٌّ ولا سِحْرٌ"، قال الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ-رحمه اللهُ-: "ويُرجى هذا في التمرِ كلِّه".
ما أحسنَ أنْ نتوكلَ على اللهَ، فمن توكّلَ على اللهِ كفاهُ، وأنْ نعملَ بالأسبابِ والاحتياطاتِ من غيرِ مبالغةٍ ولا ركونٍ إليها.
إنَّ انتشارَ الفواحشِ يسببُ الأمراضَ التي لم تُعرفْ من قبلُ، وإنَّ نزولَ البلاءِ بالذُنوبِ، ورفعَه بالتوبةِ والطاعةِ، والاستغفارِ والدعاءِ.
وإذا نزلَ بلاءٌ فقد يكونُ عقابًا؛ كنزولِه على الكافرينَ والفاسقينَ، وقد يكون ابتلاءً، ورفعةً للدرجاتِ، وكفارةً للسيئاتِ، وزيادةً للحسناتِ، كنزولِه على المسلمينَ.
ولا يجوزُ للمسلمِ أنْ يشمتَ بمن أُصيبَ بذلكَ، بل يجبُ عليهِ أنْ يحمدَ اللهَ على أنْه عافاه، ويسألُ اللهَ رفعَ البلاءِ.
اللهم ارفعْ عنا وعنِ المسلمينَ والمسالمينَ الوبا والزِنا، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفِتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات
مرض-كورونا-4-7-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-خ
مرض-كورونا-4-7-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-خ