مرحبًا بطلاب العلم (بمناسبة العام الدراسي الجديد) موافق للتعميم  

عبد الله بن علي الطريف
1445/01/29 - 2023/08/16 10:39AM

مرحبًا بطلاب العلم (بمناسبة العام الدراسي الجديد) موافق للتعميم 1445/2/2هـ  

الحمد لله العليم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، نحمده حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً. أما بعد، يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [البقرة:282].

أيها الإخوة: وتدور الأيامُ دورتَها وتعودُ الحياةُ إلى أجمل أيامها، ويتكرر المنظر الجميل الدال على الجد والنشاط وينطلق أبناءُ الأمة وبناتُها إلى دُوْرِ التربيةِ والتعليم لينهلوا من معينها، ويستقوا من معارفها.. إنه منظرٌ يسر الناظر لمجدِ أمته.. المتطلعِ لعز دينه ووطنه.. وهل أمةٌ سادت بغير التعلم.؟

وأعلى من ذلك وأجل قول المعلم والمربي الأول ﷺ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». رواه مسلم وفي رواية عند غيره: «وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ»..

ها هي تعود الجموع الغالية من فلذات الأكباد والعود أحمد لنستقبل عاماً دراسياً جديداً، نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعله عام خير وبركة وسؤدد..

أحبني: هذه رسائل سريعة أوجهها لولي الأمر، والمعلم، والطلاب ذكورًا، وإناثًا..

أيها الأولياء: نستعد جميعا للعام الدراسي الجديد استعدادًا ماديًا بشراء ما يحتاجه الأولاد من لوازمَ مادية مدرسية وملابس وغيرها، وفي خضم ذلك ينسى بعضنا الإعداد المعنوي والنفسي للتعلم.. ونقصد به غرس الأهداف السامية في نفوس الناشئة، بعد وضوحها لدينا. فالطالب أو الطالبة يقضي كل يوم في المدرسة ست ساعات، ويقضي من عمره في التعليم العام قرابة خمسةَ عشرَ ألف ساعة دراسية.. وهذا يحتم علينا أن نوضح لهم الهدف السامي من الدراسة، وهو رفع الجهل عن أنفسهم، وتحقيق العبودية لله العبودية الحقة منتهجين الوسطية في تدينهم، وأن نغرس في نفوسهم الرغبة بالمساهمة في النهوض بوطنهم وأمتهم إلى المقدمة.. متسلحين بقيمهم الإسلامية منكرين لذواتهم ورغباتهم الخاصة لخدمة دينهم ووطنهم، إن وجودَ الأهداف السامية عند شباب الأمة وجيلها الصاعد، ووضوحها يكاد يكون معدوماً في هذا الزمان، أما من وضع له هدفاً سامياً يسعى إليه فقليل.. ويغلب على ما وضعوه من أهداف الأهداف الدنيوية القريبة الخاصة إلا من رحم الله، وهذا هو الفرق بين المجتمع المنتج الحي الذي يربي أبناءه على الوضوح والتطلع لمعالي الأمور، وينأى بهم عن سفسافها، وبين المجتمع المستهلك الميت الذي لا هدف له واضحٌ يسعى إليه.. ثم نذَكْرهم بأهمية الاحتساب في التعلم عند الله.

أيها الإخوة: ومما يجب علينا نحو هذا الجيل من أولادنا وهم مقبلون على التعامل مع طائفة كبيرة من أولاد المسلمين الذين يشاركونهم في التعلم، ومع عددٍ من معلمِيهم أن نغرسَ في نفوسِهم معنى الإيثار بدل الأنانية والأثرة، وحفظ اللسان عن الغيبة والاستهزاء والسخرية بالآخرين من المعلمين أو المعلمات أو غيرهم، والتسامح بدل حب الذات، والتعاون مع الزملاء بدل السلبية وعدم تحمل المسئولية، وأن نؤكد على أهمية استشعار كل واحد منهم معنى الأخوة وأنهم يسعون إلى هدف واحد هو نفع أنفسهم وأمتهم، والتأكيد على ذلك باستمرار خصوصًا عند وجود مواقف تستدعى ذلك يقصها الأولاد عند عودتهم من المدارس..

وأن نكرر على مسامعهم باستمرار أن المدرسة إحدى سبل التعلم، وليست السُبُلَ كُلَها، وأن نعودهم على الاعتماد على النفس، والتنظيم وإعداد ما يحتاجون ليومهم الدراسي بأنفسهم مبكرين، وأن نعلم علم يقين أن الرعاية المبالغ فيها ومبادرتنا بقضاء كلِ حاجاتهم التي يستطيعون القيام بها بأنفسهم، وهي من الروتين اليومي لا تصنع جيلًا معتمدًا على نفسه وقدراته بعد الله، بل تصنع جيلًا من المتواكلين الخاملين..

وعلينا معاشر الأولياء أن نعلمَ أن مهمة التربيةِ والتعليم ليست مقتصرة على المدرسة، بل لنا فيها النصيب الأكبر، فنحن معاشر الآباء نتحمل المسئولية الكبرى في تعليم أولادنا وتربيتهم، ونحن المخاطبون بذلك أصلاً قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم:6] قال الشيخ السعدي رحمه الله: "ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيمن يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه". أهـ

وقال العلماء: هذه الآية أصلٌ في تعليم الأهل والذرية، وذكر ابن كثير رحمه الله: "عن مقاتل والضحاك: حقٌ على كلِ مسلمٍ أن يُعَلْمَ أهلَه من قرابتِه وإمائِه ما فرضَ اللهُ عليهم وما نهاهم عنه". ويقرر رسولُ الله ﷺ أن المربي والمدرس الأول للولد الأم والأب بقوله: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». وفي رواية «أَوْ يُشَرِّكَانِهِ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

أيها المعلمون والمعلمات: إنكم تجلسون من كرسي التعليمِ على عُرُوْشِ مَمَالكٍ رعاياها أطفالُ الأمةِ وفتيانُها فسوسوهم بالرفقِ والإحسان، وتدرجوا بهم من مرحلةٍ كاملةٍ في التربيةِ إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندَكم، وودائعُ الأمةِ بين أيديكم، سلمتهم إليكم أطفالاً لتردوهم إليها رجالاً.. وقدمتهم إليكم هياكلَ لتَنْفُخوا فيها الروحَ.. وألفاظاً لتعمروها بالمعاني.. وأوعيةً لتملؤها بالفضيلة والمعرفة..

والمعلم والمعلمة أحبتي: هو قطب الرحى بالعملية التعليمية، حق عليه أن يحتفي بالمتعلمين ويرحب بههم؛ استجابة لتوجيه الحبيب ﷺ عِنْدَمَا قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ: مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاقْنُوهُمْ» واقْنُوهُمْ، أي عَلِّمُوهُمْ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فما أجمل هذه التحية، وما أحلاها وهي تلامسُ آذان المتعلمين، وهم يدلفون إلى بوابات مدارسهم وبصوت معلميهم.. وكان أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا جاء طلاب العلم قال: "مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ". ودرج على الترحيبِ بالمتعلمين وحسنِ استقبالِهم والبشاشةِ والاستئناسِ بهم علماءُ الأمةِ قبولًا لوصية النبي ﷺ بهم، وكتب السير مليئة بأخبارهم من ذلك كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله إذا شاهد طلاب العلم يقبلُ عليهم بوجهٍ طلقٍ وبشاشةٍ ورحابةِ صدر ويقول: أنتم مَسَارُّ قلبي وجلاءُ حزني قد أسرجتُ لكم الفقهَ وألجمتُه فإذا شئتم فاركبوا...

والتعليم بابٌ واسعٌ من أبوابِ نيلِ الحسنات، ورفعةِ الدرجات، فهنيئاً لكم ما تؤدونه من واجب، وما تحوزونه من أجر بتعليمِ الناس الخير، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ﷺ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ،» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». رواه الترمذي وصححه الألباني. والعلم إذا أطلق يراد به علم الشريعة، وإذا لم يطلق فقد يدخل فيه كل علم نافع.

أيها الأحبة: لا يقوم عمل إلا بإخلاص، يَقُولُ النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». مُتـَفَقٌ عَلَيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. هذا أثر النية في العمل وهذا الحديث أول حديث حفظناه في التعليم، لكننا نجد ممَنْ شرفهم الله برسالة التعليم من المعلمين أو المعلمات ربما أضاعوا أجرهم بسبب تركهم للإخلاص، فترى أحدَهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال، ولا يهتم بوقت درسه ولا بفائدة طلابه، ولا يبالي بما يراه من سلوكٍ منحرف أو أخلاق سيئة عند طلابه. والمهمُ عنده أن ينتهي وقت الدوام ليفك نفسه من همِ ذلك اليوم وغَمِهِ، ولم يخطر على باله أبدًا أنه يؤدي رسالة في مجتمعه، لِيَخْرُجَ من تحت يده من يُعلم الناس، ومن يُعالج المرضى، ومن يقضي بينهم، ومن يتولى شؤون الدولة، ومن يذود عن البلاد وغيرهم، فينال هذا المعلم كل ما يُكتب لأولئك من الحسنات إن هو أخلص في عمله ونوى نفع الأمة والمساهمة بتربية أولادها.

وعليكم بالرفق واللين في كل شيء حتى في العقوبة قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.  

أحبتي: كم ارتفع قدر معلم عند طلابه بالرفق والمعاملة الحسنة، وكم صَلُحَ حالُ طلابٍ بالرفقِ والمعاملةِ الحسنة..

أيها المعلمون: إذا عاقبتم فلا تعاقبوا بالضرب، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". رواه مسلم بل قد أمرنا في حال الحرب ونحن نقاتل الكفار الذين يخالفون ديننا وشريعتنا، أن نتجنب الوجه فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ». رواه البخاري. فما بالنا نقسو في عقاب أبناء المسلمين.؟

ثم اعلموا أن المعاملة الطيبة تُقَوِّم كثيراً من الانحرافات وتُدخلُ الناسَ في دين الله عز وجل، وإن من أجل مهمات المعلم تعليم الناس الخير ونصحهم وإرشادهم. أسأل الله تعالى أن يكون هذا العام عام خير وبركة وأن يكتب فيه الخيرَ والفلاحَ لأمتنا وولاة أمرنا وإخواننا في كل مكان إنه جواد كريم وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين..

 الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر وأشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألا إله إلا الله العليم المقتدر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد أيها الأبناء: تقوى الله سبب لزيادة التعلم فالزموها، واعلموا أن أهليكم وأمتكم يتطلعون إليكم لتكون صالحين مصلحين فالله الله أروهم من أنفسكم خيرا بالجد والاجتهاد بطلب العلم وعلو الهمة والحرص على معالي الأمور والبعد عن سَفْسَافِها.

وانْوُوا بذهابكم للدراسة طلبَ العلم، ورفعَ الجهل عن أنفسكم، ونفعَ أمتكم تحوزوا على الأجر العظيم والمنزلة العالية عند الله تعالى.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». رواه ابن حبان وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

احترموا المعلم ووقروه واستفيدوا من علمه وخلقه الحسن فما من أمة كريمة إلا وللمعلم عندها قدر، واقرؤوا سير الأئمة وستجدون العجب.. اللهم اجعل هذا العام عام خير وصلاح وفلاح، ووفِّق أولاد الأمة للخير، وجنبهم الشر، واجعلهم هداة مهتدين. ثم صلوا وسلموا..

المشاهدات 4122 | التعليقات 0