مرحباً بالدراسة

هلال الهاجري
1445/01/29 - 2023/08/16 06:59AM

الحمدُ للهِ الذي خَلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، وجعلَ له عقلاً وحَبَاهُ بالتَّكريمِ، سبحانَه رَفعَ شأنَ العلمِ فأقسمَ بالقلمِ، وامتنَّ على الإنسانِ فعلمَّه ما لم يكن يَعلمُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه وصفيُّه من خلقِه وحبيبُه، أَعرفُ الخلقِ باللهِ وأخشاهم له، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، أما بعـدُ:

كَانَت البِدَايةُ عِندَمَا نَزَلَ أفضلُ مَلَكٍ، في أفضلِ ليلةٍ، في أفضلِ شهرٍ، في أفضلِ بُقعةٍ، على أفضلِ رسولٍ، بأفضلِ كتابٍ، لأفضلِ دينٍ، ولأفضلِ أمَّةٍ، بقولِه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فَكَانَتْ نُقطَةُ تَحوِّلِ مِن الأُميَّةِ إلى العِلمِيَّةِ.

فَأَصبَحَتْ أمَّةُ الإسلامِ هي أمَّةُ العلمِ والتَّعليمِ، في أمورِ دينِها ودُنياها، فبالعلمِ بناءُ الحضارةِ والإنسانِ، وبالعلمِ ترتفعُ الأمَّمُ والأوطانُ، وبالعلمِ تُحافظُ الأممُ على عزِّها وقوَّتِها، وبالجهلِ تنسلخُ الدُّولُ من مجدِها ونهضتِها، بالعلمِ تتطوَّرُ البلادُ، وتتحقَّقُ الأمجادُ، ويرتفعُ الأفرادُ، كما قالَ تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

لَمَّا أرادَ اللهُ تعالى إظهارَ فضلِ آدمَ عليه السَّلامُ للملائكةِ الكرامِ، عَلَّمَهُ أَسمَاءَ كُلَّ شَيءٍ، (ثمَّ عرضَهُم على الملائكةِ فقالَ أنبِئوني بأسماءِ هؤلاءِ إنْ كنتم صادقِينَ * قالوا سُبحانكَ لا عِلمَ لنا إلا ما علَّمتنا إنكَ أنتَ العليمُ الحكيمُ * قالَ يا آدمُ أنبِئْهم بأسمائِهِم فلمَّا أنبأهُم بأسمائِهِم قالَ ألم أقلْ لكم إنِّي أعلمُ غيبَ السمواتِ والأرضِ وأعلمُ ما تُبدونَ وما كُنتُم تَكتُمونَ)، فأظهرَ اللهُ تعالى فضلَ آدمَ للملائكةِ بأعظمِ شَرفٍ وزينةٍ يتزيَّنُ بها البشرُ ألا وهو العلمُ، وصدقَ اللهُ تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

العلمُ هو العِزُّ الرَّفيعُ، والشَّرفُ الوَسيعُ، تتسابقُ إليه الأمَّمُ والأجيالُ، وتُبذلُ فيه الأعمارُ والأموالُ، ويدَّعيه السُّفهاءُ والجُهَّالُ، يقولُ عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: (كَفى بالعلمِ شَرفاً أن يَدَّعيهِ من لايُحسنُه، ويَفرحُ به إذا نُسبَ إليهِ، وكَفى بالجهلِ ذَمَّاً أن يَتبرأَ منه من هو فِيهِ).

العِلمُ يَبني بَيتاً لا عِمادَ لَهُ *** والجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِّ والكَرمِ

لو أرادَ أحدُنا أن يُشهدَ على شيءٍ عظيمٍ، فمن سيختارُ من الشُّهداءِ؟، لا بُدَّ أن يختارَ أصدقَهم حديثاً، وأعظمَهم أمانةً، وكذلك عندما شَهدَ اللهُ سبحانَه وتعالى على أعظمِ مشهودٍ وهو إفرادُه بالعبادةِ، من أشهدَ معهُ؟، (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فأشهدَ ملائكتَه وأولي العلمِ على أعظمِ مشهودٍ، لعظيمِ فضلِهم وصدقِهم ونِعمَ الشُّهودُ.

بل حتى أنَّ العلمَ له أثرٌ في البهائمِ، فقد أحلَّ اللهُ تعالى صيدَ الطُّيورِ والسِّباعِ المُعلَّمةِ، كما قالَ سُبحانَه: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)، وأما غيرُ المُعلَّمةِ فلا يجوزُ أكلُ صيدِها.

العِلْمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ *** فَاطْلُبْ، هُدِيتَ فُنُونَ العِلْمِ وَالأَدَبَا
العِلْمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نَفَادَ لَهُ *** نِعْمَ القَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا
يَا جَامِعَ العِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ *** لَا تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا

باركَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العَظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ حَمداً طَيباً كثيراً مُباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويَرضى، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه ومن تبعَهم بإحسانٍ، وبعدُ:

فها نحنُ نعودُ بعدَ إجازةٍ طويلةٍ، لنقفَ على أبوابِ العلمِ والثَّقافةِ، فَمَرحباً بِالدِّراسةِ والتَّعليمِ، وتذكَّرْ أيُّها الطالبُ النِّيةَ الصَّالحةَ في كلِّ يومٍ وأنتَ تسلكُ طريقَ طلبِ العلمِ المُفيدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، واجعلْ هدفَك هو رفعُ الجهلِ عن نفسِك، ونفعُ الإسلامِ والمسلمينَ شرعيَّاً أو طبياً أو اقتصادياً أو صناعياً أو عسكرياً أو تقنياً، أو في أي مجالٍ نَافِعٍ للأمَّةِ الإسلاميةِ، وعليكَ بالصَّبرِ في تحصيلِ العلمِ، فالعلمُ يحتاجُ إلى صبرٍ وطولِ زمانٍ، فاحفظْ وكرِّرْ، وافهم وذاكرْ، وبالقليلِ مع القليلِ، يجتمعُ العلمُ الكثيرُ:

اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُه *** مِن نُخَبِ العِلْمِ التي تُلتَقَطْ

يُحصِّلُ المَرءُ بها حِكْمةً *** وإنَّما السيلُ اجتِماعُ النُّقَطْ

وأنتَ أيُّها المعلمُ هنئياً لكَ استغفارُ الكونِ لكَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)، فأنتَ تقومُ بوظيفةِ الأنبياءِ، ومهنةِ العُلماءِ، فمن ذا ينسى فضلكَ على الأبناءِ، ومن ذا لا يعرفُ جُهدَك والعطاءَ، فأنتَ الشَّمعةُ التي تُنيرُ الدُّروبَ، وكلماتُكَ يُحيي اللهُ بها القلوبَ، كم من جاهلٍ علَّمتَه، وكم من غافلٍ نبَّهتَه، فاللهَ اللهَ في أبنائنا، فَهُم عِندَكَ أَمَانةٌ، ونحنُ أولياءُ الأمورِ عَوناً لَكَ عَلى أَداءِ الأمَانةِ.

يَا وَاقِفاً فَوقَ هَامِ العِزِّ شَامِخَةً *** أَركَانُهُ نَهَضَتْ مِن وَعيِكَ الدُّوَلُ
يَا شَمعَةً في ظَلامِ اللَّيلِ مَا فَتِئَتْ *** تُنِيـرُ دَربًا لِمَـْن ضَلُّوا وَمَنْ جَهِلُوا

يَا صَانِعَ المَجدِ يَا رُوحاً مُطَهَّرةً *** لَكَ التَّحيَاتُ والإكبَارُ والقُبَلُ

اللهمَّ وَفِّقْ الطلابَ والطالباتِ في عامِهم الدراسيِّ الجديدِ، ونَوِّرْ طريقَهم، واجعلهم من النَّاجحينَ الفَالحينَ في الدُّنيا والآخرةِ، اللهمَّ سدِّدِ المُعلمينَ والمُعلماتِ، اللهم اجعل هذا البلدَ آمناً مُطمئناً وارزقْ أهلَه من الثمراتِ وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهمَّ من أرادَ بنا شراً فأشغله في نفسِه ورُدَّ كيدَه في نحرِه، اللهمَّ احفظ لنا أمنَنا وإيمانَنا واستقرارَنا وصلاحَ ذاتِ بيننا يا ربَّ العالمينَ.

المرفقات

1692158268_مرحباً بالدراسة.docx

1692158276_مرحباً بالدراسة.pdf

المشاهدات 1392 | التعليقات 0