مداخل الشيطان

سلطان الحصين
1442/11/27 - 2021/07/07 16:51PM
مَدَاخِلُ الشَّيْطَانِ

    .الحَمْدُ لِلهِ حَمْدًا كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّناَ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّين

.أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسي بِتَقْوَى اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}   [سورة آل عمران:102]

عِبَادَ الله: عَدُوٌّ قَدِيمٌ بِقِدَمِ البَشَرِ تَخَصَّصَ فِي الغِوَايَةِ وَإِبْعَادِ النَّاسِ عَنْ طَرِيقِ اللهِ وَصِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ، حَذَّرَنَا اللهُ مِنْهُ وَمِنْ كَيْدِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ العَزِيزِ حَيْثُ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[سورة يس:60]، إِنَّهُ الشَّيْطَانُ العَدُوُّ اللَّدُودُ لِبَنِي آدَمَ، مَارَسَ كَيْدَهُ وَفِتْنَتَهُ مُبْتَدِئاً بِالْأَبَوَيْنِ الكَرِيمَيْنِ، دَافِعُهُ الغَيْظُ وَالحَسَدُ وَالكِبْرُ وَالخُيَلَاءُ مُتَوَعِّدًا ذُرِّيَّتَهُمَا بِالْإِضْلَالِ وَالغِوَايَةِ: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة الإسراء:62]، مَعْرَكَةُ الغِوَايَةِ بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَبَنِي آدَمَ مَعْرَكَةٌ صَاخِبَةٌ أَزَلِيَّةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، يَسْتَخْدِمُ فِيهَا الشَّيْطَانُ إِمْكَانَاتِهِ وَوَسَائِلِهِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [سورة الإسراء:64].

أَيُّهَا المُؤْمِنُون: لِلشَّيْطَانِ مَنْهَجٌ خَطِيرٌ فِي الإِضْلَالِ حَذَّرَنَا اللهُ مِنْهُ، هُوَ مَنْهَجُ الخُطُوَاتِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}  [سورة البقرة: 168-169]، فَالقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ خُطْوَةٌ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ الأَصْلُ فِي فَسَادِ العَقَائِدِ، وَتَحْرِيفِ الشَّرَائِعِ، وَتَأْتِي خُطُوَاتٌ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي أَهْوَاءِ النُّفُوسِ وَطَبَائِعِهَا، فَخَوْفُ الفَقْرِ سِلَاحٌ شَيْطَانِي، إِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ مَنَعَ الحَقَّ، وَتَكَلَّمَ بِالْهَوَى، وَظَنَّ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ يَقُولُ رَبُّنَا عَزَّ وَتَبَارَكَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة:268]، وَالغَضَبُ مَدْخَلٌ شَيْطَانِيٌّ عَلَى الإِنْسَانِ، قِيلَ لِإِبْلِيس: بِمَ غَلَبْتَ ابْنَ آدَمَ؟ قَالَ: عِنْدَ الغَضَبِ وَعِنْدَ الهَوَى.

أُمَّةَ الإِسْلَام: التَّحْرِيشُ بَيْنَ النَّاسِ، وَخَرَابُ البُيُوتِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَالأَقَاربِ وَالأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ، وَشَحْنُ القُلُوبِ بِالضَّغِينَةِ وَالغِلِّ وَالْحَسَدِ؛ مَسْلَكٌ مِنْ مَسَالِكِ الشَّيْطَانِ فِي غِوَايَةِ الُمسْلِمِ، أَمَّا الأَمَانيُّ وَحَصَائِدُ الغُرُورِ، فَذَلِكُمْ هُوَ السِّلَاحُ الشَّيْطَانِي المَضَّاءُ؛ {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [سورة النساء:120]؛ يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ وَيَجُرُّهُمْ إِلَى حَبَائِلِهِ بِحَسَبِ مُيُوْلِهمْ وَمُشْتَهَيَاتِهِمْ، يُخَوِّفُ المُسْلِمَ بِالْفَقْرِ إِذَا تَصَدَّقَ، كَمَا يُزَيِّنُ لَهُ أَلْوَانَ الثَّرَاءِ المُحَرَّم، وَيُزَيِّنُ لِأَصْحَابِ المِلَلِ وَالنّحلِ التَّعَصُّبَ وَتَحْقِيرَ المُخَالِفِينَ.

 وَالخُرُوجُ عَنِ الوَسَطِ وَمُجَاوَزَةُ حَدِّ الاعْتِدَالِ؛ مَسْلَكٌ شَيْطَانِي، يَقُولُ بَعْضُ السَّلَفِ: "مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ: إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإمَّا إِلَى غُلُوٍّ، وَلَا يُبَالِي إِبْلِيسُ بِأَيِّهِمَا ظَفِر، وَإِنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ بَيْنَ هَذَيْنِ الوَادِيَيْنِ تُحْبَكُ وَتُحَاكَ".

أَيُّهَا المُسْلِمُون: لَقَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ المِيثَاقَ عَلَى نَفْسِهِ لَيَقْعُدَنَّ لِابْنِ آدَمَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف:16-17] ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَيَتَبَرَّأُ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي خِطَابِهِ لَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَالَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْهُ تعالى بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة إبراهيم22] .

أَيُّهَا الإِخْوَة: هَذَا هُوَ عَدُوُّكُمُ الَّذِي تَوَعَّدَ بِإِضْلَالِكُمْ وَغِوَايَتِكُمْ وَإِبْعَادِكُمْ عَنْ رَبِّكُمْ، يُرِيدُ لَكُمُ الشَّرَّ وَالعَذَابَ الأَلِيمَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَاحْذَرُوهُ، وَادَّحَرُوهُ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْهُ، وَجَاهِدُوهُ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى رَبِّكُمْ بِالْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ الصَّالِحَةِ, تَفُوزُوا وَتَسْعَدُوا، قَالَ الحَسَنُ البَصْرِي رحمه الله: "إِنَّمَا هُمَا هَمَّانِ يَجُولاَنِ فِي القَلْبِ: هَمٌّ مِنَ الله تَعَالَى، وَهَمٌّ مِنَ العَدُوِّ أَيْ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَرَحِمَ اللهُ عَبْداً وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ، فَمَا كَانَ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَمْضَاهُ، وَمَا كَانَ مِنْ عَدُوِّهِ جَاهَدَهُ وَتَوَقَّاهُ".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة فاطر:16] .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْماً لِشَأْنِه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عبده ورسوله الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.  أَمَّا بَعْدُ

إِخْوَةَ الإِسْلَام: مَعَ مَا أُعْطِيَ الشَّيْطَانُ مِنْ إِمْكَانَاتٍ فِي الغِوَايَةِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا رَبُّنَا جل جلاله أَنَّ كَيْدَ هَذَا العَدُوِّ ضَعِيفٌ، وَمَكْرَهُ يَبُورُ؛ إِذَا تَسَلَّحَ العَبْدُ بِسِلَاحِ الإِيمَانِ، وَالعَقِيدَةِ النَّقِيَّةِ، وَحَسُنَ للهِ تَعَبُّدُهُ، وَصَحَّ عَلَى رَبِّهِ تَوَكُّلُهُ، يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [سورة النحل:99]، قَدْ يَزِلُّ المُؤْمِنُ أَوْ يُخْطِئُ، وَقَدْ يُصِيبُهُ نَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ يَمَسُّهُ طَائِفٌ مِنْهُ، لَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا يَلُوذُ بِرَبِّهِ وَيَلْجَأُ إِلَى ذِكْرِهِ، وَيَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[سورة الأعراف:201]، صِلَتُهُمْ بِاللهِ الوَثِيقَةُ تَعْصِمُهُمْ مِنْ أَنْ يَنْسَاقُوا مَعَ عَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّهِمْ.

فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ الله، وَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ شَرِّهِ وَشِرْكِهِ، وَمِنْ هَمْزِهِ وَنَفَثِهِ وَنَفْخِهِ، وَجَاهِدُوهُ بِفِعْلِ الأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي تُفْلِحُوا فِي دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ، ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَالهُدَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ المَوْلَى جَلَّ وَعَلَا فَقَالَ قَوْلًا كَرِيماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب:56].

 

___

 

المرفقات

1625676681_مداخل الشيطان.docx

1625676681_مداخل الشيطان.pdf

المشاهدات 612 | التعليقات 0