مختارات منبرية (2)

خطبة مقتل عثمان رضي الله عنه (1)
لفضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل حفظه الله


ابتدأ فضيلته -حفظه الله- خطبته في الكلام عن حال الفتن حين تبدأ، وكيف يكون سيرها فقال: "والفتن لا تبدأ عظيمة كبيرة، ولا تكون في أولها ملتبسةً محيرة، ولكنها تكبر شيئاً شيئاً".


ثم وصف -حفظه الله- حال من اتبع الفتن وسار خلفها قائلا: "فمن سارع فيها ملكته ولم يملكها، وسيَّرته ولم يسيِّرها، وأوقعته فيما يسبب خسارته، ويوجب ندمه. حينها يتمنى المتشرب بالفتن عودة الزمن إلى بدايته؛ لكيلا يسير في ركابها، ولا يركب أمواجها؛ ولكن فات وقت التمني، وحقت آثار الفتنة ونتائجها".


ثم ذكر -وفقه الله- بداية الفتن ونهايتها بقوله: "والباب الموصدُ دون الفتن في هذه الأمة كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما كسر الباب بقتله انطلقت الفتن في هذه الأمة، فلا تقف إلا بقتل الدجال، ثم هلاك يأجوج ومأجوج في آخر الزمان".


ثم نبه الناس حفظه الله إلى سبب مقتل عثمان بقوله: " .. أن مروان بن الحكم كان من خاصة عثمان رضي الله عنه، وأقام معه في الدار، ولما وقع الصلح في بدايات الفتنة بين عثمان والخارجين عليه بأن يلبي بعض مطالبهم، وكتب كتاباً بذلك؛ إخماداً للفتنة، وحقناً للدماء؛ اجتهد مروان من تلقاء نفسه، وافتات على ولي أمره، فكتب كتاباً ختمه بخاتم عثمان، ووجهه إلى أمير مصر يأمره بقتل الخوارج على عثمان وصلبهم، وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فاطلع الخارجون على عثمان على هذا الكتاب فثارت ثائرتهم، وعادوا مرة أخرى بعد أن سكنوا وتم الصلح، فحلف عثمان رضي الله عنه أنه ما كتب كتاباً ولا رضيه، فطلبوا منه أن يسلم مروان فأبى عثمان رضي الله عنه؛ خشية أن يقتلوه بسبب ذلك، ورأى عثمان أن اجتهاد مروان خاطئ ولكنه لا يوجب قتله، ولو استحق القتل فذلك لولي الأمر وليس للخوارج. فكان من أمر الله تعالى وقدره ما كان".


ثم شبه حال كثير من المثقفين والمفكرين بحال مروان فقال: "وكما افتات مروان على عثمان رضي الله عنه فإن كثيراً ممن يُسمون بالمثقفين والمفكرين والإعلاميين يفتاتون على ولاة الأمر، ويذكون نار الفتنة بالطعن في الدين، واتهام البُرآء، واختلاق أسباب للإرهاب ليست صحيحة، والتغافل عن الأسباب الحقيقية".


ثم أضاف مبينا مقاصد من يسعِّر الفتن ويشعلها فقال: ".. يتخذون من الفتنة مجالاً للكسب المادي، أو لتصفية حسابات شخصية، ولو كان ذلك على حساب دماء الناس وآلامهم، ولوسائل الاتصال الحديث من شبكة عالمية، وقنواتٍ فضائية، وصحفٍ ومجلات نصيب كبير في ذلك".


ثم وجه نصيحة للمثقفين والكتاب قائلاً: "إن على كل متحدث وكاتب أن يتقي الله عز وجل في قلمه ولسانه؛ فلا يروّج الإشاعات، ولا يختلق الأكاذيب، ولا يرمي البرآء بتهم باطلة؛ لإثبات رأيه، أو نيل مراده من كسب مادي، أو تصفية حسابات شخصية، وليكن صادقاً في معالجته، مخلصاً في قوله وفعله، لا يريد إلا الإصلاح والنصح؛ فإن الشرَّ إن وقع عصف بالجميع".


ثم اختتم -رحمه الله- خطبته بذكر المنتفع الحقيقي من استحلال المحرم من الدماء وقتل الأبرياء فقال: "وما يقع في بلاد المسلمين من استحلالٍ للدماء المحرمة، وقتل الأبرياء، وبوجه أخص في منبع الرسالة، ومهبط الوحي, ينتفع به الحاقدون الموتورون من الكفار والمنافقين، الذين يعجبهم اختلاط الأمر، واشتعال الفتن في بلاد المسلمين، وقد اتخذوا الإسلام سخرياً بالطعن في شريعته، واتهام أهله بأنهم متعطشون لسفك الدماء، وانتهاك الحرمات".
المشاهدات 2803 | التعليقات 0